القانون والمجتمع يضطهدان الليبية المتزوجة من أجنبي

أكدت المحامية والناشطة الحقوقية راوية الجازوي أن حرمان النساء المتزوجات بأجنبي وأبنائهن، يواجهون اضطهاد مزدوج في ليبيا.

هندية العشيبي

ليبيا ـ يعد زواج النساء من أجانب من أكثر الملفات حساسية وتعقيداً في ليبيا من حيث مدى قبوله ورفضه سواء من قبل الدولة أو المجتمع، لأسباب ثقافية واجتماعية، فحرية المرأة لازالت مقيدة، حتى في أبسط اختياراتها وهي اختيار شريك مناسب لها وإن كان من جنسية مختلفة.

على الرغم من عدم وجود أرقام رسمية لعدد الليبيات المتزوجات بأجنبي، إلا أن العديد من المنظمات الحقوقية تطالب بشكل دائم السلطات التشريعية في البلاد بوضع أساسيات لإصدار تشريعات لصالح هؤلاء النساء وأبنائهن الذين يحرمون من حقوقهم المكتسبة لا لشيء سوى لأنهم من أب أجنبي.

القانون الليبي يفرق بين الجنسين بخصوص منح الجنسية لأبنائهم، فأبناء الليبية من زوج أجنبي يحرمون من خدمات التعليم والعلاج المجانية، بالإضافة للتملك والتنقل بين الدول، وأكثر الحقوق التي يحرم منها الحق في منح جنسيتها لأبنائها، بعكس الليبي الذي يتمتع هو وأبنائه من الزوجة الأجنبية بكامل الحقوق بما فيها حق الجنسية ومجانية التعليم والصحة.

تقول المحامية والناشطة الحقوقية راوية الجازوي أن القانون رقم 15 لسنة 1984 وتعديلاته لسنة 2015، يزيد من التفرقة بين الجنسين في مسألة الزواج بأجنبي، ورغم تعديلاته إلا أنه لم ينهِ القضية، ولا زالت أغلب القوانين والتشريعات الليبية منافية للمواثيق الدولية التي صادقت عليها ليبيا أو كانت طرفاً فيها والتي تؤكد المساواة بين الجنسين في الحقوق.

وشددت على أنه يجب تنظيم حقوق الليبية المتزوجة بأجنبي ضمن مواد الدستور الليبي الجديد، مبينةً أن الليبية المتزوجة من أجنبي تنقل بمجرد إبرام عقد الزواج في مصلحة الأحوال المدنