إيمان الشريف: لا بد من مراجعة آليات قانون مكافحة العنف... ومقترح الوساطة العائلية قد يقلّل من النسب

لا تزال النسويات في تونس غير راضيات عن وضع المرأة خاصةً في السنوات الأخيرة مع تمدّد الحركات الرجعية غير المؤمنة بحقوقها وحريتها، والتي تسعى إلى تكريس ثقافة تغييب وإقصاء النساء وجعلهن ديكوراً للزينة في مختلف المحافل والمناسبات

زهور المشرقي
تونس ـ ، وقد أثارت بعض الدعوات التحريضية ضدّ حقوقهن في تونس المخاوف من تراجع بعض المكاسب التي جاءت نتيجة نضالات وتضحيات نسوية طويلة.
وللتعرف على جمعية "هنّ" النسوية وأهدافها كان لوكالتنا مع رئيسة جمعية "هنّ" النسوية إيمان الشريف، الحوار التالي:
 
لو تعرفوننا بجمعية "هنّ"... ماهي أبرز أهدافها وإلى ماذا تطمح؟
"هنّ" جمعية نسوية تأسّست في الثالث عشر من آب/أغسطس عام 2018 أي تزامناً مع الاحتفال بعيد المرأة عيد المرأة الوطني، ونهدف من خلال جمعيتنا إلى الاهتمام بوضع المرأة في مختلف المجالات وإدماجها في الحياة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والرقي بها، كما نسعى للحدّ من العديد من الظواهر السلبية وأبرزها العنف بمختلف أشكاله، ونعمل على تحفيز النساء ومساعدتهن لتحقيق ذواتهن، وأيضاً تمكين النساء السجينات من التمتع بحقوق الإنسان... لدينا فروع في مختلف الجهات لنكون بالقرب من النساء لتشجيعهن ومساندتهن أينما كنَّ.
 
كيف ترصدون وضعية المرأة التونسية سواء في المدن أو الأرياف؟ 
بحسب ما عاينته في مشواري العملي كمهتمة بالدفاع عن حقوق النساء حتى قبل بعث الجمعية، تعيش المرأة التونسية أوضاعاً صعبة على مختلف المستويات وأهمّها مشكلة غياب تمكينها اقتصادياً وممارسة العنف الاقتصادي ضدها من قبل أرباب العمل... تعاني المرأة من التهميش والعنف أكثر من غيرها، وحتى الحقوق التي ضمّنتها مجلة الأحوال الشخصية الصادرة عام 1956 وغيرها من الحقوق التي كانت نتيجة نضالات نسوية وبدافع الحركة الوطنية التحررية، ظلّت المرأة محصورة في قوانين دُسّت بين الرفوف وحبراً على ورق، حيث لا زالت تعاني من عدم تكافؤ الفرص وغياب المساواة في العمل والتمكين بمختلف جوانبه.
تعيش المرأة في تونس وضعية هشّة للغاية تتطلّب التدخل والعمل النسوي المتناسق حتى ننجح في تحقيق أهدافنا الحقيقية في وضع نسوي ملوّن بالحقوق والحريّة، لا بدّ من العمل معاً كجمعيات متهمة بالنساء لتحسين وضع المرأة والنهوض بها اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، كما أنها لازالت بحاجة إلى عناية أكثر واهتمام من السلطة بعيداً عن أي غاية انتخابية أو سياسية، اهتمام تكون المرأة فيه رائدة وقائدة، ومخيّرة لا مسيّرة مكبّلة. 
 
كيف يمكن تمكين المرأة اقتصادياً للحد من الممارسات التي تهدد سلامتها ومنها العنف الاقتصادي؟
نحاول أولاً البحث في أسباب العنف ضد النساء بمختلف أشكاله ومن بينها العنف الاقتصادي، نسعى في جمعية "هن" وشركائها إلى تمكين النساء اقتصادياً عبر دورات تكوينية مجانية لضمان موارد رزق واكتفاء، وقد تم التنسيق مع معتمدية "باب سويقة" بالعاصمة تونس التي أفسحت لنا المجال ووفّرت لنا الفضاء لتكوين أكثر من عشرين امرأة، في مجال الصناعات التقليدية والحرف وصناعة الإكسسوارات، حتى ينجحن في الاعتماد على ذواتهن وإنقاذ أنفسهن من العنف الاقتصادي، وفرصة للعمل انطلاقاً من بيوتهن، ونحاول دعمهن من خلال توفير الموارد، وللإشارة الدورات التكوينية المخصصة للنساء والفتيات اللواتي انقطعن عن التعليم لتوفير فرصة عمل لهن خاصةً بعد المآسي التي خلّفتها جائحة كورونا من بطالة وفقدان موارد الرزق لآلاف النساء في تونس، ستستمر في العديد من المدن.
لا بدّ من تمكين المرأة اقتصادياً وإثبات قدرتها على النجاح والتقدم ومنحها الفرص للمساهمة في صنع القرارات الاقتصادية، لأنه سيحدّ من نسب العنف المستفحل.
 
