دعوات للحد من ظاهرة التحرش الجنسي في الجزائر

يعتبر مفهوم التحرش الجنسي في العمل وجه من أوجه العنف الممارس ضد المرأة وقد يؤدي إلى انعدام الاستقرار

رابعة خريص

الجزائر ـ يعتبر مفهوم التحرش الجنسي في العمل وجه من أوجه العنف الممارس ضد المرأة وقد يؤدي إلى انعدام الاستقرار، لذلك حاولت العديد من التشريعيات تطويقه، وعالج المشرع الجزائري هذه الظاهرة في المادة 341 مكرر في قانون العقوبات، وحتى قانون العمل المعمول به حالياً فقد خصص فيه فصل كامل حول التحرش الجنسي في أماكن العمل، وهو ما يعرض مرتكبه لعقوبة تأديبية على المستوى الوظيفي والمتابعة القضائية أيضاً.

خصصت مسودة قانون العمل الجديد كلاً من المواد 56 ـ 57 ـ 58 ـ 59 لتجريم التحرش الجنسي في أثناء وخلال التواجد في أماكن العمل بمختلف أنواعه من خلال ممارسة ضغوطات أو الإساءة اللفظية، المادية، القانونية لتحقيق غرضه الشخصي أو لطرف آخر، كما جرمت مسودة القانون الضغوطات اللفظية أو غير اللفظية والعبارات المستعملة بغية إذلال أو إهانة أو تخويف الشخص المتحرش به للتأثير عليه وانتهاك كرامته. 

وشدد القانون على عدم السماح لأصحاب العمل بممارسة أي ضغوطات مهما كانت بحق الرافضين للخضوع والاستسلام لأعمال التحرش الجنسي من خلال إقالتهم أو نقلهم، وكشفت مسودة القانون عن فرض عقوبات وإجراءات تأديبية على صاحب العمل الذي يتحرش بموظفيه مع إبقاء المتابعة القضائية بحقه بموجب القانون ومعاقبة الشهود في حال تقديمهم أي اتهام كاذب أو شهادة زور حول الواقعة.

 

"توجه أصابع الاتهام بالدرجة الأولى نحو المرأة"

تبقى هذه المعالجة محدودة حسبما ورد في بيان لتنسيقية المرأة العاملة في الجزائر، إذ طالبت بوضع رقابة وعقوبات صارمة على المتحرشين للحد من انتشار العنف والتحرش الجنسي في الآونة الأخيرة، وتوفير الأمن والحماية اللازمة في المؤسسات التعليمية بشكل عام والمناطق النائية بشكل خاص.

تقول سميرة علال وهي في العقد الرابع من عمرها، عن معاناتها مع التحرش في بداية التحاقها بالعمل كموظفة في مؤسسة خاصة "بدأت معاناتي عندما التحقت بعملي منذ حوالي ستة سنوات تقريباً. قاومت كثيراً أمام إغراءات صاحب المؤسسة التي بدأت بالعمل بها، وبسبب رفضي وصدي لطلباته المتكررة وإلحاحه الدائم بدأ يمارس علي ضغوطات كبيرة كحرماني من الترقية لأجبر على ترك العمل، ولم أخبر أي أحد من عائلتي حتى لا يمنعوني من العمل مجدداً".

من جانبها كشف لطيفة ب التي كانت تعمل سكرتيرة لدى مسؤول عام بإحدى الشركات الخاصة، أنها كانت تعيش حالة من القلق والتوتر النفسي بسبب تصرفات مديرها السابق في العمل، فتقول "بحكم عملي كسكرتيرته، كنت أحاول إيجاد طرق عديدة لتجنب نظراته وأسلوبه الدنيء معي، ومحاولاته الدائمة للاقتراب مني وحتى محاولة لمسي، وهو ما أثر علي سلباً، فحتى عندما تنتهي فترة عملي وأعود إلى البيت ينعكس أسلوبي وطريقة معاملتي على ابني الوحيد سلباً".

وأضافت "تحملت كثيراً وقاومت حتى لا أقدم استقالتي لأنني كنت بحاجة ماسة إلى العمل كوني المعيلة الوحيدة لطفلي، غير أنني في نهاية المطاف استسلمت واستقلت وتحملت ظروفاً قاسية جداً حفاظاً على كرامتي".

وتقول الحقوقية فاطمة زواني أنه نادراً ما تلجأ المرأة المتحرش بها جنسياً إلى القضاء الجزائي، والمطالبة بحقها بحكم العادات والتقاليد التي تسيطر على الأسرة، وخوف المرأة من فقدان عملها أو منعها من العمل من قبل أهلها.  

