باتريسيا إلياس: لبنان سينهض بأيدي النساء

أكدت الناشطة الحقوقية والمحامية باتريسيا إلياس على ضرورة تطوير القوانين المتعلقة بالمرأة منها قانون الولاية والجنسية والميراث وزواج القاصرات، وصولاً لإقرار الكوتا بهدف إفساح المجال للنساء عبر المشاركة السياسية الفعالة.

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ يعتبر لبنان أول بلد عربي شرع حق الانتخاب للنساء، فضلاً عن كونه أحد المساهمين السبعة الأساسيين الذين نصوا على شرعية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وعلى الرغم من ذلك، فإن وضع المرأة في لبنان يعتبر في مراكز متدنية منطقياً وعالمياً، سواء لجهة القوانين المجحفة التي تطال النساء أو المشاركة السياسية للمرأة.

قالت المحامية باتريسيا إلياس لوكالتنا "لبنان من الدول التي وقعت الاتفاقية الدولية لحقوق المرأة (سيداو)، وكل بلد يوقع على هذه الاتفاقية ملزم بتقديم تقرير حكومي ومن المجتمع المدني أو ما يسمى تقرير ظل كل أربع اعوام، يتعلق بأوضاع المرأة وتطورها في البلاد، وقد قمت بتقديم تقريري هما التقرير الرابع والسادس وكان الرابع يتعلق بالمجال القضائي والمحاكم وبولوج المرأة إلى المحاكم في لبنان وفي السادس الذي تم تقديمه في شهر كانون الثاني من هذا العام، عملت على حقوق المرأة بشكل عام، وخصوصاً في مجال المشاركة السياسية للنساء".

 

حق الولاية

وأوضحت إنه "في مجال حقوق المرأة نبدأ بالأولويات، وهو حق الولاية، وحق الحضانة، فلا حق ولاية للأم على أطفالها في لبنان، وحق الولاية مقتصر على الأب، ويعني أن الأب هو الولي الشرعي على الأطفال، وكذلك الأمر بالنسبة لحق الحضانة بعد عمر معين، والحقوق المالية، كما ويمكن للأب أن يمنع الأم أن ترى أولادها مدى حياتها، وللأسف فإن كل الأحوال الشخصية من طلاق وزواج وإرث هي بأيدي المحاكم المذهبية، حيث لدينا 15 محكمة مذهبية لـ 18 مذهباً،  وحتى الآن لم تقدم هذه المذاهب قوانينها للدولة، والمؤسف أكثر أن القضاة فيها لم يأخذوا دروساً في الحقوق والقضاء، لذا نجد تمييزاً كبيراً ضد المرأة، ودوما يعطى حق الولاية للأب، وإذا أعطيت الأم حق الوصاية، أي أن الأطفال يمكنهم البقاء مع الأم لتهتم بهم، لكنها لا تستطيع أخذ قرارات، وليس لديها الذمة المالية عن أطفالها، وبالنسبة لحق الحضانة فيتراوح بين سنتين، 7، 12 و15 سنة وفقا للمذاهب".

وأضافت "نحن نطالب بأن تعطى الأم حقوقاً متساوية مع الأب، ومنها حق الولاية والقرار في مصير الأطفال، أسوة بالدول المتمدنة في العالم، لكي ينمو الأطفال بين الأم والأب دون الحرمان من أحدهما، والذي يحصل في حالة الطلاق على سبيل المثال، يمكن للرجل حرمان المرأة من رؤية أطفالها وإلى الأبد، وكما وأنه إذا عادت المرأة وتزوجت بعد الطلاق، تحرم من رؤية أطفالها وحتى من حق الحضانة، أي أن الأمهات يتم إجبارهن على التضحية بحياتهن للبقاء مع أولادهن".

