الطلاق التعسفي... نمط من أنماط العنف ضد المرأة في المجتمع الجزائري

يكفي أن تتجول في أروقة المحاكم الجزائرية، لتقف على مدى اتساع رقعة الطلاق التعسفي في المجتمع الجزائري، فآخر الأرقام التي تم إسدال الستار عنها في ندوة بعنوان "التوفيق في قضايا الطلاق" نظمتها اللجنة بمحافظة البويرة في شباط/فبراير 2020

رابعة خريص 
الجزائر ـ ، كشفت عن تسجيل 68 ألف حالة طلاق كل عام بمعدل حالة واحدة كل 8 دقائق، وأغلب حالات الطلاق التي تسجل تصنف في خانة الطلاق التعسفي. 
 
قصص مأساوية 
سلمى (اسم مستعار)ِ، من محافظة تلمسان (مدينة تقعُ في شمال غرب الجزائر) في العقد الثاني من عمرها، واحدة من النساء اللواتي وقعن ضحية الطلاق التعسفي، تروي قصتها لوكالتنا قائلةً "زواجي تم بعد قصة حب طويلة، انتقلت للعيش بعد الزواج إلى بيت أهله وكنت أزور أهلي بين الحين والآخر إلى أن رزقت بأول مولودة لي". 
وخلال فترة ولادتها تقول إنها مكثت في بيت أهلها إلى أن تسترد عافيتها، غير أنها تفاجأت باستلامها إشعار الطلاق فجأة ودون سابق إنذار، لافتةً إلى أن عائلة زوجها قاموا بتحريض زوجها أثناء توجدها لدى عائلتها ليقوم بتطليقها رغم أنه حولها إلى "خادمة" في منزل أهله تطبخ وتكنس، غير أنها التزمت الصمت لأجل تعلقها به، والأدهى من هذا أنه كان يغادر البيت مع بزوغ الشمس ولا يعود إلا بعد منتصف الليل. 
وانتهت قصة الحب التي عاشتها سلمى مع زوجها بـ "طلاق تعسفي" كان بداية لـ "عواصف" وبدايات حزينة خاصةً وأنها عادت إلى بيت أهلها وبرفقتها بنت حديثة الولادة. 
وضع سلمى لا يختلفُ كثيراً عن نورا (اسم مستعار)، وهي في العقد الرابع من عمرها مدرسة لغة عربية وأم لثلاثة أطفال وزوجها أستاذ في العلوم الطبيعية، عاشوا في البداية حياة طبيعية إلى أن تخطوا عتبة الأربعين من العمر، حينها بدأت معاملة زوجها تتغير وتفاقمت حدة المشاكل بينهما، ولأن نورا لم تفهم أسباب تغير زوجها معه أصبحت تلجأ إلى المرشدات والمتخصصات في علم النفس حتى يتسنى لها المحافظة على شريك حياتها، غير أن كل محاولاتها باءت بالفشل بعد أن أقدم زوجها على طردها من البيت الذي شاركت في تشييده بأكثر من النصف ثم طلقها طلاقاً تعسفياً وكسر كبريائها وحطم أحلامها، فاكتأبت وباعت كل ما تملك واستدانت وسافرت إلى تركيا لتبني حياة جديدة بعد أن أغلقت جميع الأبواب في وجهها، لتدرك فيما بعد أن زوجها تخلى عنه لأنه كان على علاقة مع امرأة أخرى.
وفي مستهل تشخيصها للظاهرة ومدى تفشيها في المجتمع الجزائري، تقول البروفيسور سامية بن قوية محامية معتمدة لدى المحكمة العليا ومجلس الدولة في الجزائر ورئيسة وحدة بحث حول الأمن الأسري المعتمدة من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، إن المحاكم الجزائرية تعجُ بقضايا الطلاق والخلع والتطليق، مما يدل على أن الأمر أصبح مقلقاً في مجتمع يفترض فيه الالتزام بمبادئ الشريعة العادلة.
فالأرقام التي نشرتها الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان (منظمة غير حكومية) تقول إنه تم تسجيل 68 ألف حالة طلاق في 2018 بزيادة قدرها 3 آلاف حالة، مقارنة بعام 2017، ما جعل الجزائر تحتل المرتبة الثامنة عربياً والمرتبة الثلاث وسبعون عالمياً. 
وعن أسباب تفشي ظاهرة الطلاق التعسفي، تقول سامية بن قوية إن "التعسف في الطلاق من أهم تطبيقات نظرية التعسف في استعمال الحق، وقد ظهر خلط بين فكرة التعسفً في استعمـال الحـق وفكرة مجاوزة الحق أو الخــروج".
"فالتعسف هو أن يمارس الشخص عملاً مشروعا في الأصل بمقتضى حقّ شرعيّ ثبت له بعوض أو بغير عوض، أو بمقتضى أباحه مأذون فيها شرعاً، على وجه يلحق بغيره الإضرار أو يخالف حكم المشروعية، ولذلك فالطلاق حق مشروع، وهو يدخل ضمن الحرية الشخصية، ويخضع مثل سائر الحقوق للقيد العام وهو عدم التعسف في استعماله بما يناقض مقصود الشارع، أو بنية الإضرار، فلا يسوغ الطلاق دون سبب، ودون حاجة إليه، ودون ضرورة، وإلا أصبح طلاقا تعسفياً"، وهذا ما نصت عليه المادة 124 من القانون المدني الجزائري.
 
