حبس جد ومنتحل صفة طبيب في قضية ختان... محاميات يرون أنه تتويج لجهود طويلة

واحدة من الانتهاكات الصارخة والتعدي الواضح على أجساد النساء تتمثل في "الختان" تلك الظاهرة الأبشع بين الأزمات التي تعاني منها المرأة في المجتمع المصري

أسماء فتحي 
القاهرة ـ خاصة أن تبعاتها لا تزول بالتقدم في العمر ومرور الزمن بل تظل آلامها لصيقة ومؤثرة لوقت قد لا ينتهي إلا بمفارقة الحياة.
صدر يوم السبت 19شباط/فبراير، حكم تاريخي جديد في ملف الختان حيث قضت إحدى محاكم أسوان الواقعة أقصى جنوب مصر، بحبس جد لطفلة وشخص منتحل صفة طبيب بالحبس 3 سنوات بعد إجرائهم عملية ختان لحفيدته الأولى البالغة من العمر 8 سنوات. 
 
تفاصيل الواقعة
تعود تفاصيل الحادثة إلى حزيران/يونيو 2021 حيث اتفق جد الطفلة لأمها مع أحد الأشخاص المنتحل لصفة طبيب لإجراء عملية ختان لحفيدته البالغة من العمر 8 سنوات والمقيمة في حضانة جدتها لأمها بسبب انفصال والدتها عن أبيها وزواجها من أخر، مما جعلها في حضانة جدتها بحسب القانون.
ويعد الحكم الجديد إضافة هامة في سبيل مواجهة ظاهرة ختان الإناث في مصر والتي تنتشر بدرجة كبيرة خصوصاً في المناطق الريفية وصعيد مصر، وما زالت تنتشر بسبب إجرائها في الخفاء، وإحجام الضحايا عن إبلاغ السلطات، كون المسؤولين عن الجريمة هم الأهل.
 
"الحكم في قضية الختان أحيا الأمل في تنفيذ القانون"
قالت المحامية داليا زخاري التي عملت في العديد من مؤسسات تنمية المجتمع المدني وحقوق الإنسان أن الحكم الأخير بأسوان والسابق في شبرا يستحقا الاحتفاء، لأنهم أعادوا الأمل للعاملين على هذا الملف في تطبيق القانون الذي تعثر النزول به لأرض الواقع.
وبعض القضاة بحسب داليا زخاري يفكرون من منطلق أن حبس عائل الأسرة سيؤثر على قدرتها على التعايش إلا أنها اعتبرت أن الأحكام المشددة تحول دون قدرة نظرائه على ممارسة هذا الجرم وسيساهم في الحد من تلك الظاهرة.
ولمواجهة تلك الظاهرة بشكل جذري ترى المحامية داليا زخاري أن هناك أمرين ضروريين يجب الوقوف عليهم الأول يتمثل في تحديد أولويات المؤثرين في الأمر وترتيبهم بحسب درجة وأهمية فاعليتهم سواء كان ممارسات الأطباء أو الثقافة الجنسية أو عدم تنفيذ العقوبات والأمر الآخر هو العمل على توفير ثقافة جنسية في المدارس فالأزمة تكمن في اختزال الجنس في الأعضاء التناسلية وهو أمر لا علاقة له بالواقع، فالعمل على إيجاد ثقافة جنسية من الصغر يغير في جذور الأزمة وسيساهم بجانب تنفيذ القانون في الحد من تلك الظاهرة.
 
 
ومن جانبها أكدت المحامية مها أبو بكر أن الحكم هام ومؤثر والقاضي الذي أصدره يستحق التقدير فمثل هذه الأحكام تحمي الفتيات من تشويه أعضائهن التي تمارس بلا وعي أو تفكير في أثاره وأضراره عليهن.
وهناك نساء لم يتسنى لهم رؤية ثمرة جهودهم وأخريات حق لهن الاحتفال بكل حكم صدر لأنه تتويج لكفاحهم من أجل حماية كل طفلة معرضة للتشويه كما ترى مها أبو بكر، معتبرة أن تكرار الأحكام قطعاً سيحد من تلك الكارثة وتأثيرها السلبي على الفرد والمجتمع.
 
"الحكم محبط ولكنه خطوة هامة على الطريق"
ترى المحامية هالة دومة أن تقديم جدة الطفلة ذات الثمان سنوات شكوى ضد الجد الذي طلب ختانها على يد أحد الممارسين لمهنة الطب بدون ترخيص خطوة مهمة في ظاهرة الختان لأن التبليغ عن تلك الجريمة أحد معوقات الاقتصاص من مرتكبيها.
وأكدت هالة دومة أنه ورغم أهمية الحكم إلا أنه محبط بالنسبة لها لأنه بحسب ما أعلن فهو حكم غيابي وهذا النوع من الأحكام تعاد إجراءاته مرة أخرى في محكمة النقض وتخفف.
واعتبرت المحامية هالة دومة أن صدور حكم بالحبس ثلاث سنوات على مرتكب جريمة الختان جاء بعد تغليظ العقوبة وبعد حكم آخر مغلظ صدر في أيلول/سبتمبر الماضي عن محكمة جنايات أيضاً في واقعة مشابهة، لذا فهي تراه أقل من المتوقع، إلا أنه إضافة للملف فبه تزداد السوابق القضائية التي يمكن استخدامها في مثل هذه القضايا، كما أنه تتويج لكفاح نساء كثيرات ناضلن من أجل مواجهة تلك الظاهرة.
 
