عاماً من الانتهاكات في عفرين وسط استمرار الهجمات على المهجرين

بحسب منظمة حقوق الإنسان في عفرين بشمال وشرق سوريا، فإن المئات من المدنيين بينهم نساء وأطفال، تعرضوا للتعذيب وضروب من المعاملة السيئة من قبل الاحتلال التركي ومرتزقته خلال عام 2021

روبارين بكر
الشهباء ـ .
يستمر سيناريو الانتهاكات التركية في مقاطعة عفرين بشمال وشرق سوريا منذ احتلاها من قتل، خطف، اغتصاب، تعدي على الطبيعة، فرض الإتاوات المالية وممارسة التغيير الديمغرافي فيها يوماً بعد الآخر أمام مرأى جميع المنظمات الحقوقية والإنسانية، بالإضافة إلى تعرض القاطنين في مقاطعة الشهباء بشكل يومي لسلسلة من الانتهاكات والهجمات والتهديدات التركية.
شن جيش الاحتلال التركي ومرتزقته على مرأى ومسمع العالم أجمع في الـ 20 من كانون الثاني/يناير عام 2018 أعنف هجوم على مقاطعة عفرين مستخدمةً كافة الأسلحة الثقيلة وعشرات الطائرات الحربية ضد المدنيين، لتحتل المنطقة بعد مقاومة الأهالي لـ 58 يوماً.
أهالي عفرين الذين لم يتمكنوا من النزوح صوب الشهباء كان نصيبهم بأن يتعرضوا لأشد أنواع التعذيب وخاصةً خلال عام 2021، فالاحتلال التركي مارس كافة أساليب الانتهاكات بحق السكان الأصليين في عفرين بهدف تهجيرهم، ومن جهةً أخرى فرض النظام السوري حصاراً خانقاً على مهجري عفرين في الشهباء، وقد وثقت منظمة حقوق الإنسان عفرين ـ سوريا حصيلة الانتهاكات لعام 2021.
 
فقدان 49 مدني بينهم 13 امرأة، اختطاف 655 بينهم 75 امرأة 
أوضحت عضوة منظمة حقوق الإنسان عفرين ـ سوريا في شمال شرق سوريا نائلة محمود لوكالتنا أنه لم يبقى شيء في عفرين إلا وتعرض للانتهاك "منذ بداية احتلال تركيا لمقاطعة عفرين يرتكب فيها أبشع الجرائم والانتهاكات اللاإنسانية ابتداءً بحق المدنيين وصولاً إلى الطبيعة وهدم الحضارة العريقة فيها، فتلك الانتهاكات من عمليات الخطف وممارسة التغيير الديمغرافي الممنهج لتهجير السكان الأصليين من المنطقة، ما زالت مستمرة إلى يومنا الراهن"، مشيرةً إلى أن ظاهرة الزواج القسري في عفرين بات خطراً يهدد حياة الفتيات القاصرات، "المرتزقة التابعة للاحتلال التركي يقومون بالزواج من الفتيات القاصرات تحت الضغط وتهديد عوائلهم".
ونوهت إلى أن "ما نشهده الآن يثبت بأن هدفها من احتلال عفرين كان بغية تدمير الحضارة الثقافية والإنسانية، وطمس الهوية الكردية، فلم يعد هناك أي أمن وسلام في منطقة عفرين بعد الاحتلال، لقد أصبح العيش فيها يشكل خطراً على حياة كل مواطن وخاصةً النساء منهم".
سياسة الاحتلال التركي الممنهجة في المناطق التي احتلتها باتت واضحة للعالم كما أوضحت نائلة محمود "إن ما حصل في عفرين وما يحصل الآن استهداف ممنهج مدروس له مسبقاً. كانت تركيا تدعي بأنها ستأمن الأمان والاستقرار للمواطنين في عفرين ولكن حصيلة الانتهاكات الحاصلة في عفرين قد تجاوزت الآلاف من الانتهاكات ضد الأهالي وخاصةً ضد المرأة التي تعرضت بشكل يومي للقتل، خطف، ابتزاز، تحرش جنسي واغتصاب في أماكن الاحتجاز".
وأوضحت أن الاعتقال القسري والخطف يمثل أحد أكثر الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال التركي ومرتزقته بحق المدنيين، وعن حصيلة الانتهاكات التي وثقتها منظمة حقوق الإنسان عفرين ـ سوريا خلال عام 2021 لفتت نائلة محمود إلى أن "حصيلة الانتهاكات التي سجلتها المنظمة خلال عام 2021 تجاوزت حصيلة الانتهاكات التي سجلتها في الأعوام السابقة، وبالرغم مما وثقناه إلا أن كل ما يحصل في عفرين ليس بموضع اليد، فبحسب ما وثقناه خلال هذا العام راح حوالي 49 شخصاً ضحية جرائم القتل بينهم 13 امرأة و13 طفل، فيما تعرض حوالي 655 شخصاً للاختطاف من بينهم 75 امرأة بينهن 5 قاصرات وطفلة رضيعة".
 
