حق المرأة في الميراث... بين إنصاف القانون وسيف العادات والتقاليد

عشرات المناطق في الجزائر، لا تزال المرأة فيها تحرم من حقها الشرعي من الميراث، باسم الأعراف والتقاليد

رابعة خريص 
الجزائر ـ ، فعدد كبير منها تصنف ميراث المرأة في خانة الممنوعات والتي لا يجب أن تفتح إطلاقاً للنقاش وهو ما يتسبب في نزاعات عائلية وحتى شجارات جماعية وقد تصل إلى حد القتل. 
 
ظلم العرف
كشفت دراسة جزائرية أعدها المرصد الجزائري للمرأة عن اتساع رقعة ظاهرة حرمان المرأة من الميراث في الكثير من المحافظات، وخصت الدراسة بالذكر المناطق التي تضم أكبر عدد من المساجد والزوايا. 
وحسبما ورد في هذه الدراسة فإن هذه المناطق تتميز بطابعها الفلاحي، حيث للأراضي قيمة كبيرة تقاس بمؤشر الثراء، فالمرأة الجزائرية في هذه المناطق يسمح لها بميراث الأموال وقطع من الذهب لا أكثر ولا أقل، بالرغم من أن هذه المناطق تعرف بانتشار ثقافة دينية واسعة بحكم امتلاكها عدد كبير من المساجد والزوايا. 
وتقول الدراسة إن 80 بالمائة من النساء يتنازلن عن حصتهن من الميراث حفاظاً على صلة الرحم، أو بسبب ضغوطات الأشقاء من جهة أخرى وهو ما ينتج عنه نزاعات عائلية حادة حول هذه القضية، ورغم هذه الأرقام والمعطيات، تقول الدراسة إن الجزائر تعد أفضل حالاً على غرار تونس ومصر والأردن، حيث تشهد المرأة في هذه الدول حرماناً منقطع النظير من حقها في الميراث باستعمال القوة.
كل ما ورد في السابق ينطبق على وضع وردة علاش في العقد السادس من عمرها أم لأربعة أطفال، إذ تروي لوكالتنا بمرارة عن فقدانها لأشقائها الأربعة بسبب مطالبتها بحقها في ميراث والدها الذي فارق الحياة منذ 20 سنة تقريباً "بالرغم من أن والدي ترك وصية لأشقائي حول الإرث الذي تركه وآليات تنفيذها، غير أن أشقائي الأربعة لم يلتزموا بها ولأنني قررت اللجوء إلى القضاء للحصول على حقي من الميراث قطعوا صلتهم بي". 
والأغرب من هذا تقول وردة علاش أن المرأة التي تطالب بحقها من الميراث عن طريق العدالة ينظر إليها وكأنها ارتكبت خطأ لا يغتفر شبيه مثلاً بقضايا الشرف. 
وأوضحت إن الميراث لا يجب أن يتجاوز حدود العائلة بالأخص وإن كان عبارة عن أراضي ومحلات فيتم توارثه جيلاً بعد جيل ومن العيب أيضاً أن يباع، مشيرة إلى أنه في هذا الإطار هناك بعض العائلات قررت فرض التزاوج الداخلي أي أن يكون الزواج بين أفراد العائلة الواحدة حتى لا تقع الممتلكات بين أحضان الغرباء. 
وحسب دراسة أجريت نشرها أستاذ التاريخ الجزائري محمد أرزقي فراد، فإن قضية إقصاء المرأة من الميراث في بعض المناطق الجزائرية، تعود إلى وثيقة تم توقيعها سنة 1974 بأعالي جبال جرجرة يُطلقُ عليها اسم "وثيقة كوكو" نسبة إلى مملكة "كوكو"، التي تأسست عام 1511 عند سفوح جبال جرجرة في منطقة القبائل الأمازيغية شرق الجزائر، واستمرت حتى عام 1730.
تمنع هذه الوثيقة تحويل الأراضي إلى ملّاك آخرين أو أشخاص أجانب على اعتبار أن الأراضي الفلاحية رأس مال أهل المنطقة. 
ويقول صاحب الدراسة التي تحمل عنوان "واقع حرمان المرأة الجزائرية من الميراث"، أن المسألة مُرتبطة بمُختلف المناطق التي تنتشر فيها الزوايا.
وبحسبه فإن عدة مناطق ترفض تزويج بناتها من رجال من خارج العائلة، وهو الأمر الدارج في مناطق العرُوش التي يُسيطر عليه النظام القبلي، وقد تفشت هذه الظاهرة بعد الوثيقة التي تم توقيعها سنة 1749.
تعود قصة هذه الوثيقة، وفقاً لما كشف عنه محمد فراد، إلى فتوى دينية، توارثتها الأجيال عدة قرون، أبطال الحكاية بحارة من الجيش العثماني، تم حجزهم في الأندلس لمدة فاقت عشرين سنة، فتزوجت نساؤهم الجزائريات في فترة غيابهم. 
وفي نهاية المطاف عادت أملاكهم إلى أصهارهم الغرباء عنهم، وعندما أخلي سبيلهم عادوا إلى الجزائر في وقت وقعت حرب أهلية طاحنة، بسبب تلك الأملاك، فاضطر أهل المنطقة إلى تحرير هذه الفتوى حتى لا تذهب حصة المرأة الجزائرية إلى زوجها الغريب عن العائلة.
 
