في ذكراها الـ 28... حرية الصحافة إلى أين وصلت؟
بالرغم من تخصيص يوم عالمي لحرية الصحافة، بهدف ضمان بيئة عمل إعلامية حرة وآمنة للصحافيين، لا زال العديد من الصحفيين والصحفيات يتعرضون للانتهاكات في جميع أنحاء العالم، ويواجهون التخويف والتهديد والعنف، والحد من حرية التعبير التي من المفترض أن يتمتعوا بها.
مركز الأخبار ـ
اليوم العالمي لحرية الصحافة
يحتفل العالم في الثالث من أيار/مايو من كل عام باليوم العالمي لحرية الصحافة، وهو يوم حددته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" في كانون الأول/ديسمبر 1993، لتحيي ذكرى اعتماد "إعلان ويندهوك"، وهو بيان لمبادئ حرية الصحافة وضعه الصحفيون الأفارقة خلال اجتماع عقد في 3 أيار/مايو 1991، لتطوير صحافة حرة ومستقلة وتعددية.
وقد جاء الاجتماع عقب الأزمات المختلفة التي واجهتها إفريقيا في الثمانينات، وجاء الإعلان مستلهماً من حركة التحول الديمقراطية في المنطقة بالإضافة إلى نهاية الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي سابقاً.
وأعد الصحفيون الأفارقة لإعلان ويندهوك في حلقة دراسية نظمتها منظمة اليونسكو عن تنمية صحافة إفريقية مستقلة وتعددية، في ويندهوك عاصمة ناميبيا في الفترة من 29 نيسان/أبريل وحتى 3 أيار/مايو، ثم اعتمدته اليونسكو بعد ذلك، ينص على ضمان بيئة عمل إعلامية حرة وآمنة للصحافيين.
ويعد هذا اليوم بمثابة تذكير للحكومات بضرورة احترامها والتزامها بحرية الصحافة، وكما أنه يوم للتأمل بين الإعلاميين حول قضايا حرية الصحافة وأخلاقيات المهنة.
يتم في هذا اليوم تنظيم فعاليات للاحتفال به في كافة أنحاء العالم، والتي تختلف موضوعاتها وعناوينها من عام لآخر، ففي اليوم العالمي لحرية الصحافة لعام 2019، كان الموضوع الرئيسي يدور حول وسائل الإعلام في الانتخابات والديمقراطية، وفي عام 2020، دشنت اليونسكو حملة عالمية على وسائل الإعلام وقنوات التواصل الاجتماعي تحت عنوان "مؤتمر يوم فارق في 2020"، مع التركيز على موضوع العام ألا وهو "مزاولة الصحافة دون خوف أو محاباة" في ظل مشهد إعلامي يزداد تعقيداً.
فيما اتخذت المنظمة "ترويج المعلومات كمنفعة عامة في ظل مشهد إعلامي محفوف بتحديات شديدة" موضوعاً لعام 2021.
المؤتمر العالمي لحرية الصحافة
يُنظم المؤتمر العالمي سنوياً منذ عام 1993، ويوفر فرصة للصحفيين وممثلي المجتمع المدني والسلطات والأكاديميين والجمهور الأوسع، لمناقشة التحديات الناشئة التي تواجه حرية الصحافة وسلامة الصحفيين والعمل معاً على تحديد الحلول.
هولندا كانت الدولة المضيفة للمؤتمر عام 2020، فيما استضافت اليونسكو وحكومة ناميبيا المؤتمر الدولي لعام 2021، الذي عقد في الفترة الممتدة من 29 نيسان/أبريل إلى 3 أيار/مايو في ويندهوك، وهي الفترة التي أعد فيها "إعلان ويندهوك".
وكان المؤتمر بمثابة تجربة رقمية تجمع بين المشاركة الافتراضية والحضور الفعلي، وسلسلة من المنتديات الإقليمية، والاحتفالات الموازية، والحوارات الرئيسية، والعروض الفنية، وعروض الأفلام.
انضم إليها رواد الإعلام والناشطين وصناع السياسة والخبراء القانونيين والإعلاميين والفنانين والأكاديميين والباحثين، ومنظمات المجتمع المدني من جميع أرجاء العالم.
