"براح آمن" مبادرة لمجتمع خالي من العنف الأسري

العنف الأسري واحد من الأزمات التي تتحمل النساء تبعاتها في صمت تام، فالإساءة هنا تأتي من الدوائر المغلقة الأقرب عادة إلى القلب

أسماء فتحي

القاهرة ـ العنف الأسري واحد من الأزمات التي تتحمل النساء تبعاتها في صمت تام، فالإساءة هنا تأتي من الدوائر المغلقة الأقرب عادة إلى القلب، أنها من الأسرة هذا المحيط الآمن الذي ينتظر منه عادة الدعم والمساندة، بينما ما يحدث فعلياً يخالف المأمول وتشوبه الكثير من الممارسات المنتهكة لحقوق النساء.

رغم التأثير السلبي لممارسة العنف الأسري على النساء إلا أن أغلبهن لا يستطعن تقديم الشكوى ضد أحد أفراد الأسرة وعادة ما يتبادر إلى الذهن عدم القدرة على إلحاق الضرر بمن قام بالإساءة سواء كان زوج أو أب أو أخ، فرغم السعي للتخلص من الانتهاكات إلا أن المعادلة لازالت صعبة على النساء نتيجة تلك العاطفة من جهة والمخاوف والعادات من جهة أخرى.

والمرأة عادة ما تتلقى العنف الأسري وتبعاته في كتمان وصمت ولكنه يترك آثاره مادامت تتنفس، فما وقع لها في الصغر هو ذاته ما يعيق خطواتها في الكبر، وهو الأمر الذي دفع مجموعة من الشابات لإطلاق مبادرة "براح آمن" لمواجهة العنف الأسري، وتسليط الضوء على عدد من القضايا المسكوت عنها مجتمعياً، وحول هذا الموضوع تحدثت في حوار مع وكالتنا نيرة حشمت واحدة من مؤسسات المبادرة.

 

ما الهدف من إطلاق مبادرة "الحرية للمعتقلات داخل البيوت المصرية"، وكيف كانت بدايتها؟

العنف الأسري أحد الأزمات التي تتعرض لها النساء ولكن يصعب مواجهتها لأنها تلقى قبول مجتمعي، وبداية العمل على المبادرة كانت بتعرض صديقة لعضوة مؤسسة بالمبادرة لعنف أسري وتم حبسها في منزلها ولم تكن هذه هي المرة الأولى وتمكنت من الاتصال بالنجدة ولكنها فوجئت أنهم يخبروها أن ما حدث لها مؤكد نتيجة غضب أسرتها منها في شيء وحرصهم عليها ضمنياً.

تلك الواقعة كانت بمثابة جرس الإنذار الذي نبهنا إلى ضرورة العمل على هذا الملف منذ عام 2015، وقمنا بشن حملة وتجميع شهادات لفتيات حول ما يتعرضون له، وبدأ العمل بإطلاق هاشتاج "الحرية للمعتقلات داخل البيوت المصرية".

ورغم أن المؤسسين هن فتيات من محافظات مختلفة عملن لعامين على التوعية وجمع الشهادات الخاصة بممارسة العنف الأسري، إلا أن الأمر لم يكن قد تبلور على أرض الواقع، فتم التفكير في إطلاق مبادرة "براح آمن" والتي من خلالها يتم العمل على هذا الملف بشكل أكثر توسعاً وفاعلية على أرض الواقع.

ونتيجة التشكيك المتكرر في الشهادات من وقت لآخر عملنا على رصد حالات العنف الأسري من المواقع المصرية، وأصدرنا مجموعة من التقارير الدورية سواء شهرية أو نصف سنوية أو سنوية منذ عام 2018 وحتى الآن.

 

ما هي الأنشطة التي تقدمها مبادرة "براح آمن" للنساء؟

نعمل بكل طاقتنا على القضايا المرتبطة بالحقوق الجسدية والجنسية للنساء، وواحدة من الحملات التي حرصنا على العمل عليها كانت قضية الختان التي طرحنا من خلالها فكرة العدالة التعويضية.