سيف الحياء
وتقول الحقوقية والمحامية الجزائرية فاطمة زواني لوكالتنا إنه وبالرغم من وجود ترسانة قانونية تعطي المرأة الجزائرية كامل حقوقها من الميراث كما ورد في الشريعة الإسلامية غير أن الأمر لم يمنع من ظهور بعض الظواهر السلبية التي تحول دون مطالبتها بحقها الشرعي سواء بسبب خوفها من فقدان عائلتها أو تعرضها لضغوطات. 
فبعض النساء حسب الحقوقية فاطمة زواني لا تتجرأن على رفع دعاوي قضائية والدخول إلى أروقة العدالة الجزائرية حفاظاً على سمعة عائلتها أو في بعض الأحيان بعضهن تجهلن حقوقهن الشرعية والقانونية. 
وتنص المادة 363 على "يعاقب بالحبس من شهرين إلى ثلاث سنوات، الشريك في الميراث أو المدعي الذي استولى بطريقة الغش على كامل الإرث أو جزء منه قبل اقتسامه، وتكون هناك عقوبات صارمة ضد مرتكبي الجرائم والتجاوزات غير القانونية". 
وعن طريقة تعامل المشرع الجزائري مع هذه الظاهرة، تقول الحقوقية إنه خصص له 57 مادة قانونية في قانون الأسرة الجزائري بدءاً من المادة 126 إلى غاية المادة 183 من هذا القانون. 
وأوضحت إن ظاهرة حرمان المرأة الجزائرية من الميراث لا علاقة لها بالأحكام القانونية لأن الجزائر رائدة في هذا المجال، بل لها علاقة بالعادات والتقاليد التي تجعل المرأة تطالب بحقوقها الشرعية والقانونية.
وتقول الأستاذة الجامعية والناشطة الاجتماعية تريكي آيت شاوش دليلة إن حرمان المرأة من حقها في الميراث أمر "محزن" للغاية بالأخص وأنه يُسجل عند أشخاص على مستوى عالي من التدين. 
وتقف وراء هذه الظاهرة عدة أسباب تذكر منها تريكي دليلة "الجشع والطمع والعرف الفاسد، فالكثير من النساء ترفضن المطالبة بحقهن في الميراث تحت طائلة التهديد الاجتماعي". 
وتعتقدُ الناشطة أن القانون الجزائري يعطي المرأة كامل حقها من الميراث لكن التهديدات العائلية التي تطالها تجعلها تتخلى عن حصتها من الميراث. 
وترى تريكي دليلة أن المرأة في حقبة أجدادنا عانت كثيراً من هذه المسألة، لكن الوضع يختلف اليوم بالنسبة للمرأة المعاصرة التي أصبحت أكثر وعياً بحقوقها.