عاملات يعانين في صمت... فهل ينجح المغرب في تمرير اتفاقية دولية تحارب العنف والتحرش في العمل؟

تعاني المرأة المغربية كسائر نساء العالم من أشكال متنوعة من العنف خلال تأديتها لعملها يتراوح بين ما هو لفظي وجسدي وجنسي واقتصادي الذي يبرز من خلال التمييز في الأجور، ما يكبد النساء والفتيات أذى نفسي يؤثر على مردوديتهن في العمل

حنان حارت
المغرب ـ .
 
ضغوطات وتحرشات
تعتبر (أ.ع) البالغة من العمر 28 عاماً، والتي تقطن في مدينة الدار البيضاء التي كانت تعمل سكرتيرة في شركة خاصة للنسيج، واحدة من ضمن آلاف الشابات اللواتي تتعرضن لأشكال متنوعة من العنف في العمل، تقول لوكالتنا أنها عانت كثيراً في مكان عملها السابق، بسبب تعرضها للتحرش وضغوطات نفسية من قبل رب العمل الذي كان يتلفظ بكلمات نابية ويوبخ العاملات لأتفه الأسباب.
تقول (أ.ع) التي فضلت عدم الكشف عن اسمها، "لقد كانت العديد من العاملات يتعرضن للعنف الاقتصادي كالتمييز في الأجور، كما كن يتهامسن فيما بينهن عن تعرضهن للتحرش من قبل المدير"، مشيرةً إلى أنها لم تصدق ما كانت تسمعه إلى أن جاء ذلك اليوم عندما كانت تتواجد لوحدها في المكتب فتقرب منها، وبدأ يتحرش بها ويحاول إمساك يدها.
 
عنف جسدي وجنسي
ولفتت إلى أنها حاولت صده أكثر من مرة لكنه لم يتراجع عن تصرفاته، بل بات دائم التحرش بها، وأصبح يدعوها لمرافقته إلى المقهى، حتى يتسنى لهما معرفة بعضهما البعض، قائلاً لها إن وافقت سترى منه كل ما يعجبها وسيرفع راتبها، "أخبرته أنني لن أجاريه فيما يرغب، وأن ما يهمني هو ممارسة عملي وتقييمي بناءً على كفاءتي وعليه أن يحترمني كعاملة"، مشيرةً إلى أن معاملته بعد ذلك تغيرت معها، وصار صارماً في أوقات الحضور للعمل، حتى وإن كان التأخير مبرراً إدارياً، كما أصبح يكلفها بمزيد من المهام، والتي ليست من ضمن اختصاصها. 
حسب الأرقام الرسمية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، تعود غالبية أفعال العنف في الفضاء المهني والتي تمثل 83%، إلى سلوك التعنيف النفسي بنسبة 49% وإلى التمييز الاقتصادي بنسبة 34%.
وتعتبر (أ.ع) أن ما مورس بحقها من عنف وتحرش جنسي، أثر على نفسيتها خلال تلك الفترة وزاد من توترها وقلقها وشعورها بعدم الأمان وأثر على عطائها المهني، وأفقدها الرغبة في العمل.
 
المطلقات أكثر المتضررات
حسب الأرقام الصادرة عن هيئة الإحصاء السالفة الذكر؛ تتعرض على الأقل 15 بالمئة من العاملات لشكل من أشكال العنف في مكان العمل، كما أن نسبة تعرض المغربيات للعنف في مقرات العمل تزداد حدة لدى النساء المطلقات بنسبة 22%، ولدى الأجيرات بنسبة 21%، وبين النساء في الوسط الحضري بنسبة 18% وبين الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين (15 ـ 34) عاماً 19 بالمئة، فيما أكثر حالات العنف في مقرات العمل ترتكب من قبل المسؤولين بنسبة بلغت 41 بالمئة، ومن قبل زملاء العمل بنسبة 29%. 
تعتبر النساء في المغرب الأكثر تأثراً من تداعيات جائحة كورونا، والتي أبانت عن عمق الهشاشة التي يعشنها في سوق العمل، فقد أوضحت البيانات الرسمية حول الوضعية الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب، خروج مائتي ألف من النساء من سوق العمل في الفصل الثاني خلال عام 2020، وقد حدث ذلك بالتزامن مع تفشي فيروس كورونا، الذي أدى بين منتصف آذار/مارس وأيار/مايو عام 2020، إلى تعثر في الحركة الاقتصادية بالمملكة وتعطل العديد من الأنشطة.
وقد مثلت النساء في النصف الثاني من عام 2020، حسب المندوبية السامية للتخطيط، نسبة 29.7% من مجموع العاطلين في المغرب، حيث بلغ عدد العاطلات 439 ألف امرأة.
وحول فرض السلطات المغربية الحجر الصحي على المواطنين مع بداية الموجة الأولى من جائحة كورونا، وإجبار الدولة المقاولات بالتقليل من عدد المستخدمين والمستخدمات، تقول (أ.ع) "كان أول من تمت التضحية به هن العاملات، تم توقيفنا عن العمل، بعد أن تمت إحالتنا على صندوق الضمان الاجتماعي للاستفادة من التعويض عن فقدان العمل لمدة ستة أشهر وإلى الآن لم أتمكن من إيجاد عمل آخر، كما أني استنفدت جميع مدخراتي، وأعيش وضعاً صعباً حالياً". 
 
