حبسهن بقوالب النمطية... أحد أشكال محاربة الذكورية للنسويات

تتحمل النساء والفتيات اللواتي تتمتعن بفكر النسوية عبء كبير ناجم عن الممارسات العنيفة من قبل الرجال تفوق قدرة الشخص الطبيعي على القبول بها والتي قد ترقى لحد التهديد بالقتل.

أسماء فتحي

القاهرة ـ غالباً يبدأ الهجوم على النسوية بإطلاق كم من المصطلحات التي ترمي لانتهاك حق الخصوصية، والتي تكون بعيدة كل البعد عن حرية التعبير ولا تستند على وقائع حقيقية منها الوصم والتشهير.

"أنا العاهرة خرابة البيوت والداعية للفسق والمُجون في رواية أحدهم"، قد تكون كلمات قاسية لا يتحمل البعض أن يوصف بها، ولكن عدد ليس بالقليل من النسويات ترددنها على سبيل السخرية حيناً أو لتسليط الضوء على الجهل المعرفي العابر للحدود أحياناً، وعند ذكر مثل هذه العبارات قد يرد إلى الأذهان أن عدداً قليلاً جداً من النساء المفكرات توصفن بتلك الكلمات وغيرها، إلا أن الأمر طال كل من حمل على عاتقه المحاربة من أجل نيل كل امرأة حقوقها المشروعة.

يمكن القول إن السلطة الذكورية التي تسيطر على قطاع كبير لا يملك أي فكرة عن مفاهيم النسوية هي وراء مثل هذا النوع من التشهير والانتهاك، وعادة ما تغذيه بأفكارها السوداوية تجاه المرأة كلما زادت قضايا العنف ضدها أو قيام مناصرو النسوية بمحاربة أحد أنماط هذا العنف مثل تشويه الأعضاء التناسلية وقتل النساء في الشوارع مروراً بمناهضة تزويج القاصرات، على اعتبار أنها بوابات السيطرة الكبرى والقهر المجتمعي لكينونة المرأة وأفكارها وطبيعتها الإنسانية المتعطشة للحرية من سطوة هذه السلطة.

لذلك بات من الضروري تسليط الضوء على الواقع الذي تعيشه النسويات والمطالبات بحقوق المرأة وخاصة حقها في المساواة والعدالة فهي أمور تحتاج لقدر أعمق من البحث والتدقيق، فعدد لا بأس به من المدافعات يتعرضن للتهديد بالقتل أو نشر أخبار كاذبة عنهن وتشويه سمعتهن، والمجتمع ذي الجهل المعرفي والعلمي لا يبالي بالتبعيات المترتبة من شن حرب على كل امرأة تحترم ذاتها وتطالب بحقوق بني جنسها، بل قد يفتك بها مستغلاً القالب النمطي الذي قبلت به بعض النساء والذي قد يتجسد في انتهاكها معنوياً أو مادياً كلما أتيحت له الفرصة لذلك.

بعض الرجال يستغلون فرضيات المجتمع حول ما يجب أن تؤديه المرأة من أدوار ويمارسون عليها حملات تشويه بهدف التقليل من مكانتها الاجتماعية والهيمنة على كيانها، ومن أبرز نتائج هذه العملية هو خفض مدى تأثيرها على مجتمعها ومحيطها.

وفي هذا السياق أكدت مدير برامج مبادرة سوبر وومن أمنية إبراهيم أن السبب الرئيسي القابع خلف محاربة الذكور للنسويات يكمن في الجهل المعرفي حيث أن عدد ليس بالقليل من الرجال لا يملكون أي فكرة عن النسوية سواءً عن تعريفها أو أهدافها وحتى نتائجها التي حققتها منذ بداية البشرية، كما أنهم يربطون بين النسوية ومعاداة الذكور وكرههم لها فهم يعتبرونها في كثير من الأحيان مصدر الخطر الذي يهدد استقرار الفرد والأسرة، كل سوء الفهم هذا يكون بفعل الشائعات والمعلومات المغلوطة التي يتم ترويجها ضد النسوية، مضيفة أن هناك قولبة للنسويات سواء فيما يتعلق بمظهرهن الخارجي أو عدم رغبتهن في ارتداء الحجاب أو حتى على الصعيد السلوكي والطبقي.

