بسمة السوسي: تحسين واقع النساء من ذوات الإعاقة يتطلب تغييراً في العقليات

بالرغم من القوانين والتشريعات التي أصدرتها تونس منذ عقود لتحسين وضع النساء والدفاع عن حقوقهن إلا أنها ظلت منقوصة وغير مرضية للنسويات اللواتي طالما عبّرن عن غضبهن من عدة ظواهر التي من شأنها أن تؤثر على تقدمهن وحرياتهن ومكاسبهن التي باتت مهددة

زهور المشرقي
تونس ـ
وتناضل النسويات لتحقيق المساواة التامة وفرض تمركز المرأة في كل مراكز القرار وضمان تنفيذها لذلك عبر تشريعات تضمن التناصف.
وترى الناشطة النسوية ونائبة مدير جمعية إبصار بسمة السوسي في حوار مع وكالتنا، أن تغيير واقع النساء يتطلّب وعياً نسوياً وتغيير العقليات عبر محاربة تلك العقلية الذكورية التي تحصر دور النساء في الواجبات المنزلية والعناية بالأطفال، مؤكدة أن ذلك لن يتحقّق إلا عبر النضال المستمر ووجود قوانين مهمة تحمي النساء. 
 
كيف تقيّمين وضعية النساء حاملات الإعاقة في تونس بالرغم من وجود ترسانة من القوانين التي تتشدّق بالدفاع عن هذه الفئة من النساء؟
النساء من ذوات الإعاقة في تونس بوضعية صعبة، كما هي وضعية النساء بصفة عامة في تونس، لكن ذوات الإعاقة بالذات تعانين من تمييز مضاعف، كأن تكون امرأة وذات إعاقة. وهذا ما يجعل عنصر النساء ذوات الإعاقة عنصراً مغيباً من البرامج حتى على مستوى القوانين، رغم وجودها إلا أنها لا تحفظ حقوق الإنسان لأنها لا تذكر بدقة خصوصيات النساء ذوات الإعاقة وبالتالي لا تضع الآليات الضرورية لحماية حقوقهن.
 
هل القوانين في تونس تحمي وتضمن للنساء ذوات الإعاقة حق العمل بالتساوي أم أن هناك إقصاء وتهميش؟
قانون القضاء على العنف ضد النساء والذي يذكر في جزء منه، وبصفة محتشمة، تشديد العقوبة في حالة الهشاشة، ويوضح أن الهشاشة يمكن أن تكون للنساء في وضعية إعاقة أو كبار السن وإلى غير ذلك. لماذا نقول ذوات الإعاقة؟ لأن هذا ما وقع ذكره في الفصل 48 من الدستور التونسي لسنة 2014 الذي ينصّ على حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وكذلك ما جاء في الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ويحمل في جزء منه حقوق النساء (المادة السادسة خاصة) والمساواة بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بالإعاقة. لكن وجود القوانين شيء والعمل بهم شيء آخر.
هل النساء من ذوات الإعاقة تعرفن حقوقهن؟ هل النساء من ذوات الإعاقة تعلمن بوجود قانون للقضاء على العنف القائم على النوع الاجتماعي؟ هل تدركن معنى النوع الاجتماعي؟ هل التعليم الذي وفرناه لفئة الأشخاص من ذوي الإعاقة وبالذات للفتيات اللواتي كثيراً ما يتم إقصاءهن في المراحل التعليمية وهذا يرجع بالأساس إلى الموروث والعادات والتقاليد، وما تتعرض له الفتيات في مراكز الإقامة وحتى في المؤسسات التربوية من تحرش ومن ممارسات منافية لحقوق النساء. 
هذا ما يدعونا للتساؤل: ما معنى القوانين إذا لا يمكن تطبيقها؟ حتى في العلاقة بالقانون عدد 58 لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي، حتى في حال تدريب مختصين ومختصات في وحدات التدخل، لا يقع تدريبهم على معنى الإعاقة، فكيف لي أن التجأ للقضاء وأنا ذات الإعاقة البصرية والمحيط مليء بالعوائق والحواجز، كيف لي أنا ذات الإعاقة السمعية التي لا أتحدث سوى بلغة الإشارات أن أدرك محتوى هذا القانون. 
 