فالموضوع يكتسي "حساسية" كبيرة فالكثيرات تخفن من الفضيحة و"تلطيخ السمعة" لأن في الجزائر وبقية المجتمعات الأخرى توجه أصابع الاتهام بالدرجة الأولى نحو المرأة، لذلك فهي تفتقد للكثير من الجرأة والقوة والشجاعة للإفصاح عن معاناتها في مثل هذه الجوانب، كما أوضحت فاطمة زواني.  

 

قوانين غامضة

ويمكن التأكيد على أن ظاهرة التحرش الجنسي هي من بين القضايا "المسكوت عنها" في المجتمع الجزائري بالنظر لحساسية هذه القضية فهي لا تختلف كثيراً عن قضية العنف الممارس ضد المرأة، ولهذه الأسباب سيبقى موضوع التحرش الجنسي بعيداً كل البعد عن المعالجة الحقيقية وجانباً كبيراً منه يبقى مخفياً.

ومن مواطن القصور في معالجة هذه الظاهرة، تشير فاطمة زواني إلى أن القوانين غير كافية لوضع حد لهذه الجريمة "المسكوت عنها" رغم أن المشرع الجزائري أعطى للمرأة الحق في العمل مثلها مثل الرجل انطلاقاً من الدستور الذي يعتبر أعلى قانون في البلاد، حيث أقر مبدأ المناصفة في سوق العمل، وحقها في الترقيات في الهيئات الإدارية العمومية والمؤسسات.

وأضافت أنه عزز حقها في الحماية الجسدية بتحديد السن الأدنى لتوظيفها، وعدم توظيف المرأة في الأماكن الخطيرة وألزم المستخدم بإجراء فحوصات دورية من أجل حمايتها، كما حدد أوقات عملها وعدم توظيفها ليلاً دون ترخيص، وحدد سن التقاعد أقل من سن تقاعد الرجل، ولها الحق في عطلة الأمومة، وساعات الرضاعة، وبإمكانها أيضاً الحصول على معاش التقاعد، كما منحها الحق في المطالبة بحقوقها أمام القضاء المدني والحصول عليها، واللجوء إلى القضاء الجزائي في حالة تعرضها لأي اعتداء معنوي أو مادي.

فالقانون المعمول به حالياً يفرض عقوبات تصل إلى الحبس من شهرين إلى عام لكل شخص يشغل سلطة أو وظيفة أو مهنة عن طريق إصدار أوامر للغير بالتهديد أو الإكراه قصد الاستجابة إلى رغباته، لكن تقول المحامية فاطمة زواني أن المشرع الجزائري في هذه المادة بالتحديد لم يحدد هوية أو صفة مرتكب الجريمة أو المتحرش إن كان رجل أو امرأة لأن التحرش قد يقع على كلا الجنسين.

ولهذه الأسباب أوضحت فاطمة زواني أن التحرش الجنسي سيبقى من أبشع ألوان الأذى الذي يلحق بالمرأة وأيضاً يمثل أقبح صور الظلم لإنسانيتها وكرامتها، ناهيك عن الأمراض النفسية التي قد تلحق بها كالقلق والاكتئاب والتوتر.

وفي تقرير أصدرته الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان في الجزائر عام 2018، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الذي يصادف 8 آذار/مارس من كل عام، تم الإعلان عن تعرض 50% من العاملات في القطاع العام والخاص للتحرشات الجنسية بمختلف أنواعها انطلاقاً من التحرش الجنسي اللفظي إلى التحرش الجنسي الجسدي.

وقالت الرابطة أن العديد من الصعوبات والعراقيل تعترض النساء في إثبات فعل التحرش الجنسي بهن بالأدلة والوقائع، حيث استقبلت الرابطة الكثير من الملفات لعاملات تعرضن للتحرش الجنسي في أماكن عملهن لكن لم تستطعن إثبات ذلك.

وأظهر رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان استغرابه من هشاشة الإجراءات التي قامت بها السلطة لحماية المرأة العاملة في المؤسسات الاقتصادية، وانتقد آنذاك تباطؤها في تنفيذ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو".

وأكد على أن السلطة الجزائرية تروج لشعارات جوفاء لا تحمي المرأة العاملة، وخاصة في قانون العمل الجديد الذي يشجع أرباب العمل على التعسف في طرد العمال، وهو ما يدفع النساء لتحمل مختلف أنواع العنف الموجه ضدهن والمساومات، خشية طردهن من العمل، وفق ما أفاد به الموقع الجزائري.