اليوم العالمي للقضاء على العنف فرصة لنصرة المرأة

يتسبب العنف ضد النساء والفتيات بالإخلال بالسلام والاستقرار الأسري والمجتمعي كما يخلف تكاليف لا نهاية لها تتكبدها المجتمعات، وجاء يوم 25 تشرين الثاني/نوفمبر فرصة لنصرة المرأة ووضع حد لهذه الممارسات.

مركز الأخبار ـ العنف ضد المرأة هو واحد من أكثر أشكال الانتهاكات الممارسة ضد الإنسان انتشاراً، إلا أنه لا يزال إلى حد كبير مجهولاً نظراً لما يحيط به من صمت وإفلات من العقاب ووصمة عار.

الاخوات ميرابال وشرارة التعريف

في 17 كانون الأول/ديسمبر 1999 اختارت الجمعية العامة للأمم المتحدة 25 تشرين الثاني/نوفمبر يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة في جميع أنحاء العالم، واختير هذا اليوم بالتحديد تزامناً مع اليوم الذي قتلت فيه الشقيقات الثلاث عام 1960 وهنَّ باتريا وماريا مينيرفا وماريا تيريزا من دومينيكا الجزيرة الصغيرة في البحر الكاريبي، على يد الرئيس رافائيل تروخيو الديكتاتوري.

نشأت الفتيات الثلاث في أسرة ريفية متأثرات بآراء عمهن الذي انخرط بالعمل السياسي المعارض لنظام الرئيس تروخيو، حيث أن ماريا منيرفا أول من التحق بالعمل السياسي كونها تمتعت بقدر كبير من الثقافة والوعي واطلعت على حقوق الإنسان من خلال دراستها للقانون في جامعة سانتو دومينغو.

أما ماريا تيريزا الأخت الصغرى كان عمرها 25 عاماً عندما قتلت، وهي مثقفة أيضاً درست الهندسة الزراعية في ذات الجامعة التي درست فيها شقيقتها ماريا منيرفا، وتعرضت للسجن مرتين معها في عام 1960 وكانت تعتبرها مثلها الأعلى بحسب ما كتبت في مذكراتها، بينما باتريا الأخت الكبرى احتضنت حركة 14 حزيران/يونيو المناهضة لحكم تروخيو، وانضمت مع ابنائها وزوجها للحركة.  

إحدى الروايات تقول أن ماريا مينيرفا تعرضت للتحرش من قبل تروخيو أثناء حضورها حفل في قصره وقامت بإهانته أمام الحاضرين ومغادرة الحفل مع أسرتها وهو ما دفعه للانتقام منها بمنعها من الحصول على رخصة للعمل كمحامية واحتجز والدها وطالبها بالاعتذار لإخلاء سبيله. 

بعد تلك الحادثة بدأن نشاطهن السياسي المناهض للديكتاتور وذلك بتشكيل حركة باسم "14يونيو"، ضمت عدداً من المعارضين، لكن المخابرات علمت بهذه الحركة واعتقلتهن مع أزواجهن، وأثناء احتجازهن تعرضن للتعذيب، ثم أفرج عنهن بعد إرسال مراقبين من قبل منظمات حقوقية أمريكية ولكن لم يتم الافراج عن أزواجهن.  

بعد أن أفرج عن الأخوات الثلاثة أرسل تروخيو رجلين لاغتيالهن في 25 تشرين الثاني/نوفمبر 1960، ونجحا في ذلك الأمر الذي دفع الشعب إلى الانتفاض في وجه ديكتاتورية تروخيو وتم قتله من قبل مجهولين رمياً بالرصاص في 30 أيار/مايو 1961، القصة لم تنتهي بموتهن أو قتل المجرم بل قامت شقيقتهن الرابعة ديدي في عام 2009 بنشر كتاب بعنوان "يعيشون في حديقتي"، يوثق نضال الأخوات الثلاثة.

وحددت ناشطات من منظمة لقاءات "Encounters"، النسائية بأمريكا اللاتينية ومنظمة الكاريبي في عام 1981، تاريخ اغتيال الشقيقات كيوم عالمي لمكافحة العنف ضد المرأة، وفي عام 1999 تبنت الأمم المتحدة التاريخ وأصبح "اليوم عالمي لمناهضة العنف ضد المرأة".

