هكذا يقدمون للمرأة طوق النجاة ويدعمونها لتواجه الجاني

الاتجار بالنساء واحد من القضايا التي يتم العمل على مناهضتها دولياً خلال الفترة الأخيرة، وتوضع لمواجهتها عدد من المشاريع من أجل توعية المرأة بأشكاله المختلفة التي قد لا تشعر بها

أسماء فتحي 
القاهرة ـ .
في ضوء اهتمام وكالتنا بمحاربة مختلف أشكال العنف واستغلال المرأة وكذلك التلاعب بمصيرها، التقينا بمدير برنامج مناهضة العنف ضد المرأة ومشروع مناهضة الاتجار بالنساء نورا محمد، لتستعرض أبرز محطات عمل المشروع الذي استغرق عامين والخدمات التي تم تقديمها للنساء من خلال القائمين عليه.
 
أشكال الاتجار بالمرأة متنوعة وتكاد لا تدركها
تقول نورا محمد أن مؤسسة "قضايا المرأة المصرية" تعمل منذ سنوات طويلة على قضايا العنف ضد النساء وأن المشروع استمر لعامين، موضحةً أن المؤسسة قامت بعمل أول دراسة مسحية على ظاهرة الاتجار تم خلالها تفنيد القانون وصوره ومعاييره وتم الخروج بـ 14 شكل للإتجار وكذلك تحديد الأماكن التي يتم تركزه فيها وأسباب ذلك والفئات الأكثر عرضة للإتجار مستقبلاً.
وعن صور الاتجار بالنساء التي تم الوقوف عليها أشارت نورا محمد أنها متعددة وكان منها تزويج القاصرات واستغلال العمالة المنزلية للسيدات، وكذلك استغلال الزوج لزوجته سواء في العمل أو الأعمال المنافية للآداب.
 
الدعم والمساندة
أكدت نورا محمد أن المؤسسة عملت من خلال مشروعها على محاربة القضية كفكرة من خلال تقديم الدعم والمساندة وكذلك تبني الدعاوى القضائية الخاصة بالنساء الواقع عليهم الاستغلال والاتجار بهم، بالإضافة إلى تقديم الدعم النفسي اللازم للمرأة والاستماع إليها والعمل على إعادة تأهيلها في حال تطلب الأمر لذلك من خلال الأطباء والمختصين، مشيرةً إلى أنهم قاموا بتأسيس أربع مراكز مساندة في المحافظات التي رصد بها أشكال مختلفة للإتجار بالنساء، وهي المنصورة والفيوم والقاهرة الكبرى وشرم الشيخ.
وقدمت المكاتب مختلفة نفس العمل الذي تقوم به مؤسسة قضايا المرأة المصرية، والهدف من إنشائها كان التسهيل على النساء ليتمكن من الوصول والحديث دون الانتقال مسافةً طويلة حتى القاهرة، كما تم وضع دليل إرشادي خلال فترة المشروع للمؤسسات والجمعيات العاملة على مناهضة الإتجار "يضم الدليل طريقة إنشاء مركز مساندة يعمل على هذا الملف، لأن الإتجار صورة من صور العنف وليس العنف كاملاً وهناك خيط رفيع يفصله عن العنف الجنسي أو الاقتصادي لذلك كان من الضروري وضع دليل توضيحي لهذه التفاصيل".
 
التمكين الاقتصادي
قالت مديرة مشروع مناهضة الاتجار بالنساء أن الجانب الاقتصادي كان واحداً من العناصر التي تم الاهتمام بها حيث تم إعداد دورات التمكين الاقتصادي للنساء الواقع عليهم الاستغلال، معتبرةً أن العمل على إعداد مشروع صغير أو مصدر دخل ولو بسيط للمرأة يساعدها إلى حد كبير في النجاة والتخلص من تبعات الاستغلال الواقع عليها.
وأضافت أن المؤسسة في ختام دوراتها التدريبية والتأهيلية قامت بمنح بعض النساء ماكينات خياطة وأدوات عمل المشغولات اليدوية من التريكو وغيرها ليبدأن مشاريعهن الصغيرة.
 
التوعية والتثقيف
وأشارت إلى أن واحد من العناصر التي تم العمل عليها خلال المشروع هو التوعية والتثقيف حول نماذج الاتجار بالنساء، مؤكدةً أن القانون وحده لن يحد من الجريمة وإنما اقتضت الضرورة رفع درجة الوعي على مستوى السيدات والأسر.
ونوهت أنهم عملوا على توفير حملات توعوية وتدريبات للإعلاميين لما لهم من دور في رفع درجة الوعي وتغيير السلوك، بالإضافة إلى تدريب المحامين الخريجين حديثاً على استغلال الاتفاقيات الدولية وسبل التعامل بها، كما تم تدريب عدد من الجمعيات الأهلية لما لها من دور كبير في التأثير.
 