فعمليات الترميم جانب من العدالة التعويضية للنساء فالمشرع بالفعل غلظ العقوبة والآن تتم معاقبة الجاني، ولكن الفتاة الواقع عليها الضرر خارج الحسابات تماماً، لذلك طالبنا بدعم تلك العمليات الجراحية المكلفة كي تتخلص الفتيات من تبعات الختان، وتأثيره السلبي عليهن.

ونحن نعمل على الكثير من القضايا المسكوت عنها مجتمعياً كالدورة الشهرية على سبيل المثال، وأطلقنا حملة "كيسة سمرا" لطرح طرق تعامل المجتمع معها باعتبارها أمر معيب لا يجب الحديث عنه، فمن حق النساء أن تجدن الفوط الصحية ولا يجوز اعتبارها رفاهية ورفع سعرها من وقت لآخر؛ لأنها جزء أساسي من احتياجات النساء.

بالإضافة إلى التوعية على كل المستويات وجانب أساسي منها يتمثل في العنف الأسري من الجانب المجتمعي القانوني، والباقي يتعلق بمختلف قضايا النساء.

 

واحدة من الاشكاليات القائمة هي غياب القوانين التي تحمي الفتيات من العنف الأسري، ما نصيب العمل على الجانب القانوني من نشاطكم؟

بالطبع نعمل على الجانب القانوني، ودخلنا في شراكات مع مؤسسات أخرى إلى جانب حضور المناقشات الخاصة بتغيير القوانين، وفي آذار2021 عملنا على حملة توعية بقانون الأحوال الشخصية، وفي تشرين الثاني وكانون الأول 2021 أطلقنا حملة "حق مدني" التي شملت الإجبار على الزواج أو تزويج القاصرات والطلاق الشفهي والغيابي.

وسلطنا الضوء إلى حد كبير على وضع المرأة من القوانين؛ لأننا نرى أن القوانين لا ترى المرأة، وتتجاهل الكثير من أزماتها وهناك احتياج أكبر لمزيد من القوانين الحامية لها.

ولكن القانون وحده لا يكفي فنحن نعيش داخل مجتمع يحمي المعنفين فهناك أمثلة تحث على العنف ضد النساء وهناك فن يروج إلى حد كبير للاعتداء عليهن، وهناك أيضاً عنوان تقتل النساء تحت ستاره وهو ما عرف بجرائم الشرف والتي استغلها الكثير من الرجال للتخلص من زوجاتهم.

 

بعض الفتيات يطلبن الدعم ولكنهن يتراجعن مرة أخرى... فإلى أي مدى صادفتم حالات شبيهة؟

لا يمكننا لوم النساء على خوفهن نتيجة الظروف التي يعشنها، فلسن جميعهن قادرات على مواجهة المعنف للكثير من الأسباب منها الضغوط الاقتصادية.

كثيرة هي القصص التي وردت إلينا ومنها قصة فتاة أجبرت للتنازل عن ميراثها، وتم حبسها من قبل عائلتها، وعند ذهاب إحدى عضواتنا مع محامي لمساعدتها تعرضوا للضرب من العائلة، وكانت هناك زوجة استنجدت بفيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكنها بعد ذلك تنازلت عن حقها وارتضت الصلح مع الزوج المعنف مرة أخرى، فالوقوف على قرار التخلص من المعنف رفاهية لا يملكها الكثيرون.

 

النساء تقتلن مؤخراً لحرمانهن من الميراث، كيف عملتم في حملتكم الأخيرة على تلك القضية؟

الحديث عن الميراث في مجتمع أبوي أمر شاق للغاية فقد استغرق التفكير فقط فيما سيتم طرحه بهذه القضية عدة شهور، واخيراً تم الاستقرار على طرح استمارة تساؤل بعنوان "ميراث الستات فين".

