دعوات نسوية مغربية لإقرار مبدأ المساواة في الميراث

احتدم النقاش هذه الأيام في المغرب حول قضية المساواة في الميراث ومراجعة أحكام الإرث بالتعصيب؛ (وهي قاعدة مثبتة في قانون مدونة الأسرة التي تفرض على الوارثات اللواتي ليس لهن ذكر

حنان حارت 
المغرب ـ ، اقتسام ممتلكاتهن مع الأقرباء الذكور للأب المتوفى) حيث تعتبره الحركات النسوية ظلماً للمرأة، وانتقاصاً من قيمتها داخل المجتمع.
 
تضحية دون مقابل
لم تكن تعتقد فاطمة مروازي (46) عاماً، وأم لبنتين، بعد سنوات من التعب والعمل وادخار المال من أجل شراء مسكن يأويها وأسرتها الصغيرة، أن يجور عليها الزمن.
في بوحها لوكالتنا تقول بحرقة وألم كبيرين "كان حلمي وزوجي أن نمتلك بيتاً، بدل الغرفة التي كنا نستأجرها، في بداية زواجنا اتفقنا على تأجيل الإنجاب حتى نتمكن من شراء بيت؛ كنا نعمل سوياً وكنا ندخر رواتبنا ونصرف القليل منها، كنا نستغني عن كل الكماليات ونكتفي بالضروريات فقط، كنا نردد دائماً نتقشف اليوم، حتى نتمكن من تحقيق حياة أفضل لأبنائنا في الغد".
وأضافت "بعد ست سنوات تمكنا من جمع مبلغ صغير، وبعت مجوهراتي واقترضنا بعض المال من معارفنا وتكلفت فيما بعد بإعادته لأصحابه بالتقسيط، وهكذا قمنا بشراء شقة كانت بمثابة العش الذي تتحقق فيه أحلامنا المؤجلة".
تصمت فاطمة مروازي لحظة وتتنفس بعمق لتستأنف حديثها قائلة "لم يكن بيني وبين زوجي أي شيء يدعو لعدم الثقة، فماله لي والعكس، توالت الأيام وحملت بطفلتين توأم، عزمنا على تربيتهما أحسن تربية وإدخالهما لأحسن المدارس، لكن شاءت الأقدار أن يمرض زوجي ويتوفى".
وتتابع حديثها قائلةً "بعد أيام أفاجأ بأخوته يطالبونني بإعطائهم حقهم من ميراث أخيهم، قلت لهم ليس لديه أية أموال غير راتبه وهو من حقي وحق بناته، وهذا المنزل الذي نسكن فيه اقتنيناه سوياً، أوضحت لهم أن البيت ليس في ملكيتي لكن كل مدخراتي ساهمت بها من أجل مساعدة أخيكم لشراء هذا البيت".
وأضافت فاطمة مروازي بتأثر بالغ "بقوا متشبثين بموقفهم دون مراعاة لما ستؤول له حياتنا، قالوا إن المشرع يعطيهم هذا الحق، لا يهمهم كيف تم شراء المنزل، لكن ما يريدونه الآن هو حقهم في الميراث، فخيروها بين إن أرادت الاحتفاظ بالبيت عليها تقييمه ومنحهم حقهم مادياً، وإن لم يكن لديها المال، فحينذاك سيقومون ببيع المنزل وكل واحد يأخذ حقه الشرعي".
وأوضحت "قمنا بالإجراءات القانونية وتم بيع المنزل وحصل كل واحد على حقه الشرعي"، مشيرةً إلى أن المبلغ الذي حصلت عليه لم يكفيها لشراء بيت آخر ما اضطرها إلى استئجار منزل، أما باقي المبلغ ادخرته في البنك لتأمين مستقبل بناتها.
وتختم حديثها قائلةً "حالتي ليست الوحيدة في المغرب، بل هناك العديد من النساء يعانين من الظلم، فمثلاً أنا ساهمت في تنمية ثروة زوجي، ولولا مساعدتي المادية لما تمكن من شراء البيت، فلا يعقل أن يرث من لا يتعب ولم يساهم بدرهم واحد في شراء عقار".
 
حملة من أجل التغيير
فاطمة مروازي ما هي إلا نموذج لآلاف النساء المغربيات اللواتي يعشن نفس السيناريو مع اختلافات بسيطة في بعض التفاصيل، ونتيجة ما تعتبره الحركات النسائية في المغرب تمييزاً وعدم مساواة في الحقوق بين الرجال والنساء، أطلق اتحاد العمل النسائي في المغرب، حملة وطنية، تنادي بتغيير شامل وجذري لبعض البنود والفصول الواردة في قانون مدونة الأسرة، ومن بين التعديلات التي يطالب بها الإتحاد، إرساء المساواة بين المرأة والرجل في الميراث، رغم ما يشكله هذا الموضوع من جدل كبير.
 