السياسة التشريعية
وأكدت نورا محمد أنهم كانوا حريصين طوال الوقت من حيث السياسة التشريعية على إقامة نقاشات مع المعنيين والقانونيين حول الاتجار بالنساء وتبعاته وأهم المواد التشريعية التي يتم إغفالها أو خلطها بقوانين أخرى، لافتةً أنهم خاطبو اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار والهجرة الغير رسمية باعتبارها المعنية أكثر بما يتناوله المشروع، وأشارت إلى أن الفترة السابقة شهدت تحرك نحو زيادة الوعي والتدريبات للمعنيين من النيابة والقضاء وغيرهم.
وكان من بين برنامج العمل ضمن المشروع مخاطبة الجهات الحكومية المعنية بقضايا النساء كوحدات مكافحة العنف ضد المرأة، وطرح مقترحات بوجود باحثات في أقسام الشرطة للاستماع لشكوى المرأة، وكذلك اللجنة التنسيقية التي تحتاج للعمل بشكل أكبر خاصةً في نطاق التوعية للحد من تلك الممارسات.
وضم المشروع مجموعة من الاستشاريين والخبراء القانونيين ممثلين في قضاة ومحاميين واستشاريين اجتماعيين ونفسيين قاموا بالعمل على القانون والإشكاليات الخاصة به ولائحته التنفيذية وكذلك الكتاب الدوري للنائب العام الذي يغفل الكثيرون أهميته.
وكللت تلك الجهود بحسب مديرة المشروع نورا محمد، بإعداد ورقة بها بعض التوصيات القانونية وتم إرسالها للجنة الوطنية وبالفعل أكدوا أنهم سيأخذون ببعض التوصيات خاصةً أنهم في تلك الأثناء كانوا يعملون على لتدريبات القضاء بما فيهم النقض.
 
المعوقات التي واجهت القائمين على مشروع الاتجار بالنساء خلال عملهم
أكدت مديرة مشروع مناهضة الاتجار بالنساء أن أكبر إشكالية واجهت العاملين على المشروع تمثلت في تطبيق قانون 64 لسنة 2010 بما يحتويه من صور ومعايير يتم على أساسها التعامل مع وصف قضايا الاتجار.
وأضافت أن القانون بالفعل نموذجي وبه الكثير من التفاصيل الهامة ومنها التأهيل النفسي والاقتصادي للضحايا ولكنه على مستوى التطبيق غير مفعل لأن هناك قوانين أخرى يخضع لها تصنيف الجريمة ولأنها قديمة ومتعارف عليه تعد الأسهل في الاستخدام من البحث في ثنايا القانون الجديد الخاص بالإتجار، ومنها قانون العقوبات والعمل والأحوال الشخصية.
بالإضافة إلى إشكاليات أخرى مرتبطة بالثقافة والوعي في المجتمع الذي يترسخ في وجدان الكثيرون منه بعض المفاهيم فيرون أنه لا مانع في تزويج الفتاة الصغيرة لرجل كبير ولكنه ثري على سبيل المثال معتبرين أن وضعها في هذه الحالة أفضل من بقائها بدون زواج قابعة في الفقر.
 
أزمات تتعلق بالضحايا
"لا تشعر أنها ضحية" واحدة من أهم الأزمات التي تواجه العاملين في ملف العنف والاتجار كما ترى نورا محمد التي اعتبرت أن الكثير من النساء يعتقدن أن ما يحدث لهم من اعتداء واستغلال أمر طبيعي وليس جريمة، وأن بعض الضحايا يعطون الأولوية لمصلحة الأبناء فيرون على سبيل المثال أن مسألة عملهم مع مكوث الزوج بالمنزل دون عمل "عادي" وطبيعي من أجل الأبناء.
ولفتت إلى أن الضحية لا تأتي وتلجأ إليهم وهي مدركة تماماً أنها مستغلة ولكن ربما جاءت بسبب زيادة حدة العنف ورغبتها في الخلاص، وعند الاستماع لها نجد في التفاصيل طرق مختلفة للاستغلال كإعطاء بعض النساء منشطات كي تتمكن من العمل دون شكوى.
والأزمة الأكثر تعقيداً في رأي نورا محمد أن أغلب الواقع عليهم اتجار واستغلال يكون للأهل دور أساسي فيه لذلك فالمرأة عادة ما تكون مترددة في اتخاذ الإجراءات القانونية لأنها تخشى من أبنائها وتخاف أيضاً على عائلتها رغم استغلالهم لها.
 
تجارب مؤلمة وهنا أساس العنف الممارس ضد النساء
تقول نورا محمد أن كل التجارب بتفاصيلها واستحضار المعاناة بها مؤلم وأثرت على العاملين في المشروع فحينما روت إحدى الضحايا قصتها كانت تستمع لها وتتألم كما لو كانت هذه هي المرة الأولى التي تروى أمامها.
وتعتبر مديرة مشروع الاتجار بالنساء بمؤسسة قضايا المرأة أن أسباب الاتجار بالنساء متشابكة ومتعددة منها التربية المغلوطة للثقافة المجتمعية والتهيئة التي ترسخ تبرير لتقبل النساء للعنف الممارس وكذلك حاجة القوانين لإعادة النظر فيها وتطبيقها على أرض الواقع.