 

الإنجازات في قضايا المرأة

وعن الإنجازات التي تحققت في الملفات المختلفة المتعلقة بقضايا المرأة قالت "ليس هناك انجازات كثيرة، فحتى في حالة وفاة الأب مثلاً، تعطى حضانة الأطفال وولايتهم لرجل من عائلة الأب مثلا الجد أو العم، وتحرم الأم كذلك من حق الولاية، ونصل إلى حالات مأسوية حيث تضطر الأم أن تستجدي لقمة العيش لتتمكن من إعالة أطفالها، وهذا ما يؤثر على الأطفال والأم وكرامتهم"، مضيفةً "في هذا المجال، وقع لبنان الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، والتي تنص على أن مصلحة الطفل العليا هي الأولوية، وفي لبنان تم أخذ الاعتبار بعمر الطفل لا مصلحته، ولا صحته النفسية، ونعلم أن الطفل الذي يتلقى تربية بطريقة عنيفة بدون وجود أحد الوالدين، يتحول الى شخص منتقص، لذا نحتاج لقانون مدني في لبنان، يعطي الإنصاف للمرأة والرجل، وبحيث يكون كلا الوالدين أولياء على الأطفال، فالمرأة مثلاً لا يمكنها فتح حساباً مصرفياً لأطفالها، فالحساب حالياً هو ائتماني، وحتى لو استطاعت فتحه، فبإمكان الرجل سحب الأموال منه باعتباره الولي على الأطفال، وحتى لو كان هذا الحساب نتيجة عملها وجهدها وأموالها الخاصة، أما بالنسبة لقضية جواز السفر، فيتطلب توقيع الوالدين على جوازات السفر، في كل مرة نطالب بأحد حقوق المرأة وهي جميعاً جزء أساسي من حقوق الإنسان، وكأننا نستجدي هذا الحق،  لذا نريد قانوناً منصفاً للجميع".

 

تزويج القاصرات

وعن قضية تزويج القاصرات قالت "تشكل هذه القضية انتقاصاً ليس لحقوق المرأة فحسب بل الطفل أيضاً، سواء على المدى القصير والمتوسط والبعيد، وهنا أكرر أن لبنان وقع على اتفاقية حقوق الطفل، التي تنص على عدم تزويج القاصرات قبل بلوغ سن الرشد".

وأضافت "أن سن الرشد في القانون اللبناني، هو 18 سنة في المجال الجزائي والمدني وقانون العمل والانتساب للنقابات والسير، بينما في الاقتراع بالانتخابات بسن 21 عاماً، فالنسبة إلى موضوع الزواج، للأسف في بعض المذاهب يبدأ بعمر 9 سنوات وهناك مذاهب بعمر 12 و14 سنة، وكله لا يجوز، ووصلتنا إحدى الحالات لطفلة تبكي لأنها غير قادرة على إطعام طفلها، فقد حاولت إطعامه الحليب بالملعقة، فهي لا تعرف كيفية العناية بطفلها، كما وأن جسم الطفلة ليس مهيأ للحمل كونه غير مكتمل، ولا حتى عقلها، فكيف توقع على عقد الزواج، الذي هو استحقاق حياتي وبعمر 9 سنوات، هذا الأمر عار على لبنان، كون مثل هذا الأمر يعتبر خارج لبنان نوع من اغتصاب الأطفال (البيدوفيليا)، فلأجل كرامة هذا البلد وشعبه وأطفاله، يجب أن يكون الزواج متوافقاً مع الاتفاقات الدولية التي وقع عليها لبنان، وعلينا رفع سن الزواج فوق عمر 18 سنة".

 

الجنسية

وحول موضوع الجنسية لفتت المحامية باتريسيا الياس إلى أن "لبنان هو من بين 27 بلداً في العالم بأكمله لا تستطيع الأم إعطاء الجنسية لأطفالها، كما ونجد تمييزاً ضد المرأة في هذه القضية، لأن الرجل يمكنه في بعض المذاهب أن يتزوج 4 نساء، وأن يكون لديه 40 طفلاً وأن يعطي الجنسية لجميع أطفاله، ويعتبرون أن المرأة التي تتزوج رجلاً واحداً وتنجب طفلين أو 3 أطفال ستؤثر في هذا الملف، علما أن العدد الكلي الذي نتكلم عنه هو 5 آلاف امرأة متزوجة من أجنبي، وبينهن الكثيرات متزوجات بجنسيات أوروبية، باعتبار أن التجنيس سيؤثر على حق العودة المقدسة للاجئين الفلسطينيين، ولكن ما نراه أن من تم تجنيسهم هو بمراسيم تجنيس رئاسية، وأنه تم تجنيس أكثر من 150 ألف شخص، فلم تمنع المرأة من تجنيس أطفالها؟ علما أن هذا الطفل سيكون لبنانيا أكثر من ابن الرجل المتزوج من أجنبية، لأنه تربية أم لبنانية".