 حملة الـ 16 يوم

انطلاقاً من فكرة أن يوم واحد لا يكفي لمناهضة العنف الممارس ضد المرأة أنشأ معهد القيادة العالمية للمرأة في عام 1991 فكرة حملة الـ 16 يوم بهدف زيادة الوعي لدى المجتمعات وتغيير المفاهيم المرتبطة بتعنيف المرأة، وكسر القوالب النمطية التي تنظر إلى التعنيف كحق للرجل، تبدأ الحملة من 25 تشرين الثاني/نوفمبر وتستمر حتى اليوم العالمي لحقوق الإنسان والذي يصادف العاشر من كانون الأول/ديسمبر. 

وفي كل عام تشارك في الحملة آلاف المنظمات العالمية ففي عام 2020 أطلقت المنظمات الحقوقية النسوية حملاتها قبل شهر من اليوم العالمي لمناهضة العنف حمل العام شعار "تحويل العالم إلى برتقالي: موّلوا، واستجيبوا، وامنعوا، واجمعوا"، وكانت المؤسسات النسوية في شمال وشرق سوريا سبّاقة في ذلك، ولم يغب موضوع العنف ضد المرأة بعد التداعيات التي سببها الحجر الصحي المفروض في مختلف انحاء العالم للسيطرة على وباء كورونا كوفيدـ19 وأبرز هذه التداعيات ارتفاع معدلات العنف ضد المرأة والذي أطلقت عليه الأمم المتحدة اسم "الجائحة الخفية".

حملة 16 يوماً لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي عام 2021 حملت شعار "لننه العنف ضد النساء والفتيات الآن"، إلى جانب مواجهة التأثيرات غير مسبوقة لجائحة كورونا على حياة النساء والفتيات وكذلك الزيادة المقلقة لجميع أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، عالجت الحملة العنف في التعددية وتعقيد مظاهره ونوهت للحاجة الملحة لاتخاذ تدابير لوضع حد له.

وركزت حملة "هي تتصفح الحرية"، لعام 2022 على التجارب الحياتية وتقديم التعليم والمعلومات واستكشاف البحث الأكاديمي وتشارك بالمواد المفيدة، حيث تم استكشاف الواقع بالنسبة لفتيات أثناء الاتصال بالإنترنت وبالتالي الوصول إلى حلول تجعلنا أقرب لحياة رقيمة آمنة للجميع خالية من التحرش والعنف.

وفي إطار الشعار العالمي الذي حددته حملة الأمم المتحدة لهذا العام "اتحدوا! استثمروا لمنع العنف ضد النساء والفتيات"، قامت منصة الفعاليات المشتركة للحركات والتنظيمات النسائية في شمال وشرق سوريا بالإعلان عن حملتها تحت شعار "ضد كافة أشكال العنف والاحتلال... Jin Jiyan Azadî"، وأقيمت العديد من الفعاليات في مختلف المناطق شملت نشاطات فنية وتوعوية.

كما نظم المجلس القومي للمرأة بمصر اجتماعاً لدعم المساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين ووصول المرأة إلى المواقع القيادية في القطاع العام ضمن إطار حملة الـ 16 يوم، واستهدف الإعلان الدليل التدريبي الذي أعده المجلس حول وصول المرأة للمناصب القيادية ومناقشة مقترح عقد نشاط بكل دولة تحت عنوان "العنف ضد المرأة العاملة وحرمانها من الترقي".

ونفذت جمعية أصوات نساء في تونس وقفة احتجاجية أمام وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن تنديداً بما اعتبرته "فشلاً في سياسيات الوزارة لمناهضة العنف الاقتصادي المسلط على النساء والفتيات"، كما أعلنت الجمعية عن تأسيس "حراك ثائرات ضد سياسيات التهميش والاقتصاد" مؤلف من 200 عاملة في القطاع الفلاحي لتعزيز حقوق النساء في هذا القطاع.

وستنظم عشرات الفعاليات في مهرجان سينمائي في رواندا وحوار للشابات في سريلانكا بالإضافة لعرض مجموعة من الأفلام في مصر والمغرب، كما ستضاء بعض المعالم حول العالم باللون البرتقالي كما هو الحال في السنوات السابقة، مثل مبنى الأمم المتحدة في داكار بسنغال وبرج "تلفزيون تبليسي" في جورجيا وغيرها من المباني الشهيرة في السويد وباكستان.