أسباب ومخاطر وحلول 
وعن أسباب تفشي هذا النوع من الطلاق، أوضحت سامية بن قوية إن العولمة من أبرز التحديات التي تواجه الأسرة الجزائرية، فهي مدرسة موازية لنقل المعارف والعلوم، فتعمل على نشر القيم الإنسانية المشتركة، تحت شعار "المصير الواحد للبشرية"، فلم يبق الكثير من صمامات الأمان للحفاظ على كيان الأسرة والتي يعتبر الطلاق واحد من أسباب انحراف المرأة وسبب من أسباب الإجرام لدى الأطفال والإدمان على المخدرات.
وحول دور القضاء للحد من هذه الظاهرة، قالت رئيسة وحدة بحث حول الأمن الأسري "الأصل أن يكون للقضاء دور بارز في الحد من هذه الظاهرة، إلاّ أنني أؤكد أن هذه الجلسات هي شكلية، ولم تعد تفي بالغرض الذي لأجله شرعت على  الرغم من أن المشرع الجزائري فرض على القاضي إجراء محاولات الصلح في قانون الأسرة المعدل في المادة (49) منه، التي جاءت كما يلي "لا يثبت الطلاق إلا بحكم بعد عدة محاولات صلح يجريها القاضي دون أن تتجاوز مدته ثلاثة أشهر ابتداء من تاريخ رفع الدعوى"، وكما نظم ذلك في قانون الإجراءات المدنية والإدارية في المواد (431) و(439) إلى (448) منه إلا أن الفقه والقضاء اختلفا حول مدى الزاميتها، وكذلك اثر إغفال أو عدم قيام القاضي بهذا الإجراء المؤدي إلى بطلان حكم الطلاق أو التطليق أو الخلع أو الطلاق بالتراضي، وبين من يرى عكس ذلك بأن محاولة الصلح لا تعد إجراء جوهري، ولا تؤدي إلى إلغاء الحكم الصادر بفك الرابطة الزوجية".
وعن التدابير التي أقترحتها البروفيسور سامية بن قوية للحد من ظاهرة الطلاق التعسفي، شددت على ضرورة استعمال كل وسائل الإعلام والاتصال والتكنولوجيات الحديثة وضرورة الالتزام بنصائح الشريعة في اختيار الزوج الكفؤ مع إلزام الزوجين قبل الزواج بحضور جلسات التأهيل الأسري وتطوير برامج توعية الأسرة. 
وترى الباحثة في علم الاجتماع العائلي صارة زقاد إن الخطر يكمن اليوم في انتشار الانفصال التعسفي والذي عالجت المحاكم منه سنة 2009 حوالي 20134 قضية طلاق انفرادي أي 48%  من مجمل قضايا الطلاق، وهو الطلاق الممارس من طرف واحد ضد الطرف الثاني دون رضاه، ويكون الطلاق التعسفي من طرف الزوج أي انفرادي دون أي مبررات فالزوج غير ملزم بالإفصاح عن الأسباب الحقيقية والدوافع لكنه يتحمل المسؤولية الكاملة للطلاق من تعويضات يقررها القاضي وهذا ما يسمح به القانون الجزائري، فقد يكون سبب الطلاق مثلا الانتقام أو الكراهية أو رفض الزوجة للتعدد أو حتى مطالبة الزوجة بحقوقها الشرعية سواء كانت مادية أو معنوية، وهذا النوع من التطليق هو تملص للرجل من مسؤولياته تجاه اسرته في أغلب الأحيان. 
وأضافت "يشكل الطلاق عاملاً أساسياً في تدهور الصحة النفسية والعقلية للمرأة المطلقة سواء كانت بأولاد أو من غيرهم كما أنه يأثر بشكل مباشر على التوازن النفسي والعقلي للأبناء، فالصدمة التي تتعرض لها المرأة بعد أن كانت في وسط مستقر إلى حد ما يجعلها تفقد الثقة في نفسها وربما تقديرها لذاتها، كما أن بعض النساء يُحَمِلُهن المجتمع الذكوري أعباء الطلاق بشكل كامل دون البحث عن الأسباب والمبررات التي أدت إلى ذلك، كما أن الوصمة الاجتماعية التي ترافقها بعد ذلك (المطلقة) تحد من حرياتها ومن دورها في المجتمع وتجبرها في أغلب الأحيان إلى اتخاذ قرارات أما الانعزال التام والابتعاد عن الساحة الاجتماعية تفادياً للتجريح كنوع من الهروب أو إلى التحدي ضاربة المجتمع عرض الحائط فتتحدى القيم الاجتماعية والمعايير الأخلاقية لتتحرر نفسياً واجتماعياً كنوع من القوة، كما نجد العديد من النساء اللواتي خضن التجربة نجحن في إعادة بناء أنفسهن متجاوزين لكل العقبات التي يضعها المجتمع، فمنهن من أسست عملاً مستقلاً وأخريات أعدن بناء أسرة جديدة أي الزواج مرة ثانية ونجحن في ذلك.
واختتمت الباحثة في علم الاجتماع العائلي صارة زقاد حديثها بالقول إن الطلاق التعسفي يعتبر من أقسى أنواع العنف الذي يطبق على المرأة ،لأنه يكون مخالفاً لرغبتها لكن يمكن تخطيه باعتباره نهاية تجربة فاشلة وليس نهاية الحياة فيمكن للمرأة القوية النهوض من جديد والتحدي والنجاح واثبات ذاتها كامرأة مستقلة وقوية وبكرامة عالية جداً لا تحتاج لشخص يرفض وجودها.