اتفاقية من أجل عمل بدون عنف
تنخرط نقابة الاتحاد المغربي للشغل وهي أكبر تمثيلية بالمملكة في الحملة الدولية لمطالبة الحكومة بالتصديق على الاتفاقية 190، من أجل عالم عمل خالٍ من العنف والتحرش. 
تقول عضو لجنة المرأة بالاتحاد المغربي للشغل نجوى لكحيلة، وهي أيضاً عضو كامل العضوية في المكتب التنفيذي للجنة المرأة بمنظمة UNI AFRICA، لوكالتنا "من شأن مصادقة المغرب على هذه الاتفاقية والتوصية التابعة لها، أن يشكل إضافة نوعية ومرحلة متقدمة في مسلسل انخراط المملكة في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، وهو ما سيساهم في خلق بيئة مواتية في أماكن العمل ويوفر الحماية الضرورية للعاملات والعمال والأشخاص الآخرين؛ لتحقيق الأهداف المرجوة".
وأوضحت نجوى لكحيلة أنه كانت هناك وعود من الحكومة السابقة بأنه ستتم المصادقة على الاتفاقية لكن لم يتم ذلك، ودعت الحكومة الجديدة والبرلمان للإسراع بالمصادقة على الاتفاقية 190 والتوصية رقم 206 التابعة لها. 
كما اعتبرت أن ظاهرة العنف والتحرش في العمل، تنعكس سلباً على المبادرات الرامية لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتثبيت أسس الاستقرار والسلم الاجتماعي. 
 
فرصة لوضع حد للانتهاكات
وأشارت إلى أن المصادقة على الاتفاقية ستشكل فرصة كبيرة، لوضع حدٍ للانتهاكات الجارية في أماكن العمل، مبينةً أن اتفاقية 190 تقدم حلولاً ناجعة لمعالجة ظاهرة العنف والتحرش في فضاء العمل فضلاً عن توفير سبل الحماية والانصاف.
وترى نجوى لكحيلة أن العنف ليس فقط هو ذلك العنف الجسدي واللفظي والتحرش، بل أيضاً عندما لا يتقيد صاحب العمل بتدابير السلامة بأماكن العمل وتوقفه عن أداء أجور العمال أو تأخير صرفها، والتفاوت بين الأجور بين الجنسين، إضافةً إلى بعض الممارسات التي تطال النساء في العمل، والتي تؤثر على مسارهن المهني، من خلال حصرهن في وظائف معينة وعدم ترقيتهن رغم أقدميتهن وإظهارهن لكفاءات عالية في العمل، كل ذلك، يعد تحرشاً وعنفاً يمارس في حق العاملات بفضاءات العمل.
 
طريق النضال طويل
ولفتت إلى أن طريق طويل من النضال ينتظر النساء، لأن مناهضة العنف والتحرش بفضاءات العمل، الذي يعد شكلاً من أشكال التمييز، يتطلب عملاً متواصلاً وقوانين شاملة، وهو ما توفره اتفاقية 190 التي تنص على ضرورة ضمان الحماية على النحو المحدد في القوانين والممارسات الوطنية، مشيرةً إلى أن الاتفاقية تشمل كل الذين يعملون بصفة عامة، بغض النظر عن أوضاعهم التعاقدية، والأشخاص تحت التدريب في العمل، من عمال وعاملات ممن أنهيت خدماتهم والمتطوعين/ات والباحثين/ات عن عمل، والمتقدمين/ات إلى وظائف.
وعن الحلول التي تراها نجوى لكحيلة قادرة على تحسين علاقات العمل، تقول "يجب بسط الحماية القانونية والنقابية للعمال والعاملات خاصة بالقطاع الخاص، وتنظيم عمليات تفتيش دورية على المصانع للتأكد من سلامة بيئة العمل، وتدريب مفتشي العمل على التعامل مع قضايا العنف الجنسي داخل أماكن العمل، وإصدار قانون أكثر كفاءة وفاعلية للحماية من العنف الجنسي في العمل، وتنظيم دورات تدريبية لرفع وعي العاملات بأساليب الحماية من الانتهاكات الجنسية".
وأوضحت في ختام حديثها أن "التعرض للعنف في العمل يشمل النساء والرجال على حد سواء، إلا أن آثاره تكون أكثر قسوة على النساء، كما أنه يعزز النظرة النمطية لقدراتهن وتطلعاتهن في العمل، ويشكل عاملاً أساسياً في الحد من فرص العمل المتاحة لهن وفي التوجه نحو خيارات محدودة من الأعمال، وفي حصولهن على أجور أقل من الرجال".