عفرين بعد الاحتلال حرب بانتهاكات وجرائم جديدة

سلسلة من المجازر والدمار وعمليات النهب تعرض لها الأهالي، خلال الهجوم التركي على مقاطعة عفرين، ويشن الاحتلال اليوم حرباً جديدة تتمثل بتغيير ديموغرافية المنطقة وتحويلها لمستوطنات تأوي الجماعات الإرهابية وعوائل مقاتليها

روبارين بكر
الشهباء - .
تميزت مقاطعة عفرين التي تقع في شمال وشرق سوريا، بخصوصيتها الكردية على مر التاريخ، حيث تقع على سلسلة جبلية، تتألف من 366 قرية موزعة على سبعة نواحي هي "جندريسه، شيه، راجو، موباتا، بلبله، شيراوا، شرا إضافة لمركز عفرين". 
بقيت عفرين شامخة ومتمسكة بلغتها وثقافتها وهويتها القومية بالرغم من عمليات التعريب والقوانين التي فرضها النظام السوري منذ الستينيات تحت ما يسمى الإصلاح الزراعي والعديد من الوسائل كالحزام العربي. 
وخلال الأزمة السورية كانت المقاطعة التي تمتد على مساحة ٣٨٥٠ كم2، من أكثر المناطق أمناً واستقراراً بفضل سكانها الذين حموا أنفسهم بأنفسهم، ومع انطلاق شرارة الأزمة السورية في 2011 استقبلت الآلاف من النازحين من عرب، وكرد وتركمان. 
وتشهد عفرين منذ احتلالها في 18 آذار/مارس 2018 أي منذ أكثر من ثلاث سنوات أكبر عملية تغيير ديموغرافي، فبسحب منظمة حقوق الإنسان عفرين - سوريا هجر أكثر من 300 ألف مواطن قسراً من عفرين، وأقدم الاحتلال التركي على توطين أكثر من 400 ألف شخصاً من عوائل المرتزقة من مختلف المناطق السورية.
 
أعوام من التغيير الكلي والجزئي لعفرين  
أكدت لوكالتنا عضو منظمة حقوق الإنسان عفرين ـ سوريا نائلة محمود أن "تركيا سعت لهدفين رئيسيين عند احتلالها لعفرين، الأول هو الضغط على الأهالي لتهجيرهم قسراً، أما الثاني فهو تغيير ثقافة وتراث المنطقة وطمس هويتها التاريخية للوصول إلى هدفهم في ممارسة التغيير الديمغرافي".
وحول خطورة المرحلة الراهنة على عفرين قالت "المرحلة التي يمر بها أهالي عفرين بعد الاحتلال التركي هي الأكثر خطورة وحساسية في تاريخ عفرين، فالمحتل التركي يتعدى على القيم الإنسانية في عفرين، والسكان المتبقين على أرضهم يتعرضون كل يوم للانتهاكات؛ لإجبارهم على الرحيل ليتمكن المحتل من توطين عشرات الالاف من سكان القلمون والغوطة وريف حماة في منازلهم، في تغيير ديموغرافي كلي يشمل المنطقة".    
ويذكر أنه بعد احتلال تركيا لمقاطعة عفرين في 18 آذار/مارس 2018 سارع الاحتلال بتوطين المجموعات المرتزقة بعد أن تم إخراجهم من الغوطة الشرقية والقلمون في ريف العاصمة السورية دمشق، ضمن مركز المقاطعة وكافة نواحيها ضمن سلسلة التغيير الديمغرافي وهم محملين بعشرات الباصات.  
وأكدت نائلة محمود أنه "بعد توطين أعداد كبيرة من النازحين في عفرين قامت تركيا وبدعم من جمعيات قطرية وكويتية ببناء العشرات من المستوطنات في عفرين وقراها، مما يخدم مصالح دولة الاحتلال التركي بالإضافة إلى تغيير الثقافية الكردية لسكان عفرين". 
وأعطت نائلة محمود العديد من الأمثلة على خطط تركيا لضم عفرين "بناء المستوطنات وتهجير أهالي عفرين، كذلك ما تمارسه الآن من تداول للعملة التركية، وبناء المدارس وفرض اللغة التركية جميعها أدلة تثبت مساعي تركيا لتوسيع خارطتها على حساب شعوب المنطقة". 
وبحسب ما قالت شبكة عفرين بوست التي ترصد وتوثق انتهاكات وجرائم تركيا منذ احتلالها للمنطقة، فإنها في شباط/فبراير 2019 حصلت على معلومات أكيدة حول الجهود القطريّة لتشجيع الاستيطان والاستقرار في عفرين لما تقدمه من مغريات ومساعدات ماليّة منها "منظومة قطر لإعادة الأمل للأرامل" التي تشجع الزواج من الأرامل، والمنظمة القطرية تتكفل بكامل مصاريف الزواج، وفي سياق عمليات التغيير الديموغرافي والتوطين بنت تركيا مستوطنات ومراكز لتحفيظ القرآن ضمن كل مستوطنة للعرب والتركمان المستقدمين من مختلف المحافظات السورية بدعم من منظمات قطرية وكويتية.    
وتطرقت نائلة محمود إلى السياسة التركية للاستفادة من أهالي عفرين المهجرين من خلال إغرائهم بالعودة للانتقام منهم "تركيا تسعى لإثبات دورها في عفرين وذلك عبر النداءات التي توجهها للمهجرين عبر ما يسمى المجلس المحلي في عفرين لتشجيعهم على العودة". مضيفةً أن تركيا قدمت وعوداً للمهجرين الراغبين بالعودة وهي عدم المساس بهم.
وتنفي تركيا ممارستها التغيير الديموغرافي "الخطاب التركي يدعي عدم انخراطه بمشروع تغيير هوية عفرين لكن الوثائق التي وصلتنا أثبتت العكس فتم توثيق العديد من حالات الانتهاكات التي مارستها تركيا والمرتزقة بحق العائدين مقابل دفع مبالغ مالية باهظة، والشخص الذي كان يحلم بالعودة السالمة لأرضه تعرض للعنف والخطف والابتزاز".     
وبحسب مهجرين هربوا من عفرين قبل أشهر كانت قد التقت بهم وكالتنا فإن الدولة التركية وعدت بإعادة أملاك العائدين بضمانات ما يسمى الائتلاف السوري أداة تركيا في المنطقة والهدف الحقيقي هو ابتزازهم بعمليات الاختطاف وطلب الفدية. 
 