وفكرنا كثيراً في طريقة التعامل مع تلك القضية وما يجب أن نتحدث عنه، فهل ستكون المطالبة بالمساواة بين الجنسين في الميراث أم توعية النساء بالإصرار على نيل حقوقهن ومواجهة من يسلبهن إياها، واخيراً استقر الأمر على الاستماع للتجارب وطرح القضية بشكل عام.

ولا يمكن إغفال حجم الأزمة التي تعاني منها النساء فقد تلقينا الكثير من الشهادات منها طرد فتاتين من شقة والدهم بعد موت الأب واستحواذ العم على الميراث كاملاً، وكذلك موت امرأة لعدم قدرتها على إجراء جراحة وأخيها الناهب ميراثها يذهب للقيام بعمرة لأنه متدين، وغيرها من القصص التي تسلط الضوء على تناقض الشخصيات والمجتمع وازدواجيتهن في التعامل مع تلك القضية.

وللأسف الميراث واحدة من القضايا التي طغت على ساحة الجرائم مؤخراً فرأينا نساء يقتلن ليحرمن منه، وهناك فتاة تم حبسها ومنعت عنها أدويتها والطعام من أجل التنازل عنه، وكذلك الأخ الذي حاول تصوير أخته عارية لابتزازها كي تتنازل عن حقها ولولا صراخها وتدخل الجيران لتم له ما أراد، وهناك آخر حرق أخته أمام زوجته لتكون واحدة من ضحايا الميراث.

 

هناك مجموعة من الإجراءات التي اتخذتها مصر لمواجهة العنف كيف ترون تأثيرها على أرض الواقع؟

لا يمكن الجزم بجدوى الإجراءات في ظل غياب القانون، فلا يوجد قانون يحمي النساء فعلياً من العنف الأسري لذلك  اللجوء للكيانات والمؤسسات مجرد شكوى قد لا تكون فعلياً مؤثرة إلى حد كبير.

وعلاج العنف الأسري أعقد من مجرد وجود مكان لاستقبال شكاوى النساء فكل ذكر في الأسرة يمارس استحقاق لا نهائي في تعنيف الإناث والاعتداء عليهم وهو أمر يجب مواجهته أولاً وتغييره.

فنحن في حاجة لقانون رادع يحول دون تلك الممارسات ويوقف الانتهاك شبه الدائم الممارس على النساء والمتفشي في المجتمع.

 

ماهي الصعوبات والمعوقات التي واجهتكم خلال عملكم؟

المعوقات كثيرة وعلى مختلف المستويات فمازال هناك مجتمعات يصعب فيها الوصول للنساء بدون الحصول على تصريح من الرجال، ويجب العبور من خلال بوابتهم أولاً للتحدث إلى النساء، بل أن هناك نساء لا يحق لهم الحديث من الأساس والرجل هو المتحدث رسمياً نيابة عنهم ومنهم من لا يظهر بوجهه وأخريات يقبعن بشكل كامل داخل السلطة الأبوية المطلقة.

كما أن عدد كبير من القضايا التي يتم طرحها يتم التشكيك في صدقها وعادة ما يرد إلينا تعقيبات هذا التشكك وكأن هذا غريب على المجتمع ولا يحدث به وما تتعرض له النساء من انتهاكات ضرب من الخيال.

وهناك فئة عمرية تشعرنا في كثير من الأحيان بالعجز وهن الواقعات بين الـ 18 و21 سنة، فعند تعرض الفتاة لعنف في هذا السن يجب أن يكون هناك ولي عنها يوكل محامي، وعادة ما يكون الشخص المعنف هو نفسه ذلك الولي وبالتالي لن يقوم بالأمر.

ولا زلنا نسير عكس التيار لأن الثقافة المجتمعية متجذرة في نفوس المواطنين بدرجة تفوق تأثير القانون نفسه، فرغم أن هناك تجريم لمنع المرأة من الحصول على حقها في الميراث إلا أن "العيب" المجتمعي أقوى ولا تتجه أغلب النساء للمسار القانوني من أجل الحصول على حقوق.