أصوات نسائية من المغرب تدعو إلى سن قانون يجيز "الإجهاض الآمن"

يجرم القانون المغربي الإجهاض، حيث تتراوح عقوبته بين 6 أشهر و5 سنوات سجناً، ولا يقتصر فقط على المرأة التي أجهضت، بل يعاقب أيضاً كل من قام بفعل الإجهاض.

حنان حارت

المغرب ـ شهد المغرب خلال الأسابيع الأخيرة جدلاً واسعاً حول تقنين الإجهاض الآمن، وذلك على خلفية اعتقال شبكة تروج لأقراص محظورة تؤدي إلى الإجهاض، ونظراً لما يمكن أن يترتب عنه من آثار خطيرة على صحة النساء، حين اللجوء إلى الاجهاض السري، تسعى ناشطات حقوقيات إلى دفع المؤسسات التشريعية إلى سن قانون يقنن "الإجهاض الآمن"، ويعطي الحق للنساء بإيقاف حملهن في المصحات تحت إشراف طبي، متى رأين أنهن غير مستعدات لأن يكن أمهات، لكون الأمومة، خيار وليس إجبار.

تنص المادة 449 من القانون الجنائي المغربي على أنه من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حامل أو يظن أنها كذلك، برضاها أو بدونه، سواء كان ذلك بواسطة طعام أو شراب أو عقاقير أو تحايل أو عنف أو أية وسيلة أخرى، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة مالية. أما إذا نتج عن عملية الإجهاض موت المرأة، فعقوبة الفاعل تصبح السجن من 10 إلى 20 سنة.

فيما تنص المادة 450 من نفس القانون، على إنه إذا ثبت أن مرتكب الجريمة يمارس الأفعال المشار إليها سابقاً بصفة معتادة، ترفع عقوبة الحبس إلى الضعف، وتصبح عقوبة السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة في الحالة التي يؤدي فيها الإجهاض إلى الموت.

أما المادة 454، فتعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وغرامة مالية كل امرأة أجهضت نفسها عمداً، أو حاولت ذلك، أو قبلت أن يجهضها غيرها، أو رضيت باستعمال ما أعطي لها لهذا الغرض.

وعن ذلك تقول المحامية والناشطة الحقوقية نبيلة جلال، وهي عضو فيدرالية رابطة حقوق النساء، إن هناك حوالي 800 حالة إجهاض سري تقع في اليوم، الشيء الذي يترتب عنه وفيات، وإعاقات ومشاكل صحية كثيرة للنساء؛ وبالتالي يجب التعاطي مع هذا الواقع بعين الحكمة من طرف القانون.

وأوضحت إن مصطلح الإجهاض عليه نوع من التحفظ، لأنه مصطلح غير حقوقي، فهو يسمى الإيقاف الإرادي للحمل، مشيرةً إلى أن تقنين الايقاف الإرادي للحمل، طالما شكل أحد مطالب الحركة النسوية والحقوقية في المغرب لسنوات، واليوم نرى أنه آن الأوان أن يطرح بشأنه نقاش جاد وهادئ وموضوعي حول الأسباب والحلول.

وقالت أن الزجر القانوني لم ينجح في القضاء والحد من العمليات التي تتم في الخفاء، فالقانون الجنائي يمنع النساء من حقهن في التصرف في أجسادهن في الوقت الذي لا يوفر لهن الحماية القانونية لأبنائهن بعد ولادتهن، وهو ما يتسبب في تزايد ظاهرة تشرد الأطفال، والأطفال الذين يولدون خارج مؤسسة الزواج من دون حقوق.

وأضافت "حين نتحدث عن تجريم الإجهاض، فإن الطرف الآخر (الرجل) الذي هو جزء في العملية لا تتم متابعته، في حين أن المرأة بكل تبعات الفعل الاجتماعي والاقتصادي، والثقافي بالإضافة إلى القانوني تتحمل المسؤولية كاملة".

وأوضحت أنه "في هذه الحالة تغيب قواعد العدالة والانصاف، لهذا يجب فتح نقاش جدي وهادئ بين جميع مكونات المجتمع، لكي نستطيع الوقوف على هذا العمل، لأن الموضوع مرتبط بالصحة والجانب التشريعي والثقافة وبمنظومة التعليم والإعلام، لهذا برأيي لا يمكن مناقشة الموضوع بمعزل عن كل هذه الأمور".

ومن جهتها ترى عضو جمعية شابات من أجل الديمقراطية بشرى الشتواني أنه في ظل غياب قانون يحمي النساء ويعطيهن الحق في أن يخترن أن يكن أمهات، لكون الأصل في الأمومة ليست فعل إجبار، بل هي اختيار، تنشأ جرائم موازية تتم في الخفاء".

وأضافت "الاجهاض السري لا زال قائماً، وهناك جيوب مقاومة تعمل من أجل عدم خروج قانون يحمي النساء من إجبارية الأمومة، ويمنحهن الحق في الايقاف الإرادي للحمل بشكل آمن".

وأكدت أن من يقف وراء ذلك هم أطباء مات ضميرهم أمام جشع المال، والذين يقومون بعمليات سرية في عياداتهم بالتحايل على القانون، وفي حالة تقنين الإجهاض فبالتأكيد سيكونون هم الخاسرين الأكبر، إلى جانب ذلك هناك الإجهاض التقليدي والذي يتم فيه تناول الأعشاب وبعض العقاقير، وغالباً ما تكون فيه الضحية هي المرأة.

وأوضحت "نحن أمام واقع يمارس فيه الإجهاض بشكل يومي وبطرق مختلفة، ولكنها تظل كلها خارج القانون، وتشكل خطراً على صحة النساء وتعرضهن للموت، لأن تجريم الإجهاض في المغرب يدفع النساء إلى سلك طريق مجهول".

وترى أنه كمؤسسات لابد من اتخاذ اتجاه لحماية النساء وحماية صحتهن، "لابد لنا من التفكير في إخراج قانون إلى حيز الوجود يحدد زمن الإجهاض وتوقيته، ومضاعفاته ومتى يكون، بالصيغة التي ينشدها المدافعون عن حقوق النساء".

ولفتت الانتباه إلى أنه في تونس تم سن قانون أعطى الحق للنساء في إيقاف حملهن بشكل آمن، واليوم هناك بعض المغربيات اللواتي لديهن إمكانيات مالية، للذهاب إلى تونس من أجل إجراء العملية إذا لم يتجاوز حملهن 3 أشهر، لهذا أرى أنه اليوم بات على المغرب سن قانون لتقنين الإجهاض.

وتساءلت "ما الذي سيمنع المغرب من سن ذلك القانون؟ فاليوم التشريع يعمل على مجموعة من التغييرات في القانون الجنائي، وقانون الأسرة، فما المانع من مناقشة موضوع الإجهاض، كما ناقشنا مسألة الإرث، فهما نفس الشيء، ولا يوجد اختلاف بينهما".

وأضافت "السؤال المطروح من الذي يعرقل فتح النقاش العمومي، فعدم إخراج قانون يوضح لنا كيف يقنن الإجهاض، ومن الذي يتحمل المسؤولية الكاملة في إنجاح الايقاف الإرادي للحمل لدى النساء اللواتي اخترن إيقاف الحمل، سيزيد من تأزم الوضع وسيجعل النساء يلجأن دائماً للإجهاض السري، وسيجعلنا أمام مزيد من جرائم قتل النساء، لأن أغلب العمليات تتم في ظروف بعيدة عن السلامة الصحية". 

وطالبت بشرى الشتواني برفع جميع القيود عن الإجهاض الطبي عبر إلغاء جميع أصناف الوصاية على القرار وجعل الخيار الحر والخاص للمرأة، لأنها المعنية الأولى والأخيرة، وحصر شروط الإجهاض الطبي في إرادة الحامل وفي إجرائه تحت إشراف طبيب مختص.

وبدورها قالت الناشطة الحقوقية ابتسام لشكر رئيسة جمعية مالي "الإجهاض غير الآمن قد يؤدي إلى الوفاة أو إلى حدوث مشاكل صحية لدى النساء مثل الالتهاب والألم الدائم والعقم، وكجمعية نحارب الإجهاض السري ونناضل من أجل الإجهاض الآمن القانوني ومن أجل الحق في الإجهاض لجميع النساء، أي أن النساء هن من يقررن".

وترى ابتسام لشكر أن الإجهاض الآمن هو حق من حقوق النساء في الصحة الإنجابية والجنسية، معتبرة أن جسد النساء ليس ملكية عامة.

وأوضحت ابتسام لشكر التي تناضل ضد التمييز على أساس الجنس ومن أجل حرية النساء في التصرف بأجسادهن، بأن الإجهاض حق أساسي، مثل الحقوق الجنسية والإنجابية التي تعد حقوقاً أساسية، لهذا فالحق في الإجهاض هو بنفس درجة أهمية حق النساء في التصرف بأجسادهن، كما دعت الناشطة الحقوقية إلى إلغاء تجريم الإجهاض والكفاح من أجل احترام النساء في التصرف بأجسادهن.