التعليم في إدلب... حق مسلوب وأحلام ضائعة
تُجبر الكثير من العوائل في إدلب بناتها الانقطاع عن التعليم بأعمار متفاوتة بسبب هيمنة العادات والتقاليد إلى جانب الفقر وفقدان الأمان
لينا الخطيب
إدلب ـ تُجبر الكثير من العوائل في إدلب بناتها الانقطاع عن التعليم بأعمار متفاوتة بسبب هيمنة العادات والتقاليد إلى جانب الفقر وفقدان الأمان، لتكون الفتاة ضحية مجتمع مجحف، يسلب أهم حقوقها ويضعها في مواجهة مستقبل مجهول.
التعليم لم يعد أولوية بالنسبة لـ عامرة الأحمد التي تبلغ من العمر (14 عاماً) وهي من قرية عين شيب بريف إدلب، فقد استبدلت حقيبتها المدرسية بالفأس والمعول، وسلكت طرق الحقول عوضاً عن طريق المدرسة، وأصبحت مضطرة للتوجه إلى العمل كل صباح برفقة أمها، وتوقفت عن ارتياد المدرسة، وعن سبب ذلك تقول "تعرض والدي لإصابة حربية أقعدته عن العمل، فوجب علي ترك المدرسة لمساعدة أمي في العمل وتحمل مسؤولية الإنفاق على المنزل".
وأشارت عامرة الأحمد إلى أن عملها يتضمن الزراعة والقطاف والتقليم إلى جانب تعبئة الخضار في صناديق وتجهيزها للنقل إلى المحلات والأسواق، وتردف بملامح بائسة "كنت أحلم بأن أصبح معلمة لتعليم الأطفال وغرس العلم والمعرفة في عقولهم، ولكن ظروفي الصعبة وقفت عائقاً في طريق تحقيق أحلامي".
تركت علا الرمضان (13عاماً) المدرسة لتساعد أمها في إنجاز أعمال المنزل، وتنتظر النصيب لتصبح زوجة كخيار وحيد للمستقبل، وعن ذلك توضح "قرر أهلي أن أتوقف عن التعليم لأني فتاة، ومن وجهة نظرهم لا أحتاج لمستقبل تعليمي، لأني سأتزوج لاحقاً ولن أستفيد شيئاً من التعليم، فيما تبقى أولوية التعليم لإخوتي الذكور، ولم يكن أمامي أي خيار سوى القبول وترك مقاعد الدراسة والبقاء في المنزل".
وأضافت "كانت صدمة كبيرة بالنسبة لي حين فرضوا علي أن أنسى فكرة إكمال التعليم، ولم أتمكن من إقناع عائلتي بالرجوع عن قرارهم المجحف بحقي، لذلك استسلمت للأمر الواقع؛ وبدأت بتعلم الطبخ وتدبير شؤون المنزل، لكني سأظل أحتفظ بحقيبة كتبي أملاً بالعودة إلى الدراسة يوماً".
أما حنان الهبو (20 عاماً) وهي من مدينة حارم في إدلب، فقد حرمت من التعليم ووجدت نفسها في معترك الحياة الزوجية، لتكون لاحقاً ضحية الفقر والعوز بعد وفاة زوجها منذ عام، ومسؤوليات كبيرة تعجز عن تحملها، فتقول "تركت المدرسة في سن الخامسة عشرة، للزواج من شاب قريب لي تقدم لخطبتي، لكنه فارق الحياة بإصابة حربية منذ عام، تاركاً لي طفلين".
وتؤكد أنها غير قادرة على إعالة نفسها وطفليها لأنها لا تحمل شهادة علمية، لذا تضطر للتنقل بين أهلها وأهل زوجها للحصول على لقمة العيش، مشيرةً إلى أن "الشهادة العلمية بمثابة سلاح بيد الفتاة لمواجهة الظروف المعيشية الصعبة، لذا أنصح جميع الفتيات بالكفاح لإكمال تعليمهن مهما كانت الظروف، وعدم التخلي عن هذا الحق المشروع، ورفض كافة العادات والتقاليد التي لا ترى في المرأة سوى زوجة وربة منزل".
ويعد النزوح وبعد المدارس عن المخيمات سبباً آخر لحرمان الفتيات من التعليم، كمال الجاسم (46 عاماً) نازح من ريف مدينة سراقب إلى مخيم في بلدة حزانو في إدلب، منع ابنته من إكمال تعليمها بعد النزوح من قريته بداية عام 2020، رغم تفوقها الدراسي ورغبتها العارمة بالمتابعة، ويقول إنه "لا يوجد مدارس قريبة من المخيم، لذا لن أسمح لابنتي بالخروج كل يوم لارتياد المدارس البعيدة، وخاصةً في ظل ما نسمع به من حوادث تحرش وخطف للأطفال والفتيات وانعدام الأمان".
المرشدة الاجتماعية نورة السليّم (33 عاماً) من مدينة إدلب، تتحدث عن حرمان الفتيات من التعليم فتقول "ظروف الحرب أعادت للواجهة مشكلات اجتماعية كانت مندثرة منها استبعاد التعليم من أولويات تربية الأبناء وخاصة الفتيات، نتيجة تراجع مستوى التعليم والعادات والتقاليد الاجتماعية وثقافة العيب، والإيمان بأن تعليم الفتيات أمر ثانوي لا فائدة منه، فضلاً عن الزواج المبكر والضائقة المالية التي تعيشها الكثير من العوائل، إلى جانب غياب المراكز التعليمية في معظم المخيمات، والفلتان الأمني بسبب ظروف الحرب".
وتشير إلى ضرورة توعية المجتمع بأهمية تعليم الفتيات باعتبار أن الشهادات العالية ترفع من قيمتهن الاجتماعية، وتفرض احترام المجتمع المحيط لهن، أما الأمية تفرض على المرأة العزلة وعدم الثقة بالنفس، وتحرمها من إيجاد فرصة عمل لتحسين أوضاعها المعيشية وتحقيق الاكتفاء الذاتي، كما تحرم الأم من متابعة دروس أبنائها وتنشئة جيل متعلم، والعجز عن حل مشاكلهم.
وبات التعليم حلماً صعب المنال لكثير من الفتيات في إدلب، لتتوارى أحلامهن خلف أسباب واهية تقف حجر عثرة أمامهن، ويدفعن ثمن الحرب والأعراف السائدة التي تسلب المرأة حقها وإرادتها، وتحد من حريتها الشخصية وقدرتها على مواجهة التحديات.