'المرأة المعنفة بحاجة إلى دعم نفسي وقانوني'

لم تكن حالة (ل. م) الوحيدة التي استقبلتها جمعية التحدي والمساواة والمواطنة لتقديم الدعم القانوني والنفسي لها، لكن هناك مئات الحالات غيرها والتي تختلف معاناتهن.

حنان حارت

المغرب ـ أكدت الأخصائية النفسية بشرى المرابطي أن المرأة المعنفة بحاجة إلى دعم نفسي، فهي تعاني من عدم القدرة على تقدير الذات، بسبب العنف المتكرر الذي تتعرض له.

بعد سنوات من العنف الممارس على (ل. م) من طرف زوجها، قررت طلب الطلاق وعيش حياة كريمة تحفظ كرامتها.

(ل. م) وهي أم لثلاثة أطفال، روت لوكالتنا قصتها بحسرة وقالت "أنا ضحية عنف زوجي بمختلف أشكاله؛ ضرب، إهانة، اغتصاب، فما أبوح به اليوم هو غيض من فيض، لو بقيت كل حياتي أحكيه فلن أنتهي؛ بعد أن كان يقوم بتعنيفي، ويمارس علي سلوكه السيء يأخذ مني الهاتف ويغلق علي الباب ولا يدعني أخرج أبداً، حتى يضمن أني لن أتصل بأحد ولن أطلب المساعدة".

وأوضحت "تحملت الإهانة وكل أشكال العنف الممارس من أجل أبنائي، حتى لا يعيشون بعيداً عن أبيهم، لكن عندما أضحى يشرك أطفالنا في المشاكل، ويفتري علي الأكاذيب أمامهم، ويعنفهم أيضاً لأتفه الأسباب بدأت أفكر في الابتعاد".

تحكي وهي تذرف الدموع "كان يستمتع حينما يعنفني، فكثيراً ما كان يبتسم وهو يضربني، وعندما ينتهي يقول لي أطلبي مني السماح، كان يوهمني أن ضربه لي وإهاناته المتكررة لي هي نتيجة أخطائي، وأن الصواب هو تأديبي بهذه الطرق، حتى أنه صرت مقتنعة بذلك وصرت أظن أن ما يمارسه من عنف اتجاهي هو ردة فعل طبيعية من قبله".

 

 

رحلة الهروب

بعد كل هذه المعاناة قررت (ل. م)، اللجوء لجمعية التحدي والمساواة والمواطنة، من أجل تقديم الدعم لها.

كانت (ل. م) بحاجة إلى من يستمع لمعاناتها ويرشدها للطريق الصحيح، فكانت أمينة بجاجا، المساعدة الإجتماعية التابعة للجمعية، في استقبالها من أجل تقديم الدعم.

تقول أمينة بجاجا لوكالتنا "المرأة المعنفة بحاجة إلى الدعم النفسي، وحالة (ل. م)، التي لجأت للجمعية بعد معاناة مريرة مع العنف الزوجي بكل أشكاله، هي حالة ليست الوحيدة التي استقبلتها الجمعية من أجل الإستماع لها وتقديم الدعم القانوني والإرشاد، بل هناك حالات عدة تختلف معاناتهن، لكن الأمر الواقع أنهن يتعرضن للعنف باستمرار ولم يعد يقوين على الصمت".

 

 

المنزل أكبر فضاء للعنف

حسب الأرقام الرسمية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، في تقريرها بعنوان "المرأة المغربية في أرقام"، الصادر في 2021، فأن نسبة انتشار العنف لدى النساء البالغات (18-64 عاماً) كانت بنسبة 51.0 %، ولكنها شهدت ارتفاعاً بسيطاً ليسجل 52.1 %.

ويعتبر المنزل أكبر فضاء يشهد العنف، بمعدل انتشار يبلغ 52%، وهو ما يمثل 6.1 ملايين امرأة.

 

تأويلات خاطئة

تقول الأخصائية النفسية بشرى المرابطي أن نتائج مختلف الدراسات النفسية التي تمت في العالم على قلتها مقارنة مع الدراسات التي تمت على إشكالات أخرى، تؤكد أن المرأة التي تعاني من العنف الزوجي تعاني من عدم القدرة على تقدير الذات، وهذه الصورة السلبية للمرأة المعنفة تجاه ذاتها ترجع بالأساس إلى وجود ناتج من الخبرات النفسية السلبية بسبب الإساءات التي تلقتها منذ طفولتها، قد تكون من طرف أحد الوالدين أو من قبل الإخوة أو تعرضت للتنمر من طرف الأصدقاء أو في المدرسة وغيرها من الخبرات السيئة التي تعرضت لها المرأة في مختلف مراحل حياتها.