برأيكم ما الآليات القادرة على الضغط على نسب العنف المرتفعة برغم وجود القانون عدد 58 الذي تقول نسويات إنه فشل في تحقيق الهدف المطلوب؟
نعم صادق البرلمان التونسي عام 2017 على القانون عدد 58 الذي اعتبر قانوناً مفصلياً وثمرة نضالات نسوية منذ التسعينات للتصدّي لظاهرة العنف ضدّ النساء التي باتت مستفحلة بطرق وأشكال بشعة وصلت حدّ الإجرام والقتل والسحل والذبح وقطع الأذنين، ولكن بالرغم من ذلك ارتفعت نسب العنف خاصةً في فترة الحجر الصحّي العام الماضي، وقد أطلقنا صيحة فزع للوقوف على الأسباب الحقيقية ومعالجتها.
عديدة هي التحدّيات التي تنتظرنا كناشطات في مجال الدفاع عن حقوق النساء، فرغم القانون لا زالت التونسية تعاني من شتّى أنواع العنف انطلاقاً من منزلها وصولاً إلى الشارع والفضاءات الخاصة والعامة، من عنف لفظي وجسدي ونفسي واقتصادي، وحتى في حال اختيارها مقاضاة معنّفها إن كان زوجاً أو أخاً أو أباً، فإن شكاياتها توضع بين الرفوف ولن يتم النظر فيها إلى حين توفير الأدلة القاطعة على أنها قد عُنفت في محاولة لتعجيزها وإسكاتها، لذا يصعب عليها الوصول إلى حقّها وغايتها في الإثبات قانونياً أنها ضحية عنف، ونتذكّر معاً ما حصل مع رفقة الشارني التي قُتلت على يدي زوجها الأمني الذي أطلق عليها خمس طلقات من سلاحه الوظيفي، بعد تعتيم ولامبالاة من قبل مَن لجأت إليهم قبل موتها لحمايتها... القانون الذي تم المصادقة عليه فيه العديد من الثغرات التي وجب العمل على إصلاحها بما يتماشى وواقع النساء اليوم في تونس... نريد قانوناً يحمي النساء لا يخيفهن، قانوناً ينتصر للنساء ضحايا العنف.
عشرات النساء يتواصلن مع الجمعية لتقديم الشكاوى بعد تعرضّهن للعنف بمختلف أشكاله، ويشتكين من غياب قوانين تحميهن من المعنِّف، وهنا أتساءل أين القانون الذي يفترض أن يحميهن؟ وهل ننتظر موعد قتلهن حتى نتحرّك ونصدقهن؟
 
ترون أن هذا القانون فشل في حماية النساء من العنف... ما السبيل إذاً وهل المشكلة تكمن في آلية التنفيذ؟
أعتقد أن هناك مشكلة في طريقة تنفيذ قانون القضاء على العنف ضد المرأة الذي يضم خمسين فصلاً موزعة على خمسة أبواب، وتقدم مواده تعريفاً للعنف المسلط على النساء، وأنماط الحماية والوقاية من العنف، وتصنيف جرائم العنف ضد النساء، وتوضح أشكال العقوبات.
ما يميز القانون هو أنه يعطي تعريفاً دقيقاً للعنف ضد النساء، وهو "كلُّ اعتداء مادي أو معنوي أو جنسي أو اقتصادي ضد المرأة أساسه التمييز بسبب الجنس، والذي يتسبب بإيذاء أو ألم جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة"... إنه إنجاز صفّقنا له جميعاً وكنا كنساء نحلم بأن ينجح في مجابهة العنف ضدنا لكن أظن أن المشكلة تكمن في كيفية تنفيذ آلياته فعلاً، حيث لم نسمع إلى اليوم عن جريمة برغم هذا القانون قد نال مرتكبها جزاءه القانوني، ولا نعرف مصير عشرات القضايا حتى في جرائم القتل بما يفسّر عدم تنفيذ القانون، وحتى النساء لم يعد لديهن ثقة في القانون، فهذه تُقتل وأخرى تفقأ عيناها وثالثة تقطع أذناها... هذه لمحة صغيرة عن جرائم عشناها، فأين القانون وكيف يمكن الحدّ من هذه الجرائم والتصدّي لها؟
 
