الزواج التقليدي... حين تُسلب الفتاة حقّها باسم "النصيب"

في الوقت الذي تشهد فيه بعض المجتمعات تحوّلات في التفكير تجاه حقوق المرأة وحرية الاختيار، لا تزال نساء وفتيات كثيرات في ريف مقاطعة دير الزور تواجهن واقعاً مختلفًا تماماً؛ واقعاً تحكمه العادات، وتقيده التقاليد.

زينب خليف

دير الزور ـ رغم تغير الزمن وتقدّم الوعي المجتمعي في بعض المناطق، لا تزال ممارسة الزواج التقليدي بكل أشكاله من زواج القاصرات إلى البدلة والدية والحيار تشكل واقعاً ضاغطاً في ريف مقاطعة دير الزور بإقليم شمال وشرق سوريا، حيث يتم تزويج الفتيات غالباً دون الرجوع لرأيهن، وأحياناً يُمنَعن من الزواج إذا أصر أحد أقاربهن على الاحتفاظ بهن لنفسه، تحت مسمى الحيار.

حين يُصبح النصيب قيداً، وتختزل الفتاة في صفقة يولد زواج بلا رغبة، وطفولة بلا ملامح، وفي مقاطعة دير الزور بإقليم شمال وشرق سوريا ورغم حملات التوعية لا تزال الفتيات تُزوّجن بالصمت ويُطلّقن بالصمت ويُنسين بالصمت.

هنا، لا يُقاس الزواج بالحب أو القبول أو التفاهم، بل يُقرَّر غالباً في مجالس الرجال، وتُعلَن الزيجات أحياناً كبنود في صفقات البدلة، أو الدية، أو حتى كجزء من الحيار، حيث تُمنَع الفتاة من الزواج انتظاراً لقرار قريبها، وكأنها ملكية مؤجلة في كثير من البيوت، يُتخذ قرار الزواج باسم النصيب، لا بناءً على الحب أو التوافق.

الذهنية الذكورية ترسخت أكثر جراء السياسة المتعمدة التي مارستها الأنظمة التي حكمت سوريا منذ زمن الاحتلال الفرنسي ثم الحكومات التي انقلبت على بعضها خلال سنوات قليلة، ومنذ عام 1956 تم تهميش نساء العشائر في سوريا بأن خُصص لهم قانون يتركهم على هواهم، وطبعاً المرأة هي الحلقة الأضعف، فتركت بلا تعليم وضحية للعادات والتقاليد البالية.

هذا التهميش المتعمد الذي طال عشائر المنطقة لسنوات استغله داعش أحسن استغلال، وربما قبل سنوات الحرب العجاف التي عاشتها سوريا استطاعت العديد من الشابات انقاذ أنفسهن من الزواج المبكر بالتوجه إلى التعليم، ورفع سن الزواج لما بعد الـ 20 عاماً، ولكن مع سيطرة الإرهاب داعش قبل أعوام على المنطقة فرضت العقلية المتطرفة  تحت مسمى غطاء الدين على العوائل مما عمق من تأثير العادات والتقاليد البالية في المجتمع.

ورغم إصدار قانون المرأة من قبل الإدارة الذاتية الديمقراطية ورفع سن الزواج والعقوبة المترتبة على ذلك إلى جانب الحملات التظيمية والتوعية التي تقوم بها تجمع نساء زنوبيا للحد من هذه الممارسات لا يتجاوب مجتمع دير الزور بالقدر الكافي، والعائلات والفتيات حتى إن أردن التغيير تتعرضن لضغوط مجتمعية كبيرة وربما النبذ.

وتقول صبحة الحمد، إحدى نساء مقاطعة دير الزور، واصفةً واقعاً مأساوياً "الفتاة ليس لها رأي، فإذا قيل آن نصيبها ينتهي الأمر وعليها الزواج، ولا أحد يسألها ما تريد وما لا تريد، تتحمل، وتُصبر، وعندما تبدأ المشاكل، يقولوا لها اصبري، هذه قسمتك".

