دليل لضمان حقوق العاملات الفلاحيات والحد من الانتهاكات في تونس

تجاوزت العمالة الفلاحية النسائية في تونس 520 ألف عاملة وتعتبر قوة إنتاجية لا مرئية تعاني من الهشاشة اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً وتتعرض حقوقها للعديد من الانتهاكات خاصة الأجر اللائق والنقل الآمن إضافة إلى العنف بجميع أشكاله.

نزيهة بوسعيدي

تونس ـ عدة عوامل داخلية وخارجية ساهمت في بروز وتفاقم ظاهرة "تأنيث الزراعة" في تونس الظاهرة التي تعكس مفارقة كبرى بين القيمة الانتاجية والعددية للعمالة النسائية الزراعية وبين وضعيتها الاقتصادية والاجتماعية وفرص نفاذها إلى الموارد واستفادتها من القطاع.

تشهد تونس ككل دول الجنوب العالمي وخاصة دول إفريقيا والشرق الأوسط، تداعيات الخضوع لإرادة ومصالح الاقتصادات العالمية العظمى واكتساحاً واضحاً لليد العاملة النسائية في الأعمال المتعلقة بالأرض مقابل تراجع إقبال الرجال على العمل الفلاحي وتوجيههم إلى القطاعات الأخرى وكان بالإمكان تثمين هذا الاكتساح والاستفادة منه بشكل إيجابي ليعود بالنفع على القطاع وعلى كل المتدخلين أفراداً ومجموعات، لكن في ظل غياب الحماية وعدم الاعتراف ظلت العاملات في الزراعة العنوان الأبرز للهشاشة ومثال للتمييز المبني على أساس النوع الاجتماعي وللعنف المسلط ضد النساء بكل أشكاله.

وبناءً على هذه العوامل المذكورة قام المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بإعداد دليل حقوق العاملات الفلاحيات في تونس توجه من خلاله إلى المدافعين عن حقوق الانسان الذين يعملون على التصدي للانتهاكات التي تتعرض لها العمالة في القطاع الفلاحي، ويبحثون عن دليل يستندون إليه لمعرفة حقوقها والآليات القانونية الوطنية والدولية الضامنة لها، كما يساعد الصحفيين المهتمين بقضايا الفئات الهشة على غرار العمالة في القطاع الزراعي الراغبين في إيجاد دليل جامع للاستناد إليه في كتابة مقالاتهم أو إعداد برامجهم التلفزيونية أو الإذاعية.

قالت حياة العطار المكلفة بملف العاملات الفلاحيات بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وبإعداد الدليل، إن ما تعانيه هذه الفئة من هشاشة وما تتعرض له من انتهاكات على جميع الأصعدة والمستويات دفعهم إلى إعداد دليل لمناصرتها والتعريف بكل حقوقها والمطالبة بتحقيقها.

وأوضحت أن هذا الدليل يهدف إلى التوعية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعاملات في القطاع الفلاحي انطلاقاً من المنظومة الحقوقية الدولية باعتبار كونية وشمولية وترابط مبادئها وإلزامية المعاهدات والاتفاقيات على الدول المصادقة عليها سيما وأن تونس من بين الدول التي صادقت على ترسانة هامة من المواثيق الأممية والمعاهدات وانطلاقاً أيضاً من المنظومة التشريعية والقوانين الوطنية المنظمة والحامية لحقوق الإنسان عموماً ولحقوق النساء وحقوق العاملين خصوصاً، كما يحتوي هذا الدليل على لمحة مبسطة حول مساهمة العمالة النسائية في الزراعة انطلاقاً من الأرقام والاحصائيات الرسمية المتاحة وأرقام الدراسات المنجزة سواء من قبل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أو منظمات أخرى.

وأضافت أن "هذا الدليل يندرج في إطار ديناميكية عمل وخلاصة لحقوق العمالة النسائيّة الفلاحية في تونس ويحتوي على جزأين خصصنا الجزء الأول لتقديم لمحة عن وضع العمالة النسائية في الزراعة وتجليات الهشاشة من خلال الأرقام والاحصائيّات سواء الأرقام الرسمية التي اخذناها عن تقارير الوزارات كوزارة الزراعة أو من خلال الدراسات التي قام بها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أو الاتحاد العام التونسي للشغل والعديد من الجمعيات الأخرى على غرار الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وجميعها يكشف حجم وخطورة العنف الاقتصادي الذي تتعرض له هذه الفئة والانتهاكات التي تتعرض لها العمالة النسائية في الزراعة مع تقديم لمحة عامة عن أوضاعهن الاقتصادية والاجتماعية".

وقدم الجزء الثاني من الدليل لمحة حول أهمية الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها تونس والضامنة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وحقوق العمل لحقوق النساء والفئات الأكثر هشاشة في المجتمع والمعاهدات والبروتوكولات الدولية التي صادقت عليها تونس والملزمة بتطبيقها وأيضاً المنظومة القانونية الوطنية أي القوانين والنصوص والاتفاقيات المتعلقة بحقوق فئة العمالة النسائية في القطاع وتم تجميع هذه الاتفاقيات والقوانين أولاً لهدف مناصرة حقوق العمالة النسائية كالحق في العمل، الحق في الأجر الأدنى، الحق في العطل السنوية، الحق في النقل الآمن، والصحة والسلامة المهنية وأيضاً لتوعية المتدخّلين في القطاع سواء كانوا العاملات في حد ذاتهن أو مشغليهن وكذلك عائلات العاملات وأيضاً تمكين الصحفيين والباحثين ونشطاء المجتمع المدني من هذه القوانين والاتفاقيات.

وتناول الدليل الواقع المتردي للعمالة النسائيّة الفلاحية في تونس بالأرقام وكشف أن 92% من العاملات لا تتمتعن بالتغطية الاجتماعية، و80% تتنقلن عبر الشاحنة، وأن 41% تتعرضن إلى جروح أثناء الحوادث و17% تتعرضن إلى الاجهاض، كما تتعرض 78% من العمالة الفلاحية في تونس إلى شتى أشكال العنف أثناء أو في الطريق إلى العمل وتتوزع على عنف لفظي بنسبة 64% أكثر من نوع بنسبة 15% عنف جنسي بنسبة 10% وعنف مادي بنسبة 5%.

وأكدت حياة العطار أن هذه الأرقام أحد أبرز جذور هشاشة العمالة النسائية في الزراعة، ألا وهو لجوء أغلب الفلاحين غالباً ما يكون عمداً إلى عدم التصريح بالعاملات وتشغيلهن بشكل موسمي حتى لا يضطرون إلى تحمل أعباء المصاريف المتعلقة بالأجر القانوني والتغطية الاجتماعية وبالتأمين وعدم الاعتراف بها.

وفي ختام حديثها لفتت إلى أن هشاشة العمل في القطاع الزراعي وضعف تدخل الحكومة من حيث التنظيم والهيكلة والمراقبة إلى جانب الذهنية الذكورية والفكر الجمعي المبني على التمييز ضد النساء والتطبيع مع الاستغلال ومع العنف هي الحاضنة الاجتماعية والسياسية للعنف الاقتصادي وهي أيضاً مؤشر فعّال في وضع العمالة النسائية في القطاع فيها تنشأ وتتطور بقية أشكال العنف فتتقاطع فيما بينها وتتنوع مصادرها.