وخلال حديثها، ذكرت الأخصائية بشرى المرابطي بعض الحالات التي التقت بها "العديد من الحالات التي عايناها وقفنا على وجود اعتقاد بأن المرأة لم تكن لها مكانة في أسرتها، ولم تكن محبوبة من طرف الأسرة، أو كان هناك  تفضيل أحد الإخوة عليها، وخلال حصص العلاج نكتشف أن الشخص لم يمكن كذلك، بل هو اعتقاد خاطئ، وهكذا عندما تفكر في الزواج فإنها تبحث عن بديل للأسرة بهدف الحصول على الشخصية العاطفية وتقدير الذات المفقود في نظرها، وتعتقد أن الزوج هو بديل عن الأب والأم والإخوة وعن العالم بأسره، ولذلك تتقبل عنف زوجها، وتخلق لديها اعتقادات أن مساحة الحب هي قارة رغم التعنيف، كما أنها لا تجرؤ على الانفصال لظنها أنها بحاجة إلى السند والحماية الخارجية سواء من المحيط العائلي والإجتماعي، وأن بقاءها في بيت الزوجية هو المكان الأكثر أماناً لها، وبالتالي تتحول إلى شخصية خنوعة، وهو ما يؤكد قاعدة معروفة في علم النفس وهي (الشخصية المتسلطة لا تتعايش إلا مع الشخصية الممنوعة)، وبالتالي هناك اعتقاد بأن عنف الزوج هو عابر، وهو اعتقاد سائد في المجتمعات العربية، حيث ترسخه التنشئة وهي في الحقيقة مجرد استراتيجية ضمنية متفق عليها من طرف المجتمع من أجل الحفاظ على الأسرة وامتدادها واستقرارها".

 

تكلفة العنف

وعن آثار العنف على الزوجة أوضحت بشرى المرابطي أنها عديدة وتتجلى في الإحساس بالذل، ثم فقد القدرة على المبادرة واتخاذ القرار وفقدان الثقة في النفس واحترام الذات، والانزواء والاعتماد على الآخر، الخوف وعدم الشعور بالأمانة ولوم النفس وتحميل المسؤولية للذات، خاصة في حالات الانفصال مع معاناة الأبناء جراء الطلاق، بالإضافة إلى الاضطرابات النفسية مثل القلق والإكتئاب وقلق ما بعد الصدمة نتيجة تعرض المرأة لتجربة مروعة مثل الاعتداء الجسدي والجنسي أو محاولة الحرق أو القتل أو ما شابه، مع مواجهة صعوبة كبيرة في تربية الأبناء.

وبالإضافة للأثار النفسية على المرأة، فإن هناك آثار أخرى تقع على الأطفال، بحسب الأخصائية النفسية بشرى المرابطي "بالنسبة للأبناء هناك آثار نفسية للعنف الممارس تجاه الأم على الأبناء، حيث يؤثر العنف المشاهد من طرف الطفل داخل الأسرة على الجوانب النفسية والانفعالية والسلوكية لديه، فالأطفال الذين يعيشون في وسط أسري يسوده العنف يستبطنون هذا العنف ويصبحون عنيفين ومنطوين على أنفسهم بالعنف المشاهد، ما يؤثر على نظرتهم لأنفسهم ولغيرهم".

وأضافت "العنف الذي يشاهده الطفل يجعله مهيأ أكثر لإعادة إنتاج السلوك العدواني مع أصدقائه وفي مختلف محطات حياته، إذ يجد الطفل صعوبة في التحكم في غضبه ومخاوفه وسائر المشاعر السلبية، كما أنه قد يلجأ للتنمر على الغير، كشكل من أشكال إثبات الذات، مع الشعور بعدم التركيز مما يؤثر على مساره الدراسي، والانزواء عن المجتمع، والخوف الدائم، كمعنى مغاير تماماً للمعنى الذي يعرفه أغلب الاطفال الذين مروا بتجربة العنف الأسري، مما يجعل الطفل يطيع الغير ويكون بذلك عرضة للاستغلال من طرف الآخرين، والاحساس بالدونية؛ نتيجة الإحساس بالخوف والعجز، وضعف القدرة على التفكير وعدم اكتساب الخبرة، لعدم التمكن من الدخول في تجارب مع الآخرين، لكون الآخر أضحى يشكل تهديداً إليه، وعدم قدرته اتخاذ اي قرار في حياته".

واختتمت الأخصائية بشرى المرابطي حديثها بالقول "مشاهدة العنف الممارس اتجاه الأم يعيق النمو والتطور السليم لشخصية الأطفال، وبالتالي احتمال الإدمان والجنوح، هو أمر وارد؛ حسب مجموعة من الدراسات التي تناولت الموضوع بالتحليل والأبحاث الميدانية".