بيت الأمان يقدم الرعاية الاجتماعية والنفسية للمعنفات في غزة
تتعرض العديد من النساء في غزة للعنف بكافة أشكاله الجسدية والنفسية والمادية، ولم يكن هناك من يدعمهن أو يساندهن إلى أن تم افتتاح مؤسسة بيت الأمان للرعاية الاجتماعية للنساء المعنفات
نغم كراجة
غزة ـ .
افتتحت مؤسسة بيت الأمان لرعاية النساء المعنفات في غزة بتاريخ 12 حزيران/يونيو من عام 2011، وهي مؤسسة حكومية إيوائية استشارية تابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، تعمل على تقديم المساعدة للمرأة المعنفة لاسترجاع حقوقها وحفظ كرامتها.
(س.ن) 27 عاماً من مدينة غزة إحدى الفتيات اللواتي ساعدتهن مؤسسة بيت الأمان، تقول عن تجربتها "أنا ابنة شهيد منعت من التعليم والزواج ولم أحصل على حقوقي المادية بالرغم من وجود كفالة الأيتام والمال الذي كنت أحصل عليه كان نقمة بالنسبة لي، والدتي تزوجت وأنا كنت أتنقل من بيت جدتي إلى بيت عمي ولم يكن لي مكان خاص بي".
وأضافت "تعرضت للعنف الجسدي واللفظي وخاصةً عندما طلبت من عائلتي الموافقة على زواجي من شاب تقدم لي لكنهم رفضوا حتى مع تدخل أشخاص لإقناعهم، فأصبحت بحالة نفسية سيئة وانتابني الشعور بعدم الأمان والاستقرار وطلبت المساعدة من بيت الأمان للرعاية الاجتماعية للنساء وبدورهم عقدوا جلسات أسرية متكررة مع عائلتي وصلت إلى أكثر من 10 جلسات لمحاولة اقناعهم بالموافقة على زواجي لكن دون جدوى".
استمر رفض عائلتها ما دعاها لرفع قضية عضل "بعد مرور ثلاث أشهر على محاولات حل المشكلة وكانت دون فائدة، رفعت قضية عضل الولي وهي نقل الولاية من عائلتي إلى القاضي لتزويجي، ورفعت قضية الرشد وفتح صندوق الأيتام وكل ذلك بمساعدة بيت الأمان مجاناً، وحصلت على موافقة من المحكمة بزواجي بعد السؤال والبحث المكثف من قبل بيت الأمان عن الشاب الذي تقدم لي وتزوجته".
وتستقبل المؤسسة حالات تعاني من خلافات زوجية ومشاكل أسرية واعتداءات جنسية، وتقوم باحتوائهن ودعمهن نفسياً، وإعادة دمجهن في المجتمع وتأمن لهن حياة كريمة مستقلة خالية من الخوف والتوتر، كما تحمل رسالة للمجتمع لتغيير الأساليب السلبية الراسخة تجاه المرأة حتى تتمكن من الاندماج والتعايش بأمان.
أما (أ.م) 30 عاماً فقالت "كنت أعيش مع والدتي وأخوتي الأصغر سناً ووالدي يمكث خارج البلاد، ولأنهم يعدونني عالة عليهم عاملوني بطريقة سيئة جداً"، وأضافت "منعوني من الخروج وتنمروا على شكلي بسبب وزني الزائد ومنعوا عني الطعام تحت شعار الريجيم، وتعرضت للضرب والإهانة، حتى أن والدتي وأحد أخوتي قاموا بطردي من المنزل".
وأوضحت "استأجر أحد أخوتي غرفة لي وسكنت فيها وبدأت بالتدريس في إحدى الروضات وعشت في تلك الغرفة لوحدي، كانت هذه الأحداث قد حصلت في شهر رمضان الماضي عشت أجواء رمضانية صعبة بمفردي، مع التوتر الذي عاشه القطاع خلال العدوان، فسيطر عليّ الخوف والشعور بعدم الأمان".
وأضافت "بعد غياب دام أكثر من شهر لم تسأل عائلتي عني حتى أبلغت عماتي عن اختفائي وذلك بعد أن قالت لهنَّ عائلتي أنها لا تعرف عني شيئاً خوفاً من الشرطة وهرعوا للبحث عني، فالتجأت إلى بيت الأمان هرباً من العودة للذل عند عائلتي، فحاولوا مساعدتي وتواصلوا معهم لحل المشكلة ولكن دون فائدة، فتواصلوا مع والدي في الخارج ليدعمني معنوياً ومادياً لكنه رفض، وبقيت في بيت الأمان أتعلم المهارات والمشغولات اليدوية وطورت من شخصيتي حتى أصبحت أقوى من السابق وتغيرت المفاهيم الخاطئة لدي".
عادت (أ.م) إلى عائلتها لكن بعد تعهدهم بتحسين ظروف حياتها وعدم التعرض لها "بعد مرور شهرين حضر عمي وأخي إلى مؤسسة بيت الأمان وأمضوا على تعهد بعدم التعرض لي، والموافقة على خروجي من المنزل والعمل بحرية".
وعن إنشاء مؤسسة بيت الأمان والهدف منه قالت مديرة الحالات في المؤسسة أشواق ظاهر "جاءت فكرة افتتاح بيت الأمان من حاجة المجتمع لوجود جسم حكومي يحمي المرأة ويحد من العنف الذي تتعرض له بكافة أشكاله ومساعدتها لاسترجاع حقوقها المسلوبة وإعادة دمجها في المجتمع وإيصالها إلى بر الأمان والعيش بكرامة".