وعقدت قرابة أربعين جلسة افتراضية خلال المؤتمر الذي استمر خمسة أيام لمناقشة عدد من القضايا، منها "شفافية المنصات الإلكترونية وأهمية التثقيف الإعلامي والمعلوماتي".
جائزة "اليونسكو/غييرمو كانو" العالمية لحرية الصحافة
في إطار الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، تمنح منظمة اليونسكو جائزة اليونسكو/غييرمو كانو العالمية لحرية الصحافة، لشخص أو منظمة أو مؤسسة، لقاء تقديم إسهام مرموق في الدفاع عن حرية الصحافة وتعزيزها في أي بقعة من بقاع العالم، ولا سيما إذا انطوى ذلك على مخاطرة.
أنشئت الجائزة بمبادرة من المجلس التنفيذي لليونسكو عام 1997، وسميت بـ "اليونسكو/غييرمو كانو" نسبة إلى الصحفي الكولومبي غييرمو كانو إيساسا، الذي اغتيل في 17 كانون الأول/ديسمبر عام 1986، أمام مقر صحيفة "الإسبكتادور" في العاصمة الكولومبية بوغوتا، التي كان يعمل فيها.
وقد منحت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو"، جائزتها السنوية لحرية الصحافة عام 2013، للصحفية الإثيبوبية ريوت اليمو، التي كتبت عدة مقالات عن الفقر والمساواة بين الجنسين، لإسهامها في تطوير حرية الصحافة، اعترافاً منهم بشجاعتها في ظل عداء الحكومة الأثيوبية لحرية الصحافة.
وريوت اليمو واحدة من الصحفيين الناقدين والمعارضين الذين اعتقلوا عام 2011، وأُدينت في وقت لاحق بجرائم تتعلق بالإرهاب، حكم عليها بالسجن لمدة 14 عاماً، ولكن خففت لمدة 5 سنوات.
وفي عام 2020، منحت المنظمة جائزتها للصحفية الاستقصائية الكولومبية والمناصرة لقضايا المرأة، جينيث بيدويا ليما من مواليد عام 1974، التي كرست قلمها الصحفي لتغطية الصراع المسلح في كولومبيا، وكذلك إصدار بيانات بشأن عملية السلام في البلاد، فضلاً عن التحقيق في قضايا العنف الجنسي ضد المرأة.
تعرضت خلال مسيرتها للاختطاف والاعتداء الجنسي في عام 2001، على خلفية قضية تهريب الأسلحة التي كانت تحقق فيها لصالح صحيفة "الاسبيكتادور" اليومية، بعد مرور ثلاث سنوات انضمت إلى طاقم عمل صحيفة "التيمبو" لتتعرض مرة أخرى للخطف.
وفي عام 2000، حصلت على جائزة حرية الصحافة الدولية من منظمة صحفيون كنديون من أجل حرية التعبير، وفي العام التالي مُنحت جائزة الشجاعة في الصحافة من قبل المؤسسة الإعلامية الدولية للمرأة، كما تم منحها لقب أمينة الدولة لجائزة شجاعة المرأة الدولية عام 2012.
وأمس الأحد 2 أيار/مايو 2021، منحت المنظمة جائزتها للصحفية الاستقصائية الفلبينية ماريا ريسا، التي جعلتها تقاريرها هدفاً للقضاء في بلادها.
وكانت ماريا ريسا البالغة من العمر 57 عاماً، قد واجهت في السنوات الأخيرة اعتداءات على شبكة الإنترنت، ورفعت بحقها دعاوى قضائية بسبب تقاريرها الاستقصائية، شاركت في العديد من المبادرات الدولية لتعزيز حرية الصحافة، واعتقلت عدة مرات "بسبب جرائم مزعومة تتعلق بممارسة مهنتها".
تهديد وخطف واعتداء وقتل... حرية الصحافة في تراجع
خلصت التقارير الدولية التي ترصد تطور حالة حرية الصحافة في العالم، إلى أن الأوضاع تسير من السيء إلى الأسوأ، فلم تحصل حرية الصحافة منذ نهاية الحرب الباردة على الحرية المطلقة، ولا تزال القائمة السوداء للدول الأكثر قمعاً وعداءً لحرية الصحافة تتجه نحو الاتساع.