برأيك ماذا يتطلب لتوعية النساء حاملات الإعاقة بحقوقهن؟ وهل هي مسؤولية المجتمع المدني أم مسؤولية الدولة؟
هي مسؤولية مشتركة، لكن الأصل في الأشياء هو البحث عن أصلها ومنطلقها وأعود هنا إلى كوني كأستاذة لغة إنجليزية اختصاص علوم التربية، أنا أدرك جيداً مدى أهمية التعليم في إذكاء الوعي للأشخاص ذوي الإعاقة، التعليم مهم جداً. وهنا أخص بالذكر تعليم الفتيات من ذوات الإعاقة، المناهج التعليمية في مدارسنا جميعها لا تشير إلى حقوق هذه الفئة من المجتمع. المادة الحقوقية ليست مكرسة في مناهجنا بصفة عامة. الخطوة الأولى لبناء صحيح للمجتمعات هي إصلاح التعليم بطريقة تقبل الاختلاف والتنوع. 
 
ما الشيء الذي تحلمين بتغييره لتغيير واقع النساء حاملات الإعاقة؟ 
لتغيير واقع النساء بصفة عامة وذوات الإعاقة بصفة خاصة يجب تغيير العقليات، العقلية الذكورية التي تحصر دور النساء في الواجبات المنزلية والعناية بالأطفال. هذه العقلية لا يمكن أن تشجع النساء بصفة عامة والنساء من ذوات الإعاقة بصفة خاصة على أن تكون فاعلة في المجتمع. 
حالياً، نجد في مجتمعنا أستاذات جامعيات من ذوات الإعاقة الحركية، نساء حاملات للدكتوراه من ذوات الإعاقة السمعية التامة، وهناك مهندسات ومن مجالات متعددة، لكن يضل ذلك الإحساس بالنقص في العلاقة بأدوار المنزل والأسرة، هذا الجانب أساسي في تحقيق النجاح الكامل بالنسبة لهن، لذا نجد المرأة ذات الإعاقة تطمح دائماً لأن تتزوج، وهناك عدد كبير من النساء غير متزوجات، وعدد كبير من حالات الطلاق في صفوفهن. والسبب هو أن مناهجنا تفتقر للتربية الجنسية والصحة الإنجابية، المرأة ذات الإعاقة قد لا تدرك التغييرات الفيزيولوجية التي تطرأ عليها وتلجأ إلى صديقاتها بحثاً عن المعلومة التي لا تتوفر في مناهج التعليم، هذا في حال أتيحت لها فرص التعلم. يتم استثناء هذه الفئة من مؤسسات التعليم العمومية ويقع الزج بهم في مراكز خاصة، لا توفر لهن المعلومات. 
المحيط للنساء والفتيات من ذوات الإعاقة هو محيط غير آمن وهن عرضة للتحرش الجنسي ولممارسات وتجاوزات يصعب التعبير عنها. واستغلال ذوات الإعاقة البصرية من قبل أصحاب وسائل النقل العمومية. مما يعرضهن للإحباط ولمشاكل نفسية نظراً لعدم القدرة على التعبير والتصريح. لذلك من المهم جداً انخراط النساء والفتيات من ذوات الإعاقة في المجتمع المدني والعمل الجمعياتي بكل الطرق، كي يدرك المجتمع أنهن فاعلات وقادرات على دفع الآخرين للتغيير. 
 
هل المرأة التونسية بلغت مستوى تحقيق كل مكتسباتها وكل ما ناضلت من أجله؟
طريق النضال بالنسبة إلى النساء يبقى طرقاً شاقاً وطويلاً ومستمراً، لا نستطيع فعلاً الحديث عن مكتسبات إلا إذا كانت هذه المكتسبات مضمونة. التغيرات التي طرأت على المجتمع التونسي أكدت أنه لا يوجد شيء يسمى بالمكتسبات المضمونة، لذلك لا يزال الحفاظ على هذه المكتسبات ودعمها في حاجة إلى العمل المتواصل. إذا لم نبلغ مساواة فعلية بين النساء والرجال في الحقوق والواجبات فإننا لن نضمن هذه المكتسبات. 
 