 

المشاركة السياسية للمرأة

وعن المشاركة السياسية للمرأة، قالت "لبنان في المرتبة 15 بين 17 بلداً عربياً لجهة المشاركة السياسية للمرأة، وعالمياً في المرتبة 183 من أصل 187 بلداً، على الرغم من مساهمة لبنان في نص شرعة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بين 7 بلدان، وكان لبنان في الطليعة لجهة حقوق الإنسان، لكن الآن وصلنا للحضيض، وبالمقارنة مع الدول الأخرى في المنطقة والعالم، فإنه في رواندا تصل نسبة مشاركة النساء في الحياة السياسية 30% وهو ما نطالب به (مشروع قانون الكوتا)، وفي الإمارات العربية المتحدة 50%، العراق ومصر 25%، السعودية 20%، ليبيا 16 بالمئة، بينما في لبنان فهي دون 10% بكثير".

وأضافت "في العام 2017، شكلنا وفداً ممثلاً لأكثر من 200 جمعية للمطالبة بالكوتا، وقابلنا في هذا المجال رئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة، ووعدنا بتطبيق الكوتا في الانتخابات النيابية، ولكن عندما تجرى الانتخابات تكون بدون كوتا نسائية".

وأوضحت "الأمر الوحيد الذي تقدمنا فيه بلبنان أننا شهدنا قوائم عدة تضم نساء، بينما كانت سابقاً مقتصرة على الرجال، كما وكانت هناك لائحة مكتملة من نساء فقط في العام 2018، وهنا أود الإشارة إلى سبب المطالبة بالكوتا، فقد برهنت الدراسات العالمية أنه إن لم تفرض الكوتا النسائية على البلاد، فلا يمكن للمرأة أن تصل سياسياً، كون الرجال في الحكم والسياسة منذ آلاف السنوات، أي أن لدينا ما يشبه العادة بانتخاب الرجال، وعندما يتم تخيير الشعب بين رجل وامرأة فسيتم اختيار رجل وحتى من قبل النساء، فليس لدى الشعب الثقة والوعي بقدرات المرأة وإمكانياتها، لذا نبدأ بتمييز إيجابي عن طريق إقرار الكوتا على دورات انتخابية متتالية، حيث يتم "إجبار الناس" على اختيار امرأة، حيث يمكن للشعب أن يختبر عمل النساء، والتأقلم لتصبح هذه العادة مثل العرف".

وأضافت "خلال الحربين العالميتين، استلمت النساء البلاد لانشغال الرجال على الجبهات، وتولت أمور البلاد والمعامل والطرقات والمستشفيات، ما فتح الذهون والوعي العام على قدرات المرأة، واقتنع السياسيون بإعطائها حقوقاً متساوية مع الرجل".

واختتمت المحامية باتريسيا إلياس حديثها بالقول إن "مستقبل لبنان سيزدهر بأيدي المرأة، لأن المرأة اللبنانية مثقفة وواعية، وهي التي تهتم بعائلتها وبوطنها، بينما الرجل لديه الأنا والجاه، بينما المرأة هي التي تهتم بالمستشفيات والصحة والمدارس والغذاء والأمور الحيوية للوطن، بينما يهتم الرجل بالطرقات والسياسة، وهذا ما اثبتته الدراسات، لذا علينا العمل يداً بيد، علما أنني مؤمنة كما وأنه وفقاً للدراسات، يأن مشاركة المرأة في الحكم سينعكس إيجاباً على البلاد، فستصبح بلاد أكثر استقراراً وأمناً، وستتحول إلى دولة القانون والاستقرار وأقل فساداً، وأؤمن أن لبنان سينهض كطائر الفينيق، وأن هذا النهوض سيكون بأيدي النساء".

 

من هي باتريسيا إلياس؟

باتريسيا إلياس محامية، تعمل في مجال القانون الدولي سواء القانون اللبناني وقوانين الدول العربية والقانون الأوروبي والقانون الفرنسي والإنجليزي والأميركي، كما أنها مستشارة لهيئة الأمم المتحدة لشؤون المرأة ولا سيما في مجال المشاركة السياسية للمرأة وما يتعلق بالقرار 1325، قدمت محاضرات وأبحاث وورش عمل مختلفة حول قضايا المرأة المختلفة، وتابعت قضايا وحقوق المرأة في العالم العربي منذ أكثر من عشرين عام أيضاً، كما أنها قدمت محاضرات وورشات عمل عن اتفاقية "سيداو" وحقوق المرأة في لبنان والعالم.