ضحى الجورشي: الثورة ضد القوالب السائدة تتطلّب العمل مع الفئة الشابة وتوعيتها

أكدت المديرة التنفيذية لجمعية اليافعين واليافعات ضحى الجورشي، على أن الثورة ضد القوالب السائدة تتطلّب العمل مع الفئة الشابة وتوعيتها

زهور المشرقي
تونس ـ ، مشددةً على ضرورة إدراج مادة التربية الجنسية في المناهج الدراسية التونسية لأهميتها في محاربة العنف وصناعة جيل متوازن.
تحدثت المديرة التنفيذية لجمعية اليافعين واليافعات ضحى الجورشي في حوار مع وكالتنا، عن أهمية البناء السليم لقدرات الأطفال والمراهقين لكون الإصلاح الحقيقي يبدأ من فهم تلك الفئة للمتغيرات الفكرية والعلمية والمجتمعية لنبذ المعتقدات الرجعية التي تشكل عناصر شد إلى الوراء.
 
لو تعرفيننا أولاً بجمعية اليافعين واليافعات وأهم أهدافها؟ 
تُعنى جمعية اليافعين واليافعات التي تأسست عام 2011 وتنشط في العديد من المدن التونسية، باليافعين/ات الذين تتراوح أعمارهم بين الـ 13 ـ 18 عاماً، تعمل على تطوير قدراتهم الثقافية والبدنية بمقاربة حقوقية كي يصبحوا مناصرين ومناصرات لقضاياهم.
الإيمان بأن الطفل له الأولوية في سلم الاهتمام بحقوق الإنسان، لكننا للأسف نتعامل مع اليافعين/ات وكأنهم مجرد أرقام عندما يكونون كطلبة أو كضحايا عندما يكونون خارج المؤسسات التربوية، بينما تدعو الضرورة الحياتية لبناء مجتمعات حداثية متوازنة يتناغم فيها الجميع، إلى تمكينهم من فرص تنمية قدراتهم، دفاعاً عن قضاياهم وواعين بقيمة حقوقهم على قدم المساواة بين الجنسين، لذلك وجب تنسيق الجهود وتوحيد البرامج والرؤى بين جميع الفاعلين كي يتم التصدي لكل الانتهاكات المحتمل وقوعها.
من هنا تكتسي الدعوة إلى وضع استراتيجية وطنية للدفاع عن حقوق اليافعين/ات وإعطائهم الأولوية، لكن الملاحظ أنه لا يتم تسليط الضوء على مثل هذه القضايا. 
 
هل لامستم وعياً من اليافعين واليافعات بحقوقهم من خلال تعاملكم معهم؟
ترتفع نسبة الوعي لديهم حيث تكون لدى الواحد/ة منهم محدودة في البداية، لكننا حاولنا انطلاقاً من عملنا الجمعوي الارتقاء به من المعرفة البسيطة بمفهوم الحقوق إلى التعريف بأهميتها وأهمية الدفاع عنها حتى يكون كل منهم أداة لتغيير واقعه، وأتفاجأ يومياً بمدى وعي الأطفال بعد متابعتهم ورعايتهم وتوعيتهم وإرشادهم، ولدينا مثل تونسي شهير معناه أن من يزرع سيحصد حتماً، وسنجد على المدى القريب والبعيد، كتلاً من الإبداعات باستطاعتهم تحليل الواقع الذي يعيشونه، ليصبحوا أصحاب مقترحات فاعلة.
 
كيف تسعى الجمعية إلى تطوير قدرات اليافعين/ات الثقافية والبدنية ونشر قيم الحداثة والعمل على إرساء روح العمل التطوعي لديهم؟
نسعى إلى إرساء أسس التربية على المواطنة وقبول الآخر والتفكير المتحرر، لاعتبار أن اليافع في مرحلة البحث عن ذاته وعن أفكار ورؤى مختلفة للواقع الذي يعشيه، بعيداً عن كل القوالب الجاهزة والسائد السلبي في المجتمع، ونسعى في جمعية اليافعين/ات إلى توظيف تلك الطاقات التي يحملها، حتى يكون متشبعاً بمفاهيم حقوقية بامتياز، ويصبح لديه في هذا العمر الحساس استعداداً للتغيير، ونسعى إلى توظيف الفن وخاصةً المسرح، لاكتشاف جسده ونفسه عبر صور مختلفة تنقد الواقع بكل سلبياته، وتغرس في المقابل صوراً أكثر جمالية وأكثر قرباً للحقيقة التي يريدها اليافع ويحلم ببلوغها، وبالتالي يصبح الجانب التطوعي ثقافة لديه تحوّله من أداة مستهلكة إلى عنصر فاعل منتج قادر على التغيير والإبداع وصاحب الحل. 
 
كيف تقيّمون واقع المرأة التونسية اليوم؟
أرى أن المرأة التونسية في مرحلة مخاض تام، هذا المخاض وجد في محيط مبني على تشريعات وقوانين متطورة، وبالرغم من ذلك نطالب بإدخال تغييرات على مجلة الأحوال الشخصية، وتفعيل القوانين الموجودة والتصدّي للعقلية الذكورية، وبالتالي تبقى النساء اليوم في حالة البحث والدّفاع عن ترسيخ حقوقهن دون تمييز في ممارسة السلطة كقوة إسهام واقتراح في البلاد بصورة فاعلة، لا أن يكُنّ منزوعات القرار مسيّرات، وبالرغم من آلام هذا المخاض إلا أنه مسارٌ صحّي وجيّد للتونسيات لتغيير واقعهن إلى الأفضل، على اعتبار أن الرفض لكل تمييز قائم على النوع الاجتماعي يخلق حركة يومية في حياة النساء والرجال أيضاً، خاصةً أنّ تلك الممارسة التمييزية تُمارس من قبل الرجال ضد النساء، وهنا نعود إلى اليافعين/ات وكيفية غرس عقلية مغايرة متحررة لمحاربة الموروث والسلوكيات الخاطئة، عقلية تساهم في ترسيخ الحريات وبناء شخصيات مناصرة لقضايا النساء ودورهن في بناء المجتمع.
 