برأيكم هل يمكن أن ينجح مشروع الوساطة العائلية الذي اقترح من قبل وزارة المرأة التونسية، في الحدّ من العنف وحلّ المشاكل الأسرية وتخفيف العبء عن القضاء؟
أرى أن هذه الآلية مهمة للحدّ من نسب الطلاق خاصةً وأن تونس تعتبر الأولى عربياً في نسبة الطلاق لأسباب عديدة... أنا أؤمن بثقافة الحوار السلس والودّي بين الزوجين لحل مشاكلهما العائلية، وحتى نساهم في لمّ شمل العائلة، فالمشاكل التي يكون سببها الضغوطات الاجتماعية نستطيع أن نتجاوزها بفهمها والبحث عن طرق لمعالجتها ودّياً بين الطرفين، لكن هناك بعض الحالات التي لا توجد فيها وساطة، تلك المغلّفة بالعنف مهما كان شكله.
الوساطة تتطلب ضرورة استدعاء الزوجة قبل الطلاق والاستماع إليها لبحث أسباب الخلاف والسعي إلى تذويبه وحلّه من خلال فتح حوار بين الزوجين والاستماع إلى كل من تتوقع منه المحكمة إفادة، لكن مع العنف تصعب المعادلة بسبب الخوف والخشية من تطور العنف إلى القتل، وهنا لا بد من الإشادة بكل النسويات اللاتي يرفعن صوتهن بجرأة ويواصلن مشوار التصدي لكل ممارسات العنف وأساليبه.
ومعنى النسوية برأيي هي المرأة القيادية المدافعة بشراسة عن حقوق النساء، وتلك المرأة الحالمة بواقع نسائي مختلف وأكثر مساواةً وإنصافاً، وهي المرأة التي تسعى إلى تحقيق ذاتها... النسوية هي سعي دؤوب للرقي بالمرأة والارتقاء بها لإثبات دورها والدفاع عن وجودها في مراكز القرار، وعن كرامتها وإنسانيتها... نحن هدفنا وبوصلتنا هي المرأة، نحن نسويات لا نهتم لكل ما يقال بل نعمل على تعديل البوصلة حتى يكون للنساء مستقبل أفضل في مختلف المجالات ونسمو عن كل المنحدرات والأحاديث الجانبية التي لن تقدم لواقع المرأة إلا المآسي. 
 
كيف يؤثر المجتمع الذكوري والأعراف الاجتماعية على المساواة المبنية على النوع الاجتماعي في تونس؟ وما الذي يمكن فعله لتغيير المواقف بشأن المساواة؟
للأسف... المجتمع الذكوري قد ولد معنا وسط عائلاتنا، وتربّينا وفق تقاليده البالية منذ صغرنا، حيث يبدأ التمييز من الأسرة حين تجهز الأم وجبة العشاء وتختار الأفضل للابن وتميّزه لاعتباره "ذكراً" وجب مراعاته أكثر دون الالتفات إلى الابنة أو الأخت التي تكون في مراتب ثانوية، ليتم بذلك زرع الفكر الذكوري في الطفل منذ تنشئته أن هناك فرقاً كبيراً بين الأخ وأخته، وأن النساء أقل شأناً من الرجال... المساواة الفعلية يجب أن تنطلق من العائلة المصغّرة وأن نعلّم أبنائنا أننا متساوون ولا فرق بيننا، هذا الفكر برأي نحن من أوجدناه وغذّيناه وأول من يجب محاربته انطلاقاً من محيطنا الضيق، وأتساءل ما الفرق بيننا؟... إننا نحمل شهادات عليا ولدينا معارف وكفاءات، نحن من خلقنا الفرق بتمييزنا غير العادل.
لا بد من معاجلة التمييز وإقرار المساواة انطلاقاً من أسرنا وصولاً إلى المجتمع... يجب أن نؤمن أولاً بأننا متساوون وهذا الدور يوكل أولاً إلى الأم التي وجب ألاّ تحدث تمييزاً بين أبنائها الإناث والذكور.
 
ما هي رسالتكم للمرأة التونسية؟
يجب أن تظلي قوية متماسكة ومتمسّكة بحلمكِ وطموحكِ لتحقيق النجاح، حتى إن فشلتِ يجب أن تواصلي مسيرتكِ بعيداً عن اليأس والخنوع... كوني قوية، استمري في التعلم وتحصيل العلم، ناضلي من أجل حلمكِ وتحلي بالثقة في الذات حتى تكوني قدوة في مجالكِ، لا حياة مع اليأس ونحن نساء ربينا أجيالاً ولن نيأس مهما اعترضت سبيلنا حواجز ومصاعب... سنزيح كل الأشواك عن طريقنا ونواصل.