 
سابقة الأحكام بشأن الختان
سبق وأن قضت محكمة جنايات شبرا بحكم مشابه في أيلول/سبتمبر 2021 بالحبس 3 سنوات على أب و10 سنوات على ممرض بعد إجرائهم عملية ختان لطفلة الأول وعمرها 14 عاماً، مما تسبب لها في نزيف حاد استلزم نقلها للمستشفى التي أبلغت السلطات عن الجريمة.
وكشفت التحقيقات أن الأب استدعى ممرض متقاعد عمره نحو 72 عاماً لإجراء عملية الختان لابنته، مما تسبب لها في مضاعفات خطيرة ونزيف حاد نقلت على إثره للمستشفى للعلاج.
يذكر أن الحكمين السابقين ليسا نهائيين بل يمكن الطعن بهما ونقضهم باللجوء إلى محكمة النقض، أعلى محكمة مصرية في درجات التقاضي.
 
محكمة النقض تفصل في أول دعوى ضد الختان بحكم نهائي
فصلت محكمة النقض في أول طعن بحكم قضائي في جريمة ختان الإناث في أيلول/سبتمبر 2021، وحكمت بحبس أب وطبيب 6 أشهر بعد إجرائهم عملية ختان لبنات المتهم الأول الثلاثة، بعد إيهامهم بأن الطبيب سيقوم بتلقيحهن ضد فيروس كورونا.
وجرت وقائع الجريمة في أيار/مايو 2020 بمحافظة سوهاج جنوب مصر، وبعد تخدير البنات الثلاثة أجرى الطبيب لهن عمليات الختان، وبعد أفاقتهن شعرن بألم وعلمن بأنه تم ختانهن، وعندما علمت والدتهن المطلقة بالجريمة أبلغت السلطات التي ألقت القبض على الأب والطبيب وقدمتهم للمحاكمة.
وقضت المحكمة في البداية بالسجن 3 سنوات لكل من الأب والطبيب، اللذين طعنا بالحكم أمام محكمة النقض، والتي قضت بتخفيف الحكم إلى الحبس ستة أشهر مع النفاذ.
 
معوقات مواجهة ظاهرة الختان في مصر
المشكلة الأكبر في وجه تطبيق القانون هي أن القائمين بالجريمة في أغلب الأحيان هم من أهلها، وهو ما يحفظ سرية هذا النوع من العمليات التي تتم في الخفاء وداخل المنازل أو العيادات الخاصة.
ولا يتم الكشف عن جريمة الختان إلا في عدد محدود من الحالات بسبب حدوث مضاعفات خطيرة تستدعي الذهاب للمستشفيات التي تقوم بإبلاغ السلطات، أو في حال وجود خلافات بين الزوجين مما يدفع بطرف منهم للإبلاغ عن الأخر في حالة القيام بختان أبنتهم، ولو أن الطرفين على وفاق ولا توجد خلافات بينهم لا يتم الإبلاغ عن الجريمة حتى في حالة الطلاق.
 
عقوبات جريمة الختان في القانون المصري
أقر مجلس النواب المصري تعديلاً على عقوبات ختان الإناث في نيسان/أبريل من العام الماضي 2021 بتشديد عقوبة ختان الإناث لتصل إلى السجن المشدد لمدة عشر سنوات، مع تشديد العقوبة على من يجري العملية سواء طبيب أو ممرض لتصل إلى خمس سنوات مع الحرمان من ممارسة المهنة.
وينص التعديل الجديد على معاقبة كل من طلب ختان أنثى بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، وتصل إلى 7 سنوات في حالة حدوث عاهة مستديمة للفتاة، وتصل للسجن عشر سنوات في حالات الوفاة الناتجة عن مضاعفات العملية.
ويعد التعديل الأخير تشديد للعقوبات التي أقرها مجلس الشعب المصري وقتها للمرة الأولى عام 2008 بتجريم ختان الإناث وكانت العقوبة المقررة في القانون قبل التعديل تتراوح بين ثلاثة أشهر وسنتين فقط في حدها الأقصى مع الغرامة.
 
درجة انتشار عادة ختان الإناث في مصر
بحسب دراسة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) صادرة عام 2016، فإن 87% من المصريات بين عمر خمسة عشر عاماً وتسعة وأربعين عاماً قد خضعن لعملية الختان، ورغم تراجع الظاهرة نسبياً في المناطق الحضرية والمدن، إلا أنها تظل منتشرة على نطاق واسع في المناطق الريفية والصعيد.
ووفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادرة عام 2019 فإن 89.5% من النساء في مصر تعرضن لعملية الختان. 
وشكلت الحكومة عام 2020 اللجنة الوطنية لمكافحة ختان الإناث بمشاركة كل من المجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للطفولة والأمومة، للعمل على القضاء على الختان في مصر بحلول 2030، وتتضمن الخطة تشديد العقوبات في القانون، والعمل على رفع الوعي المجتمعي بخطورة الجريمة، مع تفعيل آليات التبليغ والمحاسبة لمرتكبي هذه الجريمة.