 
تهجير قسري وتغيير ديمغرافي... تركيا تنتهك القوانين الدولية
وحول القضاء على البيئة في عفرين أوضحت "تتبع تركيا ممارسات ممنهجة في القضاء على البيئة والآثار في عفرين التي تتميز بتضاريسها المتنوعة التي تندرج بين الطبيعة الجبلية والسهلية، إلى جانب ما لها من مكانة تاريخية حيث شهدت تعاقب عدد من الحضارات المتلاحقة التي تركت آثاراً شاهدة على أصالتها، لذا قامت مرتزقتها بقطع أشجار الزيتون، السرو، الفاكهة، وغيرها من الاشجار، كما أنهم أحرقوا غاباتها".
وبحسب ما وثقته منظمة حقوق الإنسان عفرين ـ سوريا فإن تركيا قامت خلال عام 2021 بقطع 16500 شجرة، وحرق أكثر من 5000 شجرة، والاستيلاء على أكثر من 11000 شجرة وحرق عشرات الهكتارات من الأراضي، وتدمير وسرقة 20 موقع أثري.
وأكدت نائلة محمود بأن تركيا تمارس كافة الأساليب والوسائل لتطبيق التغيير الديمغرافي الكلي في عفرين "تسعى تركيا عبر ممارسة التغيير الديمغرافي الكامل لمنطقة عفرين لضمها إلى أراضيها، لقد قامت بفرض اللغة التركية في المدارس بعفرين وتغيير أسماء القرى والشوارع أيضاً بالإضافة إلى فرض التعامل بالليرة التركية بدلاً من السورية".
بالإضافة إلى ذلك وثقت المنظمة قيام جمعيات خليجية وتركية كـ "الأيادي البيضاء، الشام الخيرية، الإحسان للتنمية، التطوير والرحمة الكويتية والعيش بالكرامة، الهلال الأحمر القطري" بإنشاء العشرات من المستوطنات وبإشراف من السلطات التركية والفصائل الموالية لها خلال عام 2021، كما أوضحت نائلة محمود.
وتسعى تركيا منذ بداية احتلالها لعفرين إلى تغيير هوية عفرين ومعالمها وصبغها بالهوية التركية عبر تغيير أسماء الشوارع والميادين والمرافق العامة، المستشفيات ورفع العلم التركي فوق المدارس، وأطلق على ساحة آزادي اسم ساحة أتاتورك، فيما تم تغيير اسم دوار نوروز إلى صلاح الدين، والدوار الوطني إلى دوار 18 آذار، أما دوار كاوا الحداد أطلق عليه اسم دوار غصن الزيتون، وفي إطار تغيير أسماء القرى غيرت اسم قرية قسطل مقداد إلى سلجوق أوباسي، وقرية كوتانا إلى ظافر أوباسي، وكرزيله إلى جعفر أوباسي، وفق ما سجلته منظمة حقوق الإنسان عفرين ـ سوريا. 
 