وعن العنف الذي تتعرض له النساء قالت "تتعرض النساء لدرجات متفاوتة من العنف الجسدي والنفسي والمادي والاجتماعي، وأن أكثر الحالات التي أتت إلى المؤسسة هي حالات العنف الأسري حيث تتعرض المرأة للضرب والتعدي والاستغلال، بالإضافة إلى حالات العنف الزوجي من ضرب وإهانة وإهمال وحرمان من جميع مناحي الحياة وذلك ضمن إطار الحياة الزوجية. أقل نسبة هي حالات التحرش الجنسي".
وأضافت أن "النساء اللواتي تستهدفهن المؤسسة هن ضحايا المشكلات الأسرية والخلافات الزوجية التي تهدد كيان المرأة التي تتعرض للإيذاء الجنسي والنفسي، وبنات الشهداء اللواتي يمنعن من الزواج بهدف الحصول على المال الذي هو من حقهن، والنساء اللاتي ليس لهن عائلة أو سند أو معيل والفتيات اللواتي بحاجة للوقاية من الانحراف من عمر 13عاماً وما فوق بشرط ألا يكون لديهن خلاف مع القانون، أما الحالات التي لا تستقبلها المؤسسة هي حالات إدمان المخدرات والمرضى النفسيين ومن لديهن خلاف مع القانون".
وعن آليات حل مشكلات العنف الذي تتعرض له النساء قالت "يتم التدخل في حل المشكلات من خلال برامج مهنية تحفظ حقوق المعنفات كلاً حسب حالتها، وذلك بتقديم الدعم النفسي والاجتماعي من خلال جلسات توعوية وإرشادية، بالإضافة إلى خدمات العلاج الأسري للتوصل إلى حل وتحسين العلاقات الأسرية ومن ثم دمجها في المجتمع الخارجي، والتنسيق مع المؤسسات المعنية لتسهيل وصول الحالات المعنفة وتقديم الخدمات القانونية المجانية مثل رفع قضايا النفقة والميراث وغيرها من القضايا التي تخص النساء، واستطاعت المؤسسة حل العديد من المشكلات التي تتعرض لها النساء واسترجاع حقوقهن المسلوبة وتأمين الاستقرار لهن".
وبينت أن المؤسسة تعتني بالنساء وتقدم لهن أفضل الخدمات الاستشارية، وتأمن لهن إقامة مؤقتة ورعاية كاملة وخدمات إرشادية ونفسية، من خلال وضع خطة علاجية تتضمن جلسات تثقيفية حسب حاجة كل حالة والعمل على تحسين العلاقات الاجتماعية لتسهيل إعادة دمجهن بعد الانتهاء من تقديم الخدمات اللازمة خلال إقامتهن في بيت الأمان، بالإضافة إلى خدمات استشارية مجتمعية عن طريق لجان في كل منطقة.
أما الخدمات الصحية فتشمل "إجراء الفحوصات اللازمة والتطعيم ضد الأمراض وتوفير تقارير للحالات المعتدى عليها، وخدمات منهجية تتضمن برامج التدريب المهني من خياطة وتطريز والأشغال اليدوية والرسم على الزجاج لتكون لهن مهناً يعملن بها بعد خروجهن من بيت الأمان، والخدمات التعليمية للفتيات اللواتي تعرضن للعنف وبقين فترة ليست بقصيرة فيكون لهن انتساب في الجامعة ويتم دفع الرسوم الجامعية وتأمين ما يلزمهن من قرطاسية وملابس لحين توفير بيئة آمنة".
وعن التحديات والصعوبات التي واجهتها مؤسسة بيت الأمان خلال فترة عملها المستمرة لأكثر من عشرة أعوام تقول أشواق ظاهر "أبرز التحديات والصعوبات التي واجهناها عدم القدرة على تقديم الخدمات للحالة بعد خروجها من المؤسسة حيث أن أغلب الحالات تكون بحاجة إلى دعم مادي للبدء بمشروع صغير يساعدها بالاعتماد على نفسها وعدم احتياجها للآخرين، بالإضافة إلى عدم إنصاف القانون للمرأة على سبيل المثال المرأة الأرملة التي تمتنع عن الزواج لتأخذ حضانة أطفالها بعكس المرأة المطلقة التي تمتنع عن الزواج ولكن تسحب منها الحضانة، وفي بعض الحالات تضطر المرأة للتنازل عن جميع حقوقها من ضمنها النفقة من أجل الحفاظ على أطفالها، فيجب أن توحد القوانين الخاصة بالضم والحضانة لأن المرأة بحاجة للإنصاف".
وأضافت "ومن جانب آخر جائحة كورونا كانت من ضمن التحديات لصعوبة وصول المرأة المعنفة لبيت الأمان بالتحديد وقت الإغلاق، وازدياد حالات العنف أثناء الجائحة نظراً لملازمة الرجال للبيوت والتبعيات الاقتصادية الصعبة التي رافقتها".
وفي ختام حديثها وجهت مديرة الحالات في مؤسسة بيت الأمان أشواق ظاهر رسالة للمجتمع قالت فيها "على المجتمع ككل احترام المرأة وتقديرها والاهتمام بقضاياها بشكل جدي وخاصةً قضايا العنف الموجهة ضدها، وعلى القانون أن يكون صارم حيال المعتدي، والتوعية بخطورة العنف على الأسرة والمجتمع، والتركيز على تمكين المرأة اقتصادياً والعمل على خلق فرص عمل لها مثل تنفيذ مشاريع صغيرة ليكون بإمكان المرأة العمل داخل منزلها".