الوجود النسوي داخل النقابات... واقع ورهانات

تلعب النقابيات في الجزائر دوراً مهماً في توعية العاملات، ونشر الوعي خاصة المتعلقة بحقوقهن ومعاملاتهن واضطهادهن في مجال العمل، وحل مشاكلهن وصون كرامتهن وكسر جدار الصمت حول حقوقهن.

نجوى راهم

الجزائر ـ تسعى النقابيات إلى حل مشاكل العمال والمشاركة في الاحتجاجات، لكن يعرقل تواجدهن عدة اعتبارات اجتماعية، منها العادات وذهنيات المجتمع الجزائري.

لم تتمكن إصلاحات التسعينات من إنتاج تجربة نقابية جديدة وذلك لأسباب متعددة كهيمنة قطاع الخدمات والمهن الحرة وصغر حجم المؤسسات، وطريقة التوظيف والتسيير التقليدي والعقلية الأبوية لأرباب العمل تجاه الموظفين، ما أعاق ظهور تجربة نقابية فريدة.

وتمثل الحركة النقابية في القطاع الخاص معظم القوة العاملة في الجزائر حيث يوظف 61% من القوة العاملة، أي 6.95 مليون عامل وعاملة حسب الديوان الوطني للإحصاء.

 

النشاط النقابي في الجزائر بين الصراع مع الإدارة ورفض المجتمع

نائبة اللجنة الوطنية للمرأة العاملة في النقابة الوطنية زينب بلهامل ترفض تواجد ممثلي النقابات داخل المؤسسات، وتقول ''هناك صراع ورفض صريح لتواجد النقابيين بصفة عامة، العلاقات سيئة مع أرباب العمل سواء في الوظيفة العمومية أو غيرها".

وأوضحت أن "النشاط النقابي يتطلب وقتاً ومجهوداً كالتنقل وحضور الاجتماعات ليلاً، المجتمع أيضاً لا يشجع العمل النقابي ويعتبره عمل سياسي كما أن الإدارة تحاول مناهضة العمل النقابي وعزله"، مؤكدةً "نتعرض يومياً لضغوطات وملاحقات أمنية، تصل أحياناً إلى أن أعمل في الحديقة العمومية، أو أن أجلس على درج عمارة من أجل أن أحرر بيان صحفي".

وترى زينب بلهامل أن "تحديات الرجل والمرأة داخل النقابة ذاتها، لكن النقابية تتعرض لتحرش الإدارة وأعوانها وهذا يعود لضعف تكوين الإدارة الجزائرية وجهلها بقانون العمل".

وأكدت على أن "الوجود النسوي في المنظمات النقابية محدود جداً، لكن مقارنة بالرجال، النساء تعملن بكثرة كعضوات منخرطات، أما فيما يتعلق بتمثيل العمال أغلبهم رجال".

يشهد تواجد النساء في النقابات تقدماً ملحوظاً، وتشير الأرقام والاحصائيات في الجزائر إلى أنه في عام 2000 قام المعهد الوطني للدراسات والبحوث النقابية بتدريب 62 ألف نقابي 40% منهم نساء.

وعن إحصائية الاتحاد العام للعمال الجزائريين قالت العضو المجلس الوطني المستقل لأساتذة التعليم الثانوي والتقني والتي تعرف بنقابة "الكنابست" هجرة نايت "مقارنة بالأعوام السابقة هناك تقدم ملحوظ في التمثيل النسوي إلا أن توليها للمناصب المرموقة قليل جداً ولا توجد قيادات نقابية، المرأة تعمل فقط كوسيط بين العاملات".

وأشارت إلى أنه "في دائرة بجاية شرق الجزائر، توجد 48 امرأة نقابية أغلبهن منخرطات في اللجنة الولائية وتقمن باجتماعات تنسيقية وزيارات لأماكن العمل لا سيما في وحدات النسيج والمصانع لتحفيزها من أجل خوض العمل النقابي وترقية العاملة".