اتفاقيات مناهضة للعنف والتمييز ضد المرأة

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمد عام 1948 انبثق عنه اتفاقيات دولية شكلت حجر الأساس في مكافحة ووضع حد للعنف ضد المرأة وتعزيز قيم المساواة في الحقوق مع نظيرها الرجل، وأبرز هذه الاتفاقيات:

1ـ الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة

أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1993، الإعلان العالمي للقضاء على جميع أشكال العنف ضد، وأشار الإعلان إلى ضمان حق المرأة في الحياة والمساواة والحرية في القانون وعدم تعرضها للتمييز المبني على النوع الاجتماعي "الجندر"، وحمايتها من التعنيف. كما طالب جميع الدول بإدانة العنف الممارس ضد المرأة، وصوغ قوانين لحمايتها بغض النظر عن القيود المجتمعية أو الدينية.

2ـ اتفاقية منع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي

اهتمت دول الاتحاد الأوربي من خلال صياغة اتفاقية ضد العنف المنزلي لحمايتهن من أقرب الناس إليهن،  لمحاربة العنف الممارس ضد المرأة بشكل عام وبشكل خاص الممارس من قبل الأسرة، وتهدف الاتفاقية إلى ضمان استفادة جميع النساء من القوانين المناهضة للعنف بعد صدور تقارير تكشف أرقام صادمة لمستوى العنف المنزلي في أوروبا، وجاءت في صيغتها النهائية عام 2010 بعد اطلاع منظمة العفو الدولية عليها، واعتمدتها لجنة الوزراء بالمجلس الأوروبي في السابع من نيسان/أبريل 2011 وفتحت باب التوقيع عليها، ودخلت حيز التنفيذ بعد مصادقة 10 دول. 

 3ـ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو"

يندرج التمييز بين الرجل والمرأة في خانة التعنيف ويأخذ أشكالاً عديدة كـ التمييز الاقتصادي وذلك من خلال التفاوت في الأجور ما بين العاملين الرجال ونظرائهم من النساء، وكذلك التمييز الاجتماعي على أساس الجنس وفي القوانين وغيرها، ما دعا إلى صوغ اتفاقية تحمي المرأة من هذه الظواهر المترسخة في المجتمعات.

الاتفاقية اعتمدت من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 كانون الأول/ديسمبر 1979 وتنص على تشجيع المساواة بين الجنسين حتى تحقيق المساواة الكاملة من خلال تغيير القوانين التي تميز بين المرأة والرجل، وإشراك النساء في كافة الميادين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها.   

تعددت الأسباب والعنف واحد

ارتفاع نسب تعنيف المرأة حول العالم تعود إلى عدة أمور أهمها الموروث الاجتماعي، فالنظرة الدونية للمرأة موجودة رغم التطور الحاصل بشأن قضية حقوق المرأة، يضاف إليه الدين وأخذه بمنحى ذكوري بحت، جميع ما سبق مدعوم من القوانين التي ترتكز على العادات الاجتماعية التي تحط من قدر المرأة. 

وتعمل قوانين العديد من الدول على إعفاء المغتصب من العقوبة والملاحقة القضائية في حال تزوج من الضحية، ولا تعاقب معظم القوانين الجاني في جرائم القتل بداعي الشرف وتسمح بتزويج الفتيات دون الـ 18عاماً، وفي المجتمعات التي يغلب عليها الطابع العشائري لا تعاقب القوانين التعنيف الأسري والجنسي باعتباره شأن عائلي.

أما الحلول للقضاء على ظاهرة العنف ضد المرأة فتبدأ من المجتمع ومن المرأة ذاتها، وتوعيتها كيلا تقبل بالتعنيف باعتباره قدرها أو حق من حقوق الرجل عليها، ولتكسر الصمت وتتحدث بشفافية عن العنف الذي تعرضت أو تتعرض له.

أما المجتمع وهو البيئة الحاضنة لتعنيف المرأة فيتم التركيز على تغيير أفكاره والنظر للمرأة ككيان مستقل واعتبارها أساس لبناء المجتمع الذي تمثل نصفه وتربي نصفه الآخر.

وتشمل الحلول أيضاً تغيير الأعراف الاجتماعية والقوالب النمطية وكذلك دعم تقديم الخدمات للناجيات من العنف يمثل جزءاً من حل لغز الوقاية من هذه الظاهرة، بالإضافة لإطلاق حملات توعوية على مدار العام، كما يأتي تعديل القوانين التي تعطي الحق للرجل بتعنيف المرأة لردع المتسلطين وضمان حماية المرأة حتى قبل تعرضها للتعنيف، وتعد التوعية الدينية سواء المسيحية أو الإسلامية من أسس التغيير.