وتعتبر أن خوف الرجل من فقد سيطرته على المرأة بسبب النسويات اللواتي تدركن واقع حقوق المرأة وسبل الحصول عليها كما أنهن يمتلكن القدرة الكافية والأدوات الرافضة لأية انتهاكات بحقهن، من الأسباب الكامنة خلف حملات الوصم والتشهير التي طالت العديد من النسويات في كثير من المجتمعات.

 

أنماط وأشكال وصم النسويات

ونوهت أن غالبية الرجال يتبعون أساليب متنوعة لمضايقة أي امرأة تطالب بحقوقها المشروعة أو تدافع عمن حولها أو حتى عند إعلان تضامنها مع النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب أو القتل أو التشهير وغيرها من الأساليب، بهدف جعلها عبرة لغيرها من النساء اللواتي قد تحاولن السير على طريقها أو الوقوف في وجه السلطة الأبوية.

وأضافت أن أكثر ما توصف به النسويات خاصة عند مناهضتهن قضية تشويه الأعضاء التناسلية للمرأة أنهن "عاهرات"، فضلاً عن الكم الهائل من التهم مثل الدعوة للفسق والمُجون والعهر، وفي حال الحديث عن انتهاكات ترتكب بحق المرأة كالعنف تتعالى الانتقادات ضد النسويات المدافعات وضد كل من يرفضه سواء كان رجل أو امرأة، واتهامهن بمحاولة إخراج الفتيات عن السياق الاجتماعي الذي يرونه قويم بما فيه الكفاية ودعوتهن للانفصال عن الأسرة والعيش باستقلالية.

كما أكدت أن هناك حالة من الاستهتار بمختلف الألفاظ والأساليب التوعوية التي تستخدم للدعم النسوي، وأن الأمر لم يتوقف عند الاتهامات والوصم، بل أنه وصل لحد التهديد بالقتل والتشهير والتخويف بأدوات وأساليب مختلفة منها استغلال الصور والفيديوهات واستخدامها لفبركة فضائح جنسية على سبيل المثال.

 

الوعي أولاً... من أبرز الحلول للتعامل مع الهجمات الذكورية

أكدت أمنية إبراهيم أن الجهل يشكل أحد أهم أسباب هذه الظاهرة، لذا فالعمل على زيادة الوعي الثقافي في المجتمع تجاه النساء، يشكل نقطة محورية تدعم الأفكار التي تنادي على احترامهن والتعامل معهن على قدم المساواة مع الرجال، بالإضافة لتوعية النسويات تجاه الحرب الشرسة التي تستهدفهن، كما أشارت إلى ضرورة العمل على تعريف النساء بحقوقهم وكذلك الرجال وتفنيد الشائعات والأفكار المغلوطة وتنمية ثقافتهم حول الدور الاجتماعي الهام الذي تجسده النسويات سواءً من أجل المرأة أو المجتمع.

وتعتبر أن أحد أهم حلول هذه الانتهاكات بحق النسويات تكمن في توضيح مفهوم النسوية وأدوارها خاصة دورها في تحقيق المساواة بين الجنسين حتى تنال النساء حقوقهن واستقرار المجتمع، لافتةً إلى ضرورة التأكيد على كون النسوية فكرة والإيمان بها لا يتطلب شكل أو قالب دون النظر للاعتبارات التي يراها المجتمع فيمن ينتمون إليها.

وأوضحت أن الجلسات الحوارية المشتركة واحدة من الأدوات التي يمكن من خلالها إحداث تقارب بين الجنسين، فضلاً عن نبذ الحروب الوهمية بين الرجل والمرأة، وأن لكل منهم الحق في السعي لنيل حقوقه المنقوصة ومنع ما قد يتعرض له أحدهما من انتهاكات معنوية كانت أو مادية.

وفي ختام حديثها أكدت أن على ضرورة العمل من أجل إقرار القانون الموحد لمواجهة العنف وتدريب القائمين على تنفيذه لمنع الاستثناءات مما يرسى دعائم تأثيره المباشر في حماية جميع الأفراد دون أي تمييز يستند على النوع الاجتماعي.