 

تحديات وعراقيل تواجه النساء داخل المنظمات النقابية

تتعرض النقابيات للعديد من التحديات داخل المنظمات التي تعيق عملهن ونشاطهن كما تهدد مسارهن المهني، وعن ذلك تقول هجرة نايت "تلعب النقابية دوراً في توعية ومساعدة العاملات على طرح أعمالهن خاصة المتعلقة بحقوقهن ومعاملاتهن واضطهادهن في مجال العمل، لكن تواجههن عدة عراقيل منها الخوف من التحرش داخل أماكن العمل بسب العادات والتقاليد والطابع الرجعي للمجتمع الجزائري، فيفضلن السكوت خوفاً من فقدان عملهن".

ومن أبرز العراقيل التي تواجه النقابيات أوضحت "عدم وجود نساء داخل مراكز اتخاذ القرار أو طاولة الحوار يعرقل الأخذ بعين الاعتبار مشاكل العاملات، بالإضافة إلى عدم وجود نصوص في قانون العمل أو الاتفاقيات الجماعية لمختلف المؤسسات، تجرم التحرش داخل أماكن العمل".

 

المسؤولية المزدوجة للنساء تعيقهن من الانخراط  في المنظمات النقابية

وقالت النقابية وعضو اللجنة الوطنية للمرأة العاملة بالاتحاد العام للعمال الجزائريين سعاد شريط "دخول النساء لسوق العمل كان خجولاً وبالتالي لم يترجم في المنظمات النقابية".

وأضافت "النساء غير موجودات في فرق التفاوض، فإذ غاب صاحب القضية غابت القضية، فتواجدهن في مستويات التفاوض هو مكسب لحمايتهن في الوسط العمالي خصوصاً في ظل انتشار العمل الهش وغير المنظم"، مشيرةً إلى أنه هناك إدراج ملموس لقضايا النساء داخل الاتحاد العام للعمال الجزائريين.

وأكدت أن "الاتحاد العام للعمال الجزائريين يسعى من خلال مبادئه إلى تكريس العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والدفاع عن الحقوق المادية والمعنوية للعمال والعاملات لكن يبقى خطاب سياسي يحتاج إلى آليات تجسد بعض منها في تأسيس اللجنة الوطنية للمرأة العاملة".

 

اللجنة الوطنية للعاملة مكسب وطني يجب المحافظة عليه

تمكنت اللجنة الوطنية للمرأة العاملة التي تأسست في آذار/مارس 2002، من تحقيق عدة مكاسب للعاملات منها المساهمة في سن قوانين تجرم التحرش في أماكن العمل، وعن ذلك تقول سعاد شريط "قامت اللجنة بإطلاق حملة وطنية ضد التحرش الجنسي في أماكن العمل، حيث تم تجنيد هياكل الاتحاد من أجل نجاح الحملة، وقامت بعدها رئيسة اللجنة سمية صالحي بتوجيه رسالة إلى وزير العدل للتنديد بهذه الظاهرة، فتم إدراج مادة في قانون العقوبات (المادة 341) تجرم التحرش الجنسي في أماكن العمل"، مؤكدة أن أول معركة تم اكتسابها هي أن اللجنة مكسب وطني يجب المحافظة عليه.

وبينت أن "اللجنة تعتبر آلية لإدماج النساء في الاتحاد، وتسعى إلى استقطاب وتجنيد وحشد النساء داخل النقابات، وتفعيل سياسة المساواة داخل المنظمة كما أن لديها مهام تكوينية استشارية وتنشط على مستوى الهياكل الأفقية والعمودية للاتحاد، وهي وسيلة من أجل تكريس حق النساء في الترقية ومناهضة التمييز والحرفة واقتحام مناصب كانت حكراً على الرجال، ومناهضة العنف وتأطير العاملة".

وتقول أن "الخطاب النقابي خطاب رجعي يستقطب الرجال ولا يقدم أطروحات بديلة، كما أن قضايا النساء ليست من اهتمامهم، فمعظم النقابات لا تطرح انشغالات العاملات".

 

"المستقبل سيكون أفضل"

وترى النقابية سعاد شريط أن مستقبل النساء في المنظمات النقابية بالجزائر سيكون أفضل "إن قضايا النساء هي قضايا المجتمع، لا يهم من يعبر عن قضاياهن رجل كان أو امرأة لكن الأهم أن تعمل النساء على إدراج قضاياهن وطرح أعمالهن والانضمام إلى المنظمات النقابية حتى يصل صوتهن، لأنه أن غاب صاحب القضية غابت القضية".