عادة ما توصف الصحافة بكونها مهنة المخاطر، لكن بالنسبة للصحفيات، فإن هذه المخاطر غالباً ما تصبح مضاعفة، فبالإضافة إلى الصعوبات التي ينطوي عليها العمل الصحفي بحد ذاته، تجد الإعلاميات أنفسهن عرضة للعنف الجنسي أو القائم على نوع الجنس.
العديد من الصحفيات اللواتي تتحلين بالشجاعة، ويقمن بفضح إساءة استخدام السلطة أو الفساد أو الجريمة أو توفير المعلومات التي يحتاج المجتمع إلى معرفتها، يعلمن بأنه قد يكون ثمن ذلك فقدان حريتهن أو أرواحهن.
تتعرض الصحفيات لخطر مزدوج بسبب جنسهن ودفاعهن عن حقوق المرأة، فهن يواجهن الاختطاف والاختفاء القسري وكذلك التعذيب، والسجن أيضاً الذي يعتبر من المظاهر الشائعة في كثير من البلدان، وخاصة في الدول التي شهدت نزاعات وصراعات وحروب، لا لشيء فقط لأنهن يكتبن الحقيقة.
وتتعدد هويات قتلة الصحفيات طوال العقود الماضية، فمنهم أنظمة مُستبدة لا تطيق إعلاماً مستقلا يراقبها، أو عصابات لا تريد للصحافة أن تكشف فظاعاتها، وصولاً إلى تنظيمات إرهابية تفتك بكل صوت يعارضها أو يكشف عن جرائمها.
وبالرغم من أن الأمم المتحدة اتخذت في عام 2013، قراراً بإعلان الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيات والصحفيين، وبالرغم من أن المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على أن "لكل شخص الحق في حرية التعبير والرأي، ويشمل هذا الحق اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون التقيد بالحدود الجغرافية"، إلا أن الصحفيات لا زلن يتعرضن للتحرش الجنسي لتكميم أفواههن وترهيبهن دون معاقبة الجاني.
وبحسب إحصائيات رسمية فإنه منذ 2006 وحتى 2019، فإن 1200 صحفي وصحفية قتلوا أثناء أدائهم لواجبهم المهني.
تواجه الصحفيات اليوم تحديات وتهديدات جسيمة منها الرقابة والترهيب والاعتداء المباشر، فقصص التحرش بالصحفيات منتشرة في كل المجتمعات، وبالرغم من أن قوانين بعض الدول تمنح المرأة بعض العدالة التي يصعب الوصول إليها في معظم الأحيان، إلا أن معظمها لا تزال قوانين حماية المرأة فيها قاصرة في كثير من جوانبها.
ففي السعودية، تعرضت الصحفية نوف عبد العزيز الجراوي للتعذيب بالكهرباء والاعتداء الجنسي أثناء احتجازها، وهي التي تقبع في السجن لتنديدها بنظام ولاية الرجل على المرأة في بلدها.
وفي البرازيل، دفعت الصحفية باتريشيا كامبوس ميلو ثمناً باهظاً مقابل تحقيقها في استخدام الرئيس جايير بولسونارو لأموال حكومية بشكل غير قانوني من أجل تمويل حملات تضليلية، حيث طالتها حملة تنمر شديدة العنف على شبكة الإنترنت، بعد أن اتهمها جايير بولسونارو وأبناؤه بالحصول على معلومات مقابل علاقات جنسية.
وفي فرنسا، شارك نحو 40 صحفياً من جريدة ليكيب الرياضية اليومية في وقفة تضامنية مع زميلاتهم الصحفيات، بعد كشف النقاب عن عدد من حالات التحرش داخل "الأقسام الرياضية".
بينما دخلت صحفيات مصريات من بين 10 نساء معتقلات في سجن القناطر الخيرية، في إضراب عن الطعام في كانون الأول/ديسمبر 2019، لتسليط الضوء على ظروف اعتقالهن "غير المبررة" وما يتعرضن له من "معاملة غير إنسانية".