حرب من نوع آخر 
وحول بناء مدرسة دينية إسلامية مكان مركز اتحاد الإيزيديين في عفرين قالت الرئيسة المشتركة لاتحاد الإيزيديين في إقليم عفرين عائشة سيدو "مركز اتحاد الإيزيديين كان مقصداً لتجمع الإيزيديين، فبناء مدرسة دينية إسلامية مكانها هو محاولة للقضاء على الإيزيدية في المدينة".   
وبحسب شبكة نشطاء عفرين، التي هي مجموعة من الصحفيين توثق الانتهاكات في عفرين المحتلة، فإنه بعدما بات مركز الإيزيديين في عفرين ركاماً بفعل القصف افتتح المجلس المحلي التابع لتركيا بتاريخ 24 أيلول/سبتمبر الجاري فوق انقاضه مدرسة باسم "الإمام الخطيب" شيدتها "جمعية الأيادي البيضاء – تركيا" بتمويل من "جمعية الشيخ عبد الله النوري الخيرية - دولة الكويت"، وتعتبر المدرسة الدينية النموذجية التركية الثالثة في المدينة إلى جانب مدرسة أخرى في جنديرس ومدرسةٍ يتم تشييدها في ناحية شرا. 
وحول ما كانت عليه الحياة في عفرين قبل اجتياحها قالت "في ظل الإدارة الذاتية الديمقراطية عاش أهالي عفرين على أساس التعايش المشترك وأخوة الشعوب فلم تشهد المدينة أي تفرقة بين المكونات، بل إن الجميع تكاتف لحماية أرضهم، كما كانت عفرين ملجأ لجميع النازحين من بطش الإرهاب الذي ضرب جميع أنحاء سوريا". 
وأكدت عائشة سيدو أن استهداف الإيزيديين وهم من الشعوب الأصيلة والقديمة في منطقة عفرين استهداف لأصالة عفرين "للإيزيديين مزارات دينية تثبت وجودهم القديم على هذه الأرض، فتركيا ومن خلال استهدافهم تحاول القضاء على الهوية الكردية".  
وحول بناء المستوطنات والهدف من ذلك فبينت أن "بناء المستوطنات والوحدات السكنية في العديد من قرى عفرين ونواحيها وخاصة القرى الايزيدية يهدف لخلق واقع سكاني جديد، بعدما ضمنت دولة الاحتلال التركي صمت جميع الدول والعالم عن توطين عشرات الآلاف من المستوطنين في منازل المهجرين بعد الغزو التركي للمدينة".
وفي ختام حديثها نددت الرئيسة المشتركة لاتحاد الإيزيديين في إقليم عفرين عائشة سيدو بالصمت الدولي "باسم جميع الايزيدين ندين ونستنكر بأشد العبارات صمت الدول حول الانتهاكات التي تحصل في عفرين ونطلب منهم القيام بدورهم". 
 
"نطالب بالعودة لأرضنا بحماية دولية" 
قالت فيروز هورو من أهالي ناحية شيه في عفرين وهي مهجرة في مقاطعة الشهباء منذ أكثر من 3 سنوات "تركيا ومرتزقتها دمروا كل مكان في عفرين، وقطعوا الأشجار المعمرة ونهبوا ممتلكاتنا".
وأضافت "بحسب الأخبار التي نقلها لي جيراني وأقربائي الذين ما يزالوا في عفرين فإن المرتزقة نهبوا منزلي بالكامل، حتى المسامير في الجدران خلعوها وسرقوها وحتى الأحجار. هذه ليست قصة منزلي فقط بل هو واقع كل منزل في عفرين".  
وأكملت حول الخسائر التي تسبب بها الاحتلال لمنزلها "قطعوا أكثر من ألفي شجرة زيتون معمرة من أراضينا، وحرقوا عشرات الهكتارات من الأراضي الحراجية والزراعية في عفرين". 
واختتمت فيروز هورو حديثها بالمطالبة من المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والحقوقية الخروج عن صمتهم، وضمان عودتهم بحماية دولية.