هنادي عكيلة: ضعف القانون في إيجاد رادع هو أولى دوافع التزويج المبكر

أكدت المحامية هنادي عكيلة أن ضعف القانون يساهم في انتشار ظاهرة زواج القاصرات الذي ينعكس بشكل سلبي على حياتهن

نغم كراجة

غزة ـ أكدت المحامية هنادي عكيلة أن ضعف القانون يساهم في انتشار ظاهرة زواج القاصرات الذي ينعكس بشكل سلبي على حياتهن، مشددةً على أن عدم نضوج العقل سيؤدي إلى نشوب مشكلات اجتماعية قد تصل إلى مشكلات قانونية.

لازالت ظاهرة التزويج المبكر سائدة في فلسطين، وباتت منتشرة بكثرة في الآونة الأخيرة في ظل ازدياد حالات العنف والطلاق للفتيات اللواتي تزوجن تحت السن القانوني، ويعود ذلك لعدم تطبيق قانون حقوق الإنسان والطفل، وعدم وجود رادع لهذه الظاهرة مما شكل آثاراً سلبية ووخيمة على المرأة الفلسطينية.

تقول "ح. ع" 16 عاماً وهي إحدى الفتيات اللواتي تزوجن في سن مبكر "أنا مطلقة مرتين رغم صغر سني كما أنني حامل ولدي طفل صغير. لقد أودى بي الزواج المبكر إلى معاناة كبيرة من مشكلات اجتماعية وقانونية ورفع عدة قضايا، وتعرضت للكثير من العنف الأسري وأشده عنف جسدي ومعنوي ولفظي، إلى جانب ذلك تحملت مسؤوليات كبيرة".

ومن جهتها قالت "ر. م" أنها "تزوجت في سن الخامسة عشر عاماً وأنجبت طفلاً، لم أكن على دراية كاملة بالتعامل معه، وذلك جعلني أؤذي نفسي وطفلي كوني في حالة نفسية غير متزنة توصلني للاضطراب والقلق والاكتئاب، وفي بعض الأحيان أصل للتفكير بالانتحار هرباً من المشاكل والاضطرابات النفسية التي أعانيها"، وأردفت هنادي عكيلة على الحالة "قد تكون الآثار غائبة عن العين في المرمى البعيد وليس في الوقت الحاضر، ولكن ما نعاينه من النماذج الواقعية نجد أن التزويج المبكر له آثاره، وما يولد من عنف يتعرض له الزوج/ة، إذا كان كلاهما أطفالاً، لكن إذا كانت الزوجة هي الطفلة فهي تتعرض للعنف أكثر".

قالت المحامية هنادي عكيلة أن "منظومة القوانين المطبقة في قطاع غزة مختلفة عن المطبقة في الضفة الغربية، بخصوص سن الزواج في قانون الأحوال الشخصية الذي نص على أن يكون سن الفتى ثمانية عشر عاماً فأكثر وسن الفتاة سبعة عشر عاماً فأكثر، ولكن وجد استثناء في قانون حقوق الأسرة بأنه إذا كانت الهيئة محتملة يسمح للقاضي بتزويج الفتى البالغ أقل من ثماني عشرة عاماً والفتاة أقل من سبعة عشر عاماً، ومن هنا تأتي مشكلة التزويج المبكر والدعم القانوني له".

وأوضحت "فيما القانون المطبق الآن في الضفة الغربية، وما صدر مؤخراً عن رئيس السلطة الفلسطينية قرار رفع سن الزواج إلى ثمانية عشر عاماً فأكثر، مع وجود بعض الاستثناءات التي تسمح بأقل من ذلك وهو غير مطبق بكل تأكيد في قطاع غزة، باختلاف المنظومة القانونية، والتزويج والزواج المبكر مصطلحين يحملان نفس المعنى، ولكن ما يطلق الآن هو التزويج المبكر وليس الزواج المبكر لشد ولفت الانتباه أكثر على وجود عنصر غير موافق من أحد الطرفين، فلدينا فتى أو فتاة أقل من ثمانية عشر عاماً ليس لديهما الموافقة الكاملة".