المرأة أكثر تعرضاً للانتهاكات خاصةً في أماكن الاحتجاز
تقول نائلة محمود بأن تركيا تحاول تهجير السكان الأصليين الذين ما يزالون يقطنون المنطقة بشكل كامل "الانتهاكات التي تمارسها تركيا في عفرين عن طريق المرتزقة يبرهن بأنها تسعى إلى إفراغ عفرين من سكانها الأصليين"، مشيرةً إلى أن معظم الانتهاكات ترتكب بحق النساء "لأن المرأة العفرينية قبل احتلال المنطقة أثبتت مكانتها في المجتمع ووقفت في وجه المخططات التركية لذا يتم استهدافها بشكل خاص في المنطقة".
وتابعت "نحن كمنظمة حقوقية خلال لقائنا مع العوائل الوافدة من عفرين إلى مقاطعة الشهباء قد حصلنا على العديد من التوثيقات حول ممارسات تركيا في عفرين بحق المرأة وخاصةً في أماكن الاحتجاز، فقد تعرضت النساء في أماكن الاحتجاز للاغتصاب والقتل والتحرش الجنسي دون أن يتم الحفاظ على حقوقهن، وبأن عفرين أصبح سجناً مظلماً يعيش ضمنه أهالي عفرين"، لافتةً إلى أنه لم يتغير شيء منذ اليوم الأول من احتلال تركيا لعفرين سوى ازدياد عدد الجرائم المرتكبة.
وشددت على أن الفصائل الموالية للدولة التركية تخالف القوانين والمواثيق الدولية "المرتزقة في عفرين غير مدركين للقوانين والمواثيق الدولية فهم يخالفون القوانين الحقوقية والإنسانية دون أن يتم محاسبتهم، كما أن وضع المرأة في عفرين مأساوي جداً وهي غير قادرة على التمتع بحقوقها وحريتها وإثبات إرادتها على أرضها، فهي تتعرض للعنف في كل دقيقة وغير قادرة على الخروج من منزلها، وهي معرضة للخوف والاعتقال، فأمام هذا السبب يجعل تهجير السكان من عفرين يزداد يوماً بعد يوم".
ودعت نائلة محمود جميع المنظمات الحقوقية والإنسانية والجهات المعنية بـ "البحث والنظر في الوضع الراهن في عفرين خاصةً أوضاع المرأة بالإضافة إلى دخول لجان تقصي الحقائق لمشاهدة الانتهاكات الحاصلة هناك والبحث عن مصير هؤلاء النساء اللواتي ما يزال مصيرهن مجهولاً منذ بداية الاحتلال حتى يومنا هذا".
وطالبت الجهات المعنية بمحاسبة تركيا على جرائمها "نطالب الجهات المعنية بالتأكيد من صحة الانتهاكات والحقائق التي تحصل في عفرين، بالإضافة إلى صحة التقارير الصادرة التي وجهناها إلى الجهات المعنية بحق هؤلاء المرتزقة، وأن يتم محاسبتهم على جرائمهم وأفعالهم اللاأخلاقية في عفرين فتركيا غير آبه بالمواثيق الدولية التي تمنح الإنسان حقوقه بصفتها دولة محتلة".
 
حتى بعد تهجيرهم قسراً لم تتوقف الانتهاكات بحقهم
حيال الهجمات التركية وتهديداتها على مناطق الشهباء وشيراوا أكدت الرئيسة المشتركة في مجلس ناحية تل رفعت زينب سليمان بأنه "بعد أن احتلت تركيا المقاطعة تم تهجير الأهالي قسراً إلى مقاطعة الشهباء وناحية تل رفعت، منذ بداية تهجيرنا وإلى الآن التهديدات التركية ما تزال مستمرة بحقنا، ولم تكتفي بتهجيرنا قسراً من عفرين بل تسعى إلى تهجيرنا مرة أخرى من مقاطعة الشهباء وذلك عبر هجماتها وقصفها المستمر على المدنيين، وارتكابها مجازر بحق المدنيين في ناحية تل رفعت، إضافةً الى ذلك تسبب القصف التركي بأضرار مادية بممتلكات المواطنين".
ونوهت زينب سليمان إلى أن مقاطعة الشهباء تعرضت للآلاف من القذائف "إن عام 2021 كان من أشد الأعوام صعوبة يمضي على مهجري عفرين خاصةً في ظل التهديدات التركية المستمرة على مناطق شمال وشرق سوريا وعلى وجه الخصوص مناطق الشهباء وشيراوا، فقد وقعت الآلاف من القذائف على القرى الحدودية ما بين مناطق سيطرة الاحتلال التركي والمرتزقة التابعة لها ومناطق الشهباء، وتسبب القصف بفقدان 4 أشخاص لحياتهم في تل رفعت، من بينهم امرأة وطفلين، القذائف التركية لا تميز بين الكردي والعربي، وفي ناحية شيراوا تسبب القصف باستشهاد طفلة وجرح العديد من المدنيين وأكثرهم من الأطفال".
في الثالث والعشرين من كانون الثاني/يناير عام 2021، قصف منطقة تل رفعت من قبل مرتزقة الاحتلال التركي وراح ضحيتها 4 مدنيين وهم نازلية محمد مصطفى من مهجري عفرين، ماجد ياسر سكران البالغ من العمر (5) أعوام، عبد المحسن سكران (12) عاماً، سعد الدين القيس (31) عاماً وهم من سكان تل رفعت، وفي الثالث من حزيران/يونيو الماضي تسبب القصف التركي باستشهاد الطفلة زينب حسين إبراهيم البالغة من العمر 14 عاماً وهي من قرية كلويته.
 