هناك دعوات نسوية منذ سنوات خاصة بعد الثورة إلى إدخال تغييرات على مجلة الأحوال الشخصيّة، برأيك هل هذه المجلة تحتاج إلى بعض التغييرات أم أنها تتماشى وواقع النساء اليوم في تونس؟
ككل عمل بشري، هذه المجلة في حاجة إلى تغييرات تُساير هذه التغيرات المجتمعية، والمجتمع التونسي اليوم يعيش العديد من التغيرات، ما كان ثورياً وتقدّمياً مع بعض التحفظ في الخمسينات والستينات لا يمكن أن يكون كذلك في القرن الواحد والعشرين، وبالذات نقف عند اعتماد هذه المجلة على التشريعات والشريعة الإسلامية في علاقتها بمسألة الميراث، فاذ لم نبلغ المساواة في مسألة الميراث فإنه مازال لدينا أشياء يمكن أن نغيرها في مجلة الأحوال الشخصية التي تبقى دائماً ثورية في القياس الذي وُضعت فيه. أنا أساند كل التحركات للتغيير الفعلي في هذه المجلة التي لم تعد تتناسب ووضعية النساء في تونس اليوم.
 
تتحدث النسويات في تونس عن أداء اجتماعي للدفاع عن حقوق النساء، هل يتطلب ذلك تمكنا فكرياً ومادياً في هذا المنظور التحرري الأدائي؟
هذا مهم جداً أن يكون متوفراً، لكن الأهم من هذا أنه في بعض الأحيان في العديد من التحركات النسوية يغلب عليها الانتقائية أو النّخبوية لكن ما لاحظناه في السنوات الأخيرة تغير حتى في الحراك النسوي في تونس. الحراك النسوي يحاول اليوم أن يستوعب كل النساء من كل الجهات مع التأكيد على النساء من الوسط الريفي والنساء غير المتعلمات ومع حضور كذلك للنساء من ذوات الإعاقة. 
 
هل باتت حريات النساء مهددة بشكل خطير من قبل الحركات الرّجعية في البلاد أم أنه هناك مبالغة نوعا ما؟
كل حريّة هي غير مضمونة، وديناميكية المجتمعات تقتضي هذه التغييرات، الأهم في هذا ليس فقط الحفاظ على المكتسبات، ولكن الإيمان بمبادئ حقوق الإنسان، إذا تشبعنا بهذه المبادئ فلا خوف على الحراك النسوي من التيارات الرجعية. 
هذه التيارات وجودها قد يكون له دور إيجابي إذ أنه ينبهنا بمدى التهديد على المكتسبات، من المهم جداً ألا نتعامل بأريحية على أننا حققنا مكتسباتنا وانتصرنا على هذه التيارات الرجعية.
 
برأيك لماذا لا يتم الحديث عن ارتفاع نسب العنف؟ ولماذا لا نتحدث عن العنف المسلط على النساء ذوات الإعاقة اليوم؟ وما سبب السكوت عن الموضوع؟
نعم، أرتفع منسوب العنف المسلط على النساء خاصة في فترة الحجر الصحي التي حققت ارتفاعاً مهولاً في هذه النسب، وارتفاعاً في الحديث عن هذا العنف وفي بعض الأحيان هذا الحديث إن لم ترافقه طرق لمعالجة هذه الظاهرة قد يولد المزيد من العنف، مهم جداً في الخطاب أن نوضح أن منح الحقوق للنساء لا يهدد أبداً مكتسبات وحقوق الرجال. كي لا نتسبب في ردة الفعل العنيفة من قبل الرجال بظنهم أن المرأة هي التي ستفتك المنصب للرجل، وأنها سبب في ارتفاع البطالة وسبب في تنامي ظاهرة العنف في المدارس. 
يغدو العنف هنا نوعاً من ردة الفعل. ولا نستثني هنا النساء ذوات الإعاقة، اللواتي يتعرضن للاستغلال المادي من قبل المرافقين عند الذهاب لسحب الرواتب والأموال. وافتكاك الرواتب من قبل الأسرة ناهيك عن التعنيف، وعدم القدرة على إيصال أصواتهم نظراً لان المراكز غير مكونة وغير مؤهلة لاستقبال النساء من ذوات الإعاقة. هذه التفاصيل الصغيرة التي لا يتحدث عنها أحد تجعل النساء اليوم عرضة للعنف، وأكثر تفادياً للمشاركة في الحياة العامة نظراً لعدم احترام احتياجاتهن الخاصة، وإخفاؤهن اليوم قد يكون متعمداً. الحديث عن هذه الظاهرة هو موضوع مسكوت عنه اليوم في تونس. 
في الواقع النساء ذوات الإعاقة اللواتي يتعرضن للعنف، عدد قليل جداً منهن تدركن أن هناك قانون يحميهن، النساء ذوات الإعاقة السمعية على الرغم من تخصيص رقم أخضر للاتصال 1899 في حال التعرض للعنف إلا أنهن لا يملكن أية آلية للتواصل وهذا يعني أنك قد اقصيت جزءاً من النساء حتى عند وضع آلية مجانية للتصدي للعنف المسلط على النساء.
فالأصل في الحلول عندما نضع آلية للتصدي على العنف المسلط ضد النساء يجب أن نفكر في جميع النساء خاصة الأكثر هشاشة. 
يجب وضع مقاربة تشمل جميع النساء خاصة الفتيات اللواتي يتعرضن للتحرش الجنسي والهرسلة من زملاء لهن في الدراسة ومن الإطار التربوي على حد السواء، في معظم الأحيان لا تتحدثن وتلتزمن الصمت والكتمان خوفاً من الإقصاء والحرمان والعزلة. 
 
