"الرشوة الجنسية"... تابو تسعى النسويات في المغرب إلى إزاحة الستار عنه لكسر الصمت

الرشوة الجنسية ظاهرة باتت تتفشى في العديد من المجتمعات العربية، حيث تتعرض النساء إلى مساومات جنسية، إما مقابل النقط، أو مقابل العمل؛ أو الترقية

حنان حارت

المغرب ـ الرشوة الجنسية ظاهرة باتت تتفشى في العديد من المجتمعات العربية، حيث تتعرض النساء إلى مساومات جنسية، إما مقابل النقط، أو مقابل العمل؛ أو الترقية.

 

الجنس مقابل النقط

في المغرب، اهتزت مؤخراً بعض الجامعات على وقع فضائح، حاول بعض الأساتذة استغلال سلطتهم، ومقايضة الطالبات ومساوماتهن جنسياً مقابل النجاح أو حتى اجتياز الماجستير والدكتوراه، وهو ما بات يعرف في الإعلام المغربي بقضية "الجنس مقابل النقط".

وتعود تفاصيل الملف، إلى قبل ثلاثة أشهر تقريباً، بعدما تم تسريب محادثات مسربة، تحتوي على خطاب إباحي دار فيه حديث بين أستاذ وطالبة سأل فيه الأول عن المقابل الذي ستقدمه الطالبة وزميلاتها مقابل المساعدة المقدمة لهن، والتي ليست سوى علاقة جنسية، ولا زالت لحد الساعة التحقيقات جارية في هذا الملف.

حاولت وكالتنا الوصول لطالبات تعرضن لهذا الموقف، لكن الخوف من البوح كان هو السمة البارزة في الاعتراف، قائلات "أن المجتمع ذكوري يدين الضحية ويؤازر الجاني، لهذا يفضلن الصمت على البوح خوفاً من الفضيحة"، لكن كانت من بين هؤلاء إحدى الطالبات التي تدعى "نادية.خ" التي حملت من الشجاعة الشيء الكثير، خرجت للإدلاء بشهادتها، كانت تدرس بكلية الحقوق في مدينة سطات قرب الدار البيضاء.

 

كسر الصمت وإخراج الظاهرة للعلن

كشفت "نادية.خ"، عن مضايقات كثيرة كانت تتعرض لها من قبل أستاذها في الجامعة، "بعد معاناة نفسية تمكنت من كسر الصمت حول ما تعرضت له من ابتزازات جنسية من قبل الأستاذ"، موضحةً أنها كانت تتعرض للابتزاز من قبل أستاذها، لكنها لم ترضخ لنزواته وكانت تعارضه دائماً، ومن أجل وضع حد لتلك الممارسات قدمت شكوى إلى رئاسة الكلية تحكي فيها عن سلوكيات الاستاذ اتجاهها. "فوجئت بعدها بفصلي عن الدراسة بدعوى الغش في الامتحان، لكن هذا القرار كان انتقامياً بعدما رفضت الخضوع لابتزاز جنسي".

وأشارت نادية إلى أن كسرها للصمت جاء بعد تردد طويل، بعدما اقتنعت أن الصمت لن يحل مشاكلها، بل يعمقها أكثر، "أوجه حديثي إلى كل الطالبات الضحايا؛ علينا البوح بما نتعرض له من مساومات تدخل في إطار الرشوة الجنسية، لأن اليوم هناك قوانين بإمكانها حمايتنا جميعاً، رغم كون المجتمع الذي نعيش فيه لا يرحم لكن علينا ألا نلتزم الصمت حتى يتم وضع حد لهذه الممارسات بشكل نهائي، وحتى لا يتجرأ أي شخص ذي سلطة ونفوذ القيام بهكذا ممارسات".

وأوضحت نادية أن الحادث أثر على حياتها الشخصية وعرضها للشتات العائلي، وبسبب ما حدث لها انفصلت عن زوجها.

تشجيع الضحايا على البوح

من جهتها تعمل جمعية الوعي النسائي في المغرب على مشروع الرشوة الجنسية، حيث اعتمدت على مجموعة من الوسائط من أجل إخراج الظاهرة إلى العلن، وتشجيع الضحايا على البوح.

نائبة رئيسة جمعية الوعي النسائي رندة العلمي قالت "من أهم المشاريع التي تعمل عليها الجمعية هي الرشوة الجنسية، والهدف من ذلك هو محاولة إخراج الظاهرة من خانة المسكوت عنها، إلى العلن".