كيف يمكن تحقيق المساواة بين الجنسين في الأجر لبناء مجتمع ينعم فيه الجميع بالكرامة والعدل؟
هناك انتهاك واضح لحق النساء في التمتّع بأجر مساوٍ للرجال بالرغم من عدم وجود أي قانون يفرض أن تتقاضى النساء أجوراً أقل، نلاحظ في الوسط الفلاحي أن النساء يقمن بأكثر جهد بينما يتقاضين أجراً أقل بكثير من الرجال، وهذا الوضع ليس حكراً على المجال الفلاحي بل نجده في أغلب المجالات خاصةً في القطاع الخاص، وأُرجع سبب ذلك إلى قلّة الوعي وعدم معرفة النساء ببعض الحيثيات فيما يخص الأجور، والتغيير برأيي لإنصاف المرأة يبدأ عبر خطوات مهمة تنطلق من عدم السكوت والقيام بحملات لتوعية النساء ونشر قصص واقعية لما من شأنه أن يدفع إلى سن قانون يضمن حق النساء في الأجر المتساوي بحسب المقاييس المعروفة من خبرة وتمكن وغيرهما، والأهم لتحقيق كل هذا هو الرفض الكلي من قبل النساء للضغط باتجاه إقرار حقوقهن. 
 
أثار الفصل 227 (مكرر) جديد في قانون مكافحة العنف ضد النساء الذي صدر عام 2017 الجدل، ما أثره ومخاطره على الأطفال؟
سعدنا بسن قانون يحمي النساء من العنف، وهو حدث مناصر لقضاياهن، لكن الفصل 227 (مكرر) جديد، انتهك في أحد فصوله حقوق الأطفال، والذي ينص على أنه يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام كل من تعمد الاتصال جنسياً بطفل ذكراً كان أو أنثى برضاه إن كانوا لم يتجاوزوا الثامنة عشر عاماً، وعند ارتكاب الجريمة من قبل طفل تطبق المحكمة أحكام الفصل 59 من مجلة حماية الطفل.
في حال قيام شاب بعلاقة جنسية مع شابة يكبرها عمراً وتم ضبطهما تفرض أقوى عقوبة سجن عليهما، وهو انتهاك واضح لحقوق الأطفال وقد حذّرت اللجنة الدولية لحقوق الطفل من هذا الفصل وبعثت بتوصية تدعو إلى تغيير هذا الفصل لأن اليافعين الذين لم تتجاوز أعمارهم الـ 18 عاماً يبقون في مرحلة التوجيه والحماية من كل الأخطار لا في مرحلة عقاب، وكأنه كهل أجرم بعلاقة جنسية مع قاصر. 
 
أصوات كثيرة نادت بإدراج مادة التربية الجنسية ضمن المناهج التعليمية، ما مدى أهميتها وفق تقديركم؟
لابدّ من إدراج مادة التربية الجنسية في مدارسنا لحماية الأطفال من كل الأمراض المنقولة جنسياً، وتم العمل على الموضوع من قبل مختصّين في شؤون الأطفال، وأنجزت ورشات وبحوث حول أهمية الموضوع لإدراجه لكن توقّف هذا المشروع، ونتمنى أن يُدرج ضمن برنامج إصلاح المنظومة التربوية برغم كل الأصوات المناهضة التي لاتزال تحلل وتحرم حسب عقلية بالية، ونحن نستند في كلامنا على أرقام وشهادات ونسب العنف الجنسي ضد الأطفال وخاصةً فيما يرتبط باستعمال وسائل التواصل الاجتماعي التي تجعلهم محل تعدٍّ جنسي أكبر، وسمعنا خلال السنوات الأخيرة عن إقناع الفتيات كونهن قد يكنّ أميرات في علاقة بأجسادهن وأنوثتهن، ثم إن هذا اليافع الذي يعيش في أحاسيس غريبة لا يفهمها قد يلجأ إلى الانترنت أو إلى صديق قد لا يقدم له النصح الحقيقي، ومباشرةً بعد تلك المرحلة من الطبيعي أن نجد أزمة بسبب كل تلك التغيرات التي قد تؤدي إلى نتائج وخيمة.
التربية الجنسية لها دور كبير في الوقاية من تفشي ظاهرة التحرش والاعتداءات الجنسية، ومن شأنها أن تحصن المراهقين/ات وتمنعهم من ارتكاب جرائم تتعلق بالاغتصاب والتحرش الجنسي، حيث إنّ البلدان التي يتم فيها تدريس هذه المادة في المناهج التربوية تقل فيها هذه الحالات، وتتراجع فيها حالات الإصابة بالأمراض المنقولة جنسياً.
لقد وقعت تونس على العديد من الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان واتفاقية سيداو وغيرها، لذلك علينا أن نلتزم بما جاء فيها على مستوى التطبيق والممارسة إلى جانب توظيف مختلف المهارات لدى اليافعين والنساء لتغيير الوضع نحو آفاق أكبر من الحرية والمساواة.