 
في ظل التهديدات التركية حصار يفرضه النظام السوري
وحشية النظام السوري لم تختلف عن الاحتلال التركي لمحاربة النازحين في الشهباء كما أوضحت زينب سليمان "المهجرين في الشهباء وخاصةً المسنين منهم يعانون من ضغط نفسي بسبب القصف التركي، بالإضافة إلى ممارسة النظام السوري أيضاً كافة الأساليب الوحشية ضد المهجرين عبر فرض حصار خانق على المنطقة التي تقطنها آلاف المهجرين، وقد قامت الحكومة السورية خلال عام 2021 بتشديد حصارها ولم تسمح بتمرير المواد الصحية والغذائية إلى المنطقة"، وعلى ذلك فقد 3 أطفال حياتهم في تموز/يوليو الماضي، بسبب الحصار الذي يفرضه النظام السوري وعدم السماح بدخول الأدوية للمنطقة.
وتضيف "بالرغم من الهجمات والقصف الذي يتعرض له المهجرين في الشهباء والمنشورات التي رمتها الطائرات المسيرة التابعة لتركيا على ناحية تل رفعت، فالأهالي على يقين بأن تركيا تهدف إلى زرع الخوف والرعب في نفوسهم وممارسة الحرب الخاصة ضدهم، ويدركون أنه يسعى لتهجيرهم من الشهباء كما حصل في عفرين، وقد تعرفوا على سياسات تركيا ومخططاتها لذا يقاومون بكافة الوسائل أمام تلك المخططات والسياسات من أجل البقاء في الشهباء للعودة إلى عفرين".
 
أكثر من 60 عائلة توافدت من عفرين وغيرها من المناطق إلى تل رفعت
وأكدت زينب سليمان على أن ناحية تل رفعت كانت خلال عام 2021 ملجئ الأمن والاستقرار للعديد من العوائل الوافدة من عفرين وغيرها "بالرغم من الهجمات والصعوبات التي تتعرض لها مقاطعة الشهباء فهي في هذا العام كانت ملجأً آمناً للعديد من العوائل الوافدة من عفرين ولبنان وتركيا، فقد استقبلت ناحية تل رفعت أكثر من 60 عائلة من تلك المناطق".
وأشارت إلى أن تركيا عندما تعاني من أزمة اقتصادية داخلية فهي تلجأ إلى شن الهجمات والتهديدات على مناطق شمال وشرق سوريا في محاولةٍ منها وضع حل لمشاكلها وأزماتها الداخلية، لافتةً إلى أن الغاية الرئيسية لتركيا "إبادة الشعب الكردي وإمحاء وجودهم، ولكن نحن الشعب السوري لا فرق بيننا، نحن نسعى إلى التعايش المشترك بين المكونات على أساس أخوة الشعوب، غاية الدول المتدخلة في الشأن السوري تمديد الأزمة لتحقيق مصالحهم ومكتسباتهم".
وفي ختام حديثها طالبت الرئيسة المشتركة لمجلس ناحية تل رفعت زينب سليمان من كافة المنظمات الحقوقية والإنسانية محاسبة الاحتلال التركي على الجرائم التي ارتكبتها في عفرين وغيرها من المناطق، والعمل على إعادة المهجرين لديارهم.