وأضافت "رغم أننا نرى أن الرشوة الجنسية حاضرة في بعض الإدارات والكليات وأماكن العمل، ولكن فضح هذه الممارسات يبقى شبه منعدم، لأنه في مجتمعنا لدينا هذا عيب وحرام، كما أنه يتم تحميل المرأة مسؤولية كل ما يقع، وبذلك فهي تلتزم الصمت، لهذا فمشروعنا الغاية منه هو إخراج الظاهرة للعلن حتى يعلم الجميع أنها موجودة".

وأوضحت رندة العلمي أنه في إطار ذلك، تم تنظيم لقاءات مع الشباب، وتم إنجاز فقرات تحسيسية، نشرت على صفحة الجمعية، حتى يتمكن أكبر عدد ممكن من المتابعين من مشاهدتها، خاصة وأنه تم الاعتماد على لغة بسيطة، وتم التطرق لمفهوم الرشوة الجنسية وآثارها.

وبينت "أطلقنا أيضاً برنامج "احكي قصتك" من أجل تسليط الضوء على تداعيات الرشوة الجنسية على الضحايا التي تتباين بين ما هو نفسي، اجتماعي واقتصادي".

 

أغلب الممارسات صادرة عن أشخاص لديهم سلطة

وقالت الحقوقية رندة العلمي أنه خلال عمل الجمعية على مشروع الرشوة الجنسية، تم الوقوف على مجموعة من الأمور أولها أن الخوف هو السمة البارزة لدى الضحايا اللواتي تتعرضن لهذا النوع من المساومة والمقايضة أو الرشوة، لكون أن أغلب هذه الممارسات تكون صادرة عن أشخاص لديهم سلطة ونفوذ.

واستحضرت رندة العلمي ما حصل مع شابة وصديقاتها في كلية الحقوق بمدينة سطات، اللواتي لم ترضخن لنزوات الاستاذ، حيث تم طردهن بدعوى الغش في الامتحان، وهناك طالبات تحت الإكراه وخوفاً على مستقبلهن الدراسي وأيضاً من الوصم، وعدم تصديقهن، وكذلك لأنهن لا يثقن في القضاء، حيث أن لديهن فكرة مسبقة أنه حتى لو لجأن للقضاء لن يتم إنصافهن لأن الآخر ذي نفوذ وسلطة أكثر منهن؛ تضطررن إلى الخضوع.

ولفتت إلى أنه رغم تزايد حالات الرشوة الجنسية التي يتم التبليغ عنها في الآونة الأخيرة، فهذا لا يعني أن الضحايا في المغرب استطعن كسر هذا التابو، حيث لايزال هذا الموضوع محاطاً بكثير من القيود التي تمنع من الاقتراب منه.

تدابير احترازية في الكليات وأماكن العمل

وشددت رندة العلمي على أنه لابد من إقرار تدابير احترازية سواء في العمل أو الكليات أو المدارس من أجل وضع حد لهذه الممارسات داخل هذه الفضاءات، لأن لهذا النوع من الرشوة الجنسية يمكن أن يتفشى داخلها باسم السلطة واستغلال النفوذ، ووجود أشخاص في مراكز القرار، مؤكدة على ضرورة إيجاد آليات آمنة للتبليغ تأخذ بعين الاعتبار مختلف أشكال الرشوة والفساد التي تقع النساء ضحية لها.

 

الجنس مقابل العمل

ليست قضية الجنس مقابل النقط الوحيدة التي هزت الرأي العام في المغرب، بل قبل أربع سنوات كانت هناك قضية أخرى، تتعلق بالجنس مقابل العمل، كان ضحاياها مجموعة من الصحفيات والعاملات في إحدى المؤسسات الإعلامية المعروفة.

بدأت القصة بمداهمة قامت بها قوات الشرطة لمقر الصحيفة، وذلك في عصر يوم الجمعة 23 شباط/فبراير  2018، لتعتقل مؤسسها ومدير نشرها وتصادر مفاتيح مقر الجريدة.

وعرفت القضية في مجرياتها وقوع العديد من الأحداث، حيث تم العثور على أشرطة فيديو تحتوي على ممارسات مشينة في حق الضحايا.

وخرجت حينها إحدى الضحايا للإعلام، وصرحت أن مديرها قام باستغلال حاجتها للوظيفة وتوظيفه لخلافات مهنية من أجل الاعتداء الجنسي عليها، حيث أقرت أمام القضاء أن مديرها عمد إلى استغلال منصبه من أجل مآرب جنسية، وفق ما دون في محاضر الشرطة القضائية.