ما تقييمك لوضع النساء في مناطق الصراع على غرار سوريا والعراق واليمن ؟
وضع يستوجب تضافر جهود الحركات السنوية في مختلف دول المنطقة  للتعرف على جسامة الانتهاكات التي تتعرّض لها النساء في تلك الأماكن، وكانت لي فرصة من خلال ندوة دولية حول ذوات الإعاقة لمست من خلال شهادات من نساء في مناطق الصراع مدى معاناتهن حيث إن بعضهن في صورة هروب عائلتهن من منازلهن يتركن بمفردهن وهن غير القادرات على التحرك، إنهن المنسيات المقهورات، وهن يتعرضّن للاغتصاب والتحرش وعدم قدرتهن على إيصال أصواتهن، التضامن النسوي يقتضي بالأساس التنسيق، حقوق النساء لا تجزأ من بلد إلى آخر، يجب التنسيق عبر التحركات النسوية وإعطاء الفرصة لإظهار معانتهن ومساندتهن.
 
ما تقييمك لأعمال الحركة النسوية لعام 2021، هل كان عملها مرضياً؟
وجدنا النسويات في مساندة كبيرة لضحايا العنف، هناك مرافقة ومحاولة لإيصال أصواتهن، وقد أصدر الكريديف عام2021 موسوعة  النساء التونسيات الرائدات وتمنيت إن وجدت فيها امرأة من ذوات الإعاقة كالمناضلة تمنة طبيب، فضلاً عن قيام جمعية النساء الديمقراطيات أعرق الجمعيات النسويات وأقدمها بمؤتمرها في ظرف استثنائي، ظل العمل متواصلاً برغم صعوبة الوضع الصحي والاجتماعي والاقتصادي الذي أثر على النساء، وقد لامسنا تحركات ميدانية على غرار تحرك 8 ديسمبر، وقد قامت الحركة بالمزيد من النضال لضمان حقوق النساء دون استثناء وتمييز.
 
مصادر من وكالتنا تقول إن حركة أو تحرّك نسوي جديد سيرى النور قريباً وأنت من المشاركات فيه... لو تطلعيننا على أبرز أهدافه وما الذي سيميّزه عن بقية الحركات النسوية في تونس؟
نعم، في كل مرّة تُعرّض مكتسبات النساء في تونس للتهديد وتقع الدعوة في أكثر من مرّة للحديث عن مشروع موحّد قد نختلف في طرق العمل والمواقف والآراء لكن يجب أن يجمعنا الفكر النسوي المتحرّر والحفاظ على العمل المتناسق والعمل على التحسين.
في هذا الإطار كانت هناك دعوة لمحاولة إنشاء نوع من الوثيقة تضمن حقوق النساء في تونس وقد تتحول إلى حركة، وكان لي شرف المشاركة كامرأة لدي فكرة تحرري مساند لحقوق النساء بدون استثناء لأكون جزء داعم للنساء، أتمنى أن يرى النور قريباً لأن الأوضاع الحالية على غرار الوضع الصحي لا يشجع عن الإعلان عن أي مشروع.
نحن ندرس الوقت المناسب للإعلان عن هذا التحرك والوثيقة التي تسعى لضمان مكتسبات النساء الموجودة في القانون وستدعو الوثيقة إلى تغيير العديد من الفصول بمجلة الأحوال الشخصية التي لم تعد صالحة لحماية حقوق النساء.