وقد أثرت أزمة انتشار فيروس كورونا خلال عام 2020، على الصحفيات بشكل كبير، وباتت حرية الإعلام في خطر أكثر من أي وقت مضى في كل أنحاء العالم، استخدمت العديد من الأنظمة السياسية حول العالم وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، حجة فيروس كورونا لقمع حرية الصحافة.
وفي وقت أصبحت الأخبار الكاذبة فيه مشكلة حقيقية يواجهها الإعلام، تم إقرار قوانين عدة لمحاربة الأخبار الكاذبة حول الفيروس، ولكن غالبية القوانين التي تم إقرارها وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، كانت أداة قوية بيد الحكومات لقمع الصحافة وحرية تعبير الناشطين والناشطات وكذلك الصحفيين والصحفيات، وممارسة الرقابة المشددة عليهم.
وقد تعرضت مؤخراً الصحفية الفلسطينية رواء مرشد، لـ "اعتداء همجي" حسب ما وصفته نقابة الصحفيين الفلسطينيين، المنفذ من قبل أحد عناصر الضبط الميداني التابعين لوزارة الداخلية في غزة، بحجة عدم ارتدائها الحجاب ومظهرها العام.
وبالرغم من كشفها عن طبيعة عملها كصحفية إلا أن عنصران من الضبط الميداني قاما بمنعها وزميلتها من التصوير ومصادرة الجوال الخاص بزميلتها، واحتجازهما لحين وصول الشرطة النسائية.
عدد الصحفيات المعتقلات في ارتفاع
لا تمتلك الصحافة الحرية المطلقة في أدائها عملها، فحظر النشر والسجن هي أنماط سلوك معروفة تماماً، تستخدمها الدول التي تسعى إلى منع التعبير عن الرأي في بلدانها.
وفقا لبيانات لجنة حماية الصحفيين، يوجد حالياً حوالي 250 صحفياً حول العالم خلف القضبان، ووفقاً لتقرير مراسلون بلا حدود للحصيلة السنوية، شهد عام 2020 ارتفاعاً في عدد حالات الاحتجاز التعسفي بحق الصحفيات بنسبة 35%، أي أنه تم احتجاز 42 صحفية عام 2020 مقابل 31 صحفية في عام 2019، وتم تسجيل أغلب الحالات الجديدة في بيلاروسيا التي عاشت موجة قمع غير مسبوقة منذ الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في منتصف عام 2020.
فيما تم احتجاز ما لا يقل عن 387 صحفياً في عام 2020 لأسباب تتعلق بممارسة المهنة، يتركز أكثر من نصف هؤلاء الصحفيين في خمس دول بنسبة 61%، وتبقى الصين الدولة التي تضم أكبر عدد من الصحفيين في العالم في السجون.
تليها تركيا، التي تواصل محاكمة الصحفيين المفرج عنهم بصورة مشروطة واعتقال صحفيين جدد، تتبعها السعودية التي تضم 34 صحفياً وصحفية في سجونها، ومصر التي أبقت صحفيين غير مدانين بأية جريمة قيد الاحتجاز لمدة طويلة جداً، تضم 30 صحفياً وصحفية في سجونها ثم فيتنام 28، وسوريا 27.
كما تم احتجاز 4 صحفيات في إيران وصحفيتين في الصين، حيث ازداد القمع مع تفاقم الأزمة الصحية، ومن بين الصحفيات المحتجزات الفيتنامية فام دوان ترانج، التي حصلت سنة 2019 على جائزة مراسلون بلا حدود للصحفي الأكثر تأثيراً.
ويشير التقرير إلى أن 54 صحفياً يوجدون حالياً في عداد الرهائن بمختلف أنحاء العالم، حيث تراجع العدد بنسبة 5% عن العام الماضي.
وقد شهدت الولايات المتحدة عام 2020 توقيف أو توجيه تهم جنائية لعدد غير مسبوق من الصحفيين بلغ عددهم 110 صحفياً، إضافة إلى تعرض نحو 300 صحفي للاعتداء، أكثرهم على يد موظفي إنفاذ القانون، بحسب موقع تابع لحرية الصحافة الأمريكي "برس فريدوم تراكر".