فاطمة رومات: إهمال مقاربة النوع الاجتماعي والمناصفة سببان لضعف تمثيل المرأة

رغم أن النساء استطعن أن يثبتن كفاءتهن داخل الحقل المعرفي والجامعي الأكاديمي، إلا أن مراكز القرار والمناصب العليا داخل المؤسسات الجامعية لازالت حكراً على الرجال.

رجاء خيرات

المغرب ـ أكدت أستاذة القانون الدولي فاطمة رومات أن عدم تطبيق مقاربة النوع الاجتماعي ومبدأ المناصفة في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، هو إهمال واضح من قبل الوزارة الوصية، وطالبت بإدماج الكفاءات النسائية في تسيير الجامعات.

دعت أستاذة القانون الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط ورئيسة المعهد الدولي للبحث العلمي فاطمة رومات إلى إدراج مقاربة النوع الاجتماعي داخل فضاء الجامعات، كما طالبت بالعمل على تغيير العقليات وترسيخ ثقافة النوع الاجتماعي فيها، من خلال إدراج مادة خاصة بثقافة النوع الاجتماعي في كل التخصصات وإقامة دورات تدريبية إلزامية لكل من فئة المشتغلين في الإدارة وهيئات التدريس.

وأكدت أن "ضعف تمثيل النساء في الجامعة المغربية ليس سببه ضعف نسبة العاملات في الحقل العلمي والأكاديمي فقط، بل أيضاً انعدام نسبة تمثيلهن على مستوى المناصب العليا كرئاسة الجامعات وعمدة الكليات، وهو حال مجالس الجامعات والكليات ورئاسة الشعب واللجان العلمية ومجموعات البحث".

وأضافت أن "هذه الهياكل لطالما كانت حكراً على الرجال مع وجود نسبة ضئيلة للمشاركة النسوية التي تمكن من اختراق هذه الفضاءات بصعوبة، وهو مؤشر واضح على مدى إهمال الوزارة الوصية لمسألة مقاربة النوع الاجتماعي ومبدأ المناصفة الذي يعد من المكتسبات القانونية لدستور 2011، وقد قرأت الاستراتيجية الوطنية للبحث العلمي لسنة 2025 بتمعن، لعلي أدرك فيها بعضاً مما يوحي بدور الجامعة في ترسيخ قيم الديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان بما فيها حقوق المرأة، لكن جميع المصطلحات كتبت بصيغة المذكر ولم أفلح في التقاط أي تعبير يدل على اعتماد مقاربة النوع الاجتماعي التي بدونها لا يمكن تحقيق التنمية، وبالتالي لا وجود للديمقراطية دون تحقيق مبدأ المساواة".

ولفتت إلى أن "الوزارة الوصية على القطاع تملك تصوراً غير كافي للديمقراطية في ظل غياب المساواة بين الجنسين، وهو تجاهلاً تاماً لمساهمة الباحثات وإضافاتهن النوعية في مجال التعليم العالي والبحث العلمي بدءً بفاطمة الفهرية التي شيدت أم الجامعات (جامعة القرويين بفاس) ووصولاً إلى أسماء بوجبار التي تم تعيينها من قبل شركة حازا الدولية في آذار عام 2014 لتضاف إلى قائمة رواد الفضاء".

وأشارت إلى أن "هناك العديد من النساء تركن بصمتهن في عمليات تسيير شؤون المؤسسات الجامعية مثل رحمة بورقية وغيرها من الرائدات اللواتي تشكلن أيقونة واحدة للباحثات اللواتي تعترف بكفاءتهن أفضل الجامعات الدولية، إلا أن واقع الحال لا يعترف بهذه الكفاءات حين يتعلق الأمر بالمناصب العليا ومراكز صنع القرار، كما أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لم تستثمر هذه الطاقات النسائية بشكل كافي، بل واعتبرت المرأة مجرد وسيلة لسد النقص على مستوى الموارد البشرية لتأثيث الفضاء".

وأكدت على أن "عدم إدماج النساء في تسيير الجامعات وبقاء مراكز القرار في هذا القطاع الحيوي حكراً على الرجال، من شأنه أن يكلف المغرب الكثير، ولو استحضرنا التحديات الداخلية التي تندرج في إطار تحقيق أهداف الألفية الثالثة بالإضافة للتحديات الخارجية التي تفرضها العولمة واتفاقيات التبادل الحر التي عقدها المغرب مع قوى اقتصادية وتكنولوجية كبرى، حيث تفرض هذه التحديات على البلاد أن يجند كل موارده البشرية لا أن يهمش ويقصي نصفها".

وتساءلت "كيف يمكن تحقيق مجتمع معرفي مع عدم إدماج الكفاءات النسائية في تسيير الجامعات ومؤسسات البحث العلمي، في الوقت الذي يحتاج فيه المغرب لأن يضاعف مجهوداته في هذا المجال؟"، مشيرةً إلى أن المعطيات تؤكد أن هناك تمييزاً مبنياً على النوع الاجتماعي يحول دون وصول النساء لمراكز صنع القرار على مستوى الجامعة المغربية وحصر مهمتهن على التدريس وبعض المشاريع البحثية الفردية، مرجعة الأسباب لتفسير ذلك هي عوامل سوسيوثقافية على رأسها الذهنية الذكورية والصور النمطية السائدة حول دور المرأة في المجتمع بالإضافة لعوامل سياسية مرتبطة بغياب الإرادة السياسية لتبني استراتيجية مبنية على النوع والمناصفة.

ودعت إلى مراجعة الاستراتيجية الوطنية للبحث العلمي لسنة 2025، مشددةً على ضرورة اتخاذ مجموعة من الإصلاحات منها ما هو مؤسساتي وقانوني ومنها ما هو مرتبط بالتكوين والتوعية وتأسيس لجنة في الوزارة الوصية مهمتها إدماج مقاربة النوع وتفعيل مبدأ المناصفة في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، وفتح حوار وطني مع كافة الفاعلين في القطاع سواء من داخل المؤسسات التعليمية أو من خارجها، بالإضافة إلى ضرورة تعديل الترسانة القانونية المنظمة لقطاع التعليم العالي والبحث العلمي، بحيث تتم ملاءمتها مع مقتضيات الفصل 19 من الدستور المغربي، وحثت على العمل بمبدأ التناوب بين النساء والرجال فيما يخص اختيار المرشح أو المرشحة لرئاسة الجامعات والمؤسسات التعليمية.

كما دعت إلى تأسيس لجنة داخل كل مؤسسة جامعية مكلفة برصد وتتبع مدى الالتزام بهذا المبدأ ومساندة ودعم النساء ضحايا التمييز المبني على النوع وضحايا التحرش الجنسي، بالإضافة إلى خلق منصب الرئيس أو الرئيسة ونائب عميد أو عميدة خاصة بالمناصفة ومناهضة كل أشكال التمييز المبني على النوع، وحثت على ضرورة تغيير العقليات وترسيخ ثقافة النوع الاجتماعي داخل المؤسسات الجامعية، وذلك بالاستثمار في مجال التكوين وبالتالي إدراج مادة خاصة بثقافة النوع الاجتماعي في كل التخصصات والاستثمار في التكوين المستمر بتنظيم دورات تكوينية إلزامية لكل من فئة المشتغلين في الإدارة و هيئة التدريس.

وفي الختام طالبت بإطلاق حملات توعية داخل فضاء الجامعة ترفع الوعي بأهمية مقاربة النوع الاجتماعي والمساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، لتحقيق التغيير المنشود والذي يفترض أن يبدأ من الجامعة.