 

الرشوة الجنسية غير واضحة المعالم في القانون الجنائي

ومن جانبها، تقول المحامية والناشطة في مجال الدفاع عن حقوق النساء في المغرب فتيحة اشتاتو، أن القانون الجنائي المغربي الصادر سنة 1962، ورغم كافة التعديلات التي مسته، لا يوجد أي ذكر لمصطلح الرشوة الجنسية.

وأشارت إلى أن هذا الفعل الذي أصبح يطرح في الواقع العملي، يبقى غير واضح المعالم داخل المنظومة الجنائية في البلد، مما يجعله خاضعاً لمجموعة من النصوص الناظمة غير المحددة من الناحية القانونية بشكل دقيق، والشيء الذي يجعل من الرشوة الجنسية جريمة عصية على الضبط.

وترى فتيحة اشتاتو أن الفصل 248 يتحدث عن الرشوة بصفة عامة، ولفتت إلى أن المشرع المغربي يتبنى الاتجاه الذي يعتبر الرشوة تتكون في جريمتين مستقلتين هما الراشي والمرتشي.

ومن بين النصوص التي تتجاذب هذه الجريمة، تقول فتيحة اشتاتو نجد الفصل 538 من القانون الجنائي والمتعلق بجريمة الابتزاز، وينص على أنه "من حصل على مبلغ من المال أو الأوراق المالية أو على توقيع أو على تسليم ورقة مما أشير إليه في الفصل السابق، وكان ذلك بواسطة التهديد، في حالة قيام الجاني بتهديد الضحية بإفشاء أسرارها من أجل الحصول على مكاسب مالية أو معنوية بشكل قد يؤدي إلى انعدام إرادتها، يمكن أن يجعلنا أمام إحدى حالات الرشوة الجنسية".

ونوهت إلى أنه يمكن الوقوف على مقتضيات الفصل 503-1 المتعلق بالتحرش الجنسي، والذي يجرم ويعاقب التحرش الجنسي بالحبس من سنة إلى سنتين وغرامة من خمسة آلاف إلى خمسين ألف درهم.

ولفتت إلى أنه ينبغي التمييز بين التحرش الجنسي وبين الرشوة الجنسية، حيث أن التحرش الجنسي شكل من أشكال الإيذاء، ويتمثل في مضايقات، سواء كانت في شكل أقوال أو أفعال أو حتى تلميحات ذات صبغة جنسية أو إباحية، سواء مورست داخل الفضاءات العمومية أو الخاصة، في حين الرشوة الجنسية، تعد استغلالاً أو استعمالاً لمعيار المقايضة، بين الحصول على فائدة أو خدمة خاصة، مقابل ممارسة جنسية كيفما كان الشكل الذي تمارس من خلاله، سواء من خلال الاتصال المباشر بين الطرفين أو بشكل سطحي، والفرق هنا بين الرشوة الجنسية والتحرش الجنسي متمثل في توفير معيار المقايضة، أي الخدمة المقابلة.

وأكدت أن التكيفات التي يضعها قضاة النيابة العامة بالنسبة لفعل الرشوة الجنسية، هناك من يعتبرها تحرشاً أو استغلال نفوذ، وبين من يحرك المتابعة على أساس هتك عرض وأحياناً فساد أو اغتصاب، وذا يجد تبريره في كون جريمة الرشوة الجنسية مركبة، وهو ما يطرح مشاكل عملية تتعلق باختصاص المحاكم وحماية الضحايا.

 

لمواجهة جريمة الرشوة الجنسية

وعن كيفية مواجهة جريمة الرشوة الجنسية، قالت فتيحة اشتاتو "ينبغي إذكاء ثقافة التبليغ عن جميع جرائم العنف ضد النساء عموماً وجرائم الرشوة والابتزاز الجنسي على وجه الخصوص، فالتبليغ عن هذه الجريمة مسؤولية الجميع، لأنه كلما تم الإبقاء على حاجز الصمت، وفر ذلك فضاءً آمناً لمثل هذه الممارسات"؛ مضيفة أنه ينبغي نشر ثقافة الشفافية داخل المرافق العامة ومحاربة الفساد بجميع أشكاله، وتفعيل قانون الحق في الحصول على المعلومة، وتسهيل الحق في الولوج إلى العدالة لجميع الفئات، وبالأخص الهشة منها، مع تفعيل دور خلايا التكفل بالنساء المعنفات، وتضافر جهود جميع المتدخلين لمحاربة هذه الآفة، وتعميم التجارب الفضلى، لانتظار تدخل تشريعي واضح ودقيق يكفل تجريم هذه الآفة الخطيرة.