 
وقالت المحامية ورئيسة جمعية اتحاد العمل النسائي فرع الدار البيضاء عائشة لخماس لوكالتنا أن جمعية اتحاد العمل النسائي تناضل من أجل المساواة بين النساء والرجال على جميع المستويات، بما في ذلك المساواة في الحقوق المدنية، ومنها المساواة في الإرث.
وأوضحت عائشة لخماس أن اتحاد العمل النسائي قام بتقييم لمدونة الأسرة بعد 18 سنة على صدورها؛ وترى أن هناك بعض الفصول التي تحتاج إلى إعادة شاملة، بناء على مقتضيات الدستور الذي يدعو إلى المساواة في الفصل التاسع عشر في الجانب المدني والسياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي، مشيرة إلى أنه من بين القضايا التي تحتاج مراجعة شاملة هي مسألة الميراث من أجل القطع مع التمييز وتكريس مبدأ المساواة بين الجنسين.
 
المساواة في الميراث
وأوضحت أن "الأسرة المغربية عرفت تطوراً نوعياً انعكس على أدوار ومكانة المرأة سواء بصفتها زوجة أو أماً أو ابنة، فالتعليم والتكوين والعمل أخرج النساء من الدائرة الضيقة التي حصرت فيها إلى الفضاء العمومي الأرحب، لكن مع ذلك بقيت الحقوق الاقتصادية للنساء في أدنى المراتب سواء على مستوى العمل أو الولوج للموارد وللملكية" .
وأضافت "شكل عدم الحصول على الحق المتساوي في الإرث بين النساء والرجال أحد الأسباب الرئيسية لحرمان النساء من الوصول للثروة"، لافتةً إلى أن النساء المالكات للعقارات لا تتعدى نسبتهن 7 في المئة بالمدينة وفي القرية 1 بالمئة، وهو ما يبين أن النساء لا يحصلن لا على النصف ولا الثلت ولا الربع الأمر الذي يتطلب مراجعة شاملة لمنظومة المواريث ليس فقط الكتاب السادس من مدونة الأسرة، بل أيضاً الجزء الخاص بتصفية التركة في المسطرة المدنية.
ولفتت إلى أن الإصلاح الذي ينادي به اتحاد العمل النسائي، وباقي مكونات الحركة النسائية في المغرب، يواجه دائماً بعنف من طرف القوى التقليدية بدعوى أن أحكام المواريث منصوص عليها في القرآن الكريم بآيات قطعية الثبوت والدلالة.
وأشارت إلى أراضي الملك التي يحق للنساء أن يرثن فيها، مؤكدةً أن هؤلاء لا يتوصلن لذلك بحكم التقاليد المنتشرة في الوسط القروي التي تعتبر أن البنت ستدخل على العائلة غريباً يستفيد من أملاكهم فيقومون في أحسن الأحوال بإخفاء الوثائق التي تثبت الملكية ولا ينجزون الوثائق الضرورية لتصفية التركة، وهو ما يفسر نسبة النساء المالكات للعقار في الوسط القروي التي لا تتجاوز 1 في المئة.
 
آن الأوان ليتساوى الجنسين
 
 
ومن جهتها تعتبر الناشطة الحقوقية وعضو مؤسس لجمعية التضامن النسوي ليلى مجدولي "أنه آن الأوان اليوم أن تتساوى النساء مع الرجال في الميراث، معللة بالقول "النساء نصف المجتمع وفي عصرنا الحالي بالإضافة إلى قيام النساء بتربية الأبناء، والاهتمام بالبيت، بتنا يعملن خارج البيت كذلك، ويشاركن في إنتاج الثروة"، وتتساءل في هذا الصدد كيف نحرم نصف المجتمع من حقوقه؟
 
دعوة للأخذ بالتحولات المجتمعية
وأوضحت أن مطالب الحركة النسائية في المغرب لا تمثل طعناً أو تجاوزاً للنصوص الدينية، بل هي دعوة صريحة إلى الأخذ بعين الاعتبار كل التحولات والتغيرات الاجتماعية التي طرأت على المغرب، والسعي نحو إقرار المزيد من الحقوق والمكتسبات لصالح المرأة.
ولفتت إلى أن عدداً مهماً من النساء أصبحن يتقاسمن الأعباء المادية للأسرة، بل إن جل العائلات المغربية أصبحت تعيلها نساء، "أمام هذه التغييرات المجتمعية، تجعلنا نؤكد أنه لا يمكن أن نعتمد على نفس التشريعات والقوانين التي كان يعتمد عليها في الأزل"، مشددة على أنه "حان الوقت إلى أن نتشجع ويتم سن قوانين تساير تطلعات وانتظارات الحركات النسوية في المغرب، وتنصف نساء اليوم اللواتي تحولن من مستهلكات إلى منتجات ومساهمات في إنتاج وإنماء الثروة الأسرية".