وأضافت "إن كان هناك موافقة من قبل أحد الطرفين فقط فإن في هذه الحالة لا تكون الموافقة كاملة كما نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اشترط أن يكون الحق أو الحرية في الموافقة الكاملة، ونحن هنا أمام قانون الطفل الفلسطيني، وكذلك الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الطفل التي حددت سن الطفولة بثمانية عشر عاماً وأقل، وعليه فإن أي تزويج يكون بسلب الإرادة لأي طرف من الطرفين سواء الطفلات أو الأطفال نكون أمام تزويج مبكر".

وأشارت إلى أنها لاحظت من خلال "النماذج الواقعية التي نعاينها على أرض الواقع ونقوم بالتعامل معها خاصةً من القاصرات اللواتي تعانين من التزويج المبكر، أن العديد منهن تعرضن لآثار سلبية نتيجة التزويج المبكر من ضمنها الآثار النفسية، الصحية، وأخرى اجتماعية تؤدي إلى آثار قانونية متعلقة بالمشكلات القانونية والعلاقات الزوجية والعائلة، مما يؤدي إلى لجوء هذه الفتاة للحصول على حقوقها وحل مشكلاتها التي تتعثر حلها كون الطرفين لا زالا صغيرين، وليس لديهما الأهلية الكاملة لإنشاء حياة مكتملة المسؤولية".

ونوهت هنادي عكيلة إلى أنه "في حال لم يكن الجسد مكتملاً وعدم بلوغه يؤثر أيضاً على عدم اكتمال ونضوج العقل والتفكير العقلي، وهذا سيؤدي إلى نشوب المشكلات الاجتماعية التي ستصل بها إلى المشكلات القانونية".

وعن أسباب ودوافع التزويج المبكر في المجتمع الفلسطيني، قالت هنادي عكيلة أن "أولى الأسباب القانونية هو عدم ردع القانون مثل هذه المشكلة، فالقانون بالاستثناء الذي جاء به خاصةً المطبق في قطاع غزة أعطى الصلاحية والمجال لما يسمى بالتزويج المبكر، وهذا الضعف القانوني بحاجة لحملات مناصرة ولقاءات حوارية مع أصحاب القرار لتغيير القانون القائم والمطبق في قطاع غزة؛ للتوائم مع حاجة المجتمع، وأيضاً الأسباب الاقتصادية الراهنة، والأزمات المتتالية مثل انتشار جائحة كورونا فتعتقد الكثير من الأسر بمجرد تزويج طفلتها بأنها ستخفف وترتاح من العبء، لكن في المقابل سيضاعف هذا العبء أكثر".

وأشارت هنادي عكيلة إلى أن "سبب تردي الأوضاع الاقتصادية هو الاحتلال وأزمة الانقسام الداخلي في فلسطين، والتي لا يمكن أن نغض الطرف عنها التي أودت بالكثير من الأسر تحت خط الفقر، وهذا ما يدفع بعض الأسر وأولياء الأمور بتزويج فتياتهن في سن مبكر حتى يتخلصوا من العبء والتكاليف، غير ذلك التقاليد الموروثة التي تتمثل في أن ابن العم لبنت العم، علاوة على ذلك محدودية التعليم ففي بعض المناطق في قطاع غزة الوصول للمدارس صعب، وهذا يضعف فرصة حصول الفتيات على التعليم فبالتالي يكون دافع الأسرة تزويجهن مبكراً".

وفي ختام حديثها بينت أنه لمواجهة ظاهرة التزويج المبكر يجب التركيز على أمرين في غاية الأهمية، وهما التوعية وموائمة وتغيير القوانين، فالتوعية تكون لجميع أفراد المجتمع من نساء ورجال وأطفال حول مدى خطورة هذه الظاهرة وما يترتب عليها من آثار وخيمة بعد عدة سنوات، وتغيير القانون بأن يصبح سن الزواج ثمانية عشر عاماً فأكثر بحيث يتم حماية الفتيات والفتيان أيضاً، بالإضافة إلى حملات المناصرة التي تنفذها مؤسسات المجتمع المدني والنسوية لدعم حقوق النساء والفتيات بهدف رفع سن الزواج وإلزام الحماية لهن.