تروي صبحة الحمد قصصاً لفتيات أُجبرن على الزواج من أقرباء دون موافقتهن، أو دخلن في زيجات تبادلية تُعرف بـ "البدلة"، حيث تُزوَّج فتاة مقابل فتاة، وكأن الزواج صفقة لا علاقة لها بمشاعر الإنسان وحقوقه.

 

زواج "البدلة" حين يصبح الزواج مقايضة على حساب الفتيات

أحد أكثر أشكال الزواج تقليديةً وخطورةً هو زواج البدلة، حيث تُزوّج فتاة مقابل أخرى، وغالباً ما تُربط مصائرهن ببعض، فإذا انهار أحد الزواجين، يُجبَر الآخر على الانهيار أيضاً.

"أعطيتك ابنتي، لآخذ ابنتك أو أختك لابني، وإذا لم تمشي الأمور كما نريد نعيد لكم ابنتكم"، هذه الصفقة ببساطة كما تقول صبحة الحمد وتتساءل "لماذا نظلم بناتنا".

واعتبرت أن هذه الممارسات تُجرِّد الفتاة من إنسانيتها وتختزلها في أداة تبادل بين عائلتين وتجبر الفتاة على السكوت خوفاً من كلام الناس، أي أن الفتاة غالباً ما تُجبَر على الزواج خوفاً من الإحراج الاجتماعي أو القيل والقال.

 

زواج القاصرات طفولة منتهكة باسم العادات

تحدثت عن هذه الممارسة المترسخة في المجتمع الإدارية في لجنة الصلح بتجمع نساء زنوبيا حياه الأحمد، وكذلك عن الحلول التي يقدمها التجمع من أجل التقليل منها قدر المستطاع.

وأوضحت أن "الفتاة تكون صغيرة لا تعرف التعامل مع الحياة الزوجية ولا تعرف حقوقها، وكثير من الفتيات تعدن إلى عائلاتهن منهارات، ضائعات، أو مطلقات". لافتةً إلى أن وفق زواج البدل إن طلقت واحدة تطلق الثانية حتى إن كانت سعيدة بزواجها فيقول الرجل "اختي طلقت فلماذا ابنتكم ما تزال عندي... وكأن الفتيات صفقات ولسن بشراً".

 

زواج قاصرات بكبار في السن

وأشارت إلى القصص الكثيرة المنتشرة في المنطقة عن زواج قاصرات بكبار في السن "طفلة عمرها 14 أو 15 سنة، يزوجوها برجل عمره 60 أو 70 سنة. الفتاة صغيرة تعتقد أنها لعبة وستلبس فستان أبيض وتفرح، ولا تعرف أنها ستبدأ حياة كاملة من المعاناة".

وقالت "هنا، لا يوجد تكافؤ بأي شكل من الأشكال. الفتاة القاصرة لا تعرف معنى الزواج، وتُنتَزع من عالمها الطفولي لتُلقى في حياة لا تفهمها ولا تملك خيار رفضها رغم صعوبة الواقع".

وأكدت أن حملات التوعية بدأت تُحدث فرقاً ملموساً "عملنا على التوعية، وتحدثنا كثيراً عن مخاطر زواج القاصرات. الحالات بدأت تقل، فلم تعد تردنا نفس القضايا مثل قبل لا زواج بدلة، ولا زواج قاصرات".

 

تضافر القوانين والتوعية  

يقود تجمع نساء زنوبيا اليوم مبادرات تهدف إلى رفع وعي النساء والمجتمع ككل تجاه قضايا الزواج القسري، والتمييز، والتهميش، ويتم ذلك من خلال حملات، تقارير، أنشطة ميدانية، وحوارات مفتوحة مع الأهالي، تُسهم في إعادة تشكيل التفكير تجاه زواج القاصرات، ورفض الصمت باسم العادات. بحسب ما أكدته الإدارية في لجنة الصلح بتجمع نساء زنوبيا حياه الأحمد.

الزواج ليس صفقة وليس ستراً يُفرض بالقوة، هو شراكة تُبنى بالاحترام والاختيار الحر وهذا هو الصوت الذي يسعى تجمع نساء زنوبيا لإيصاله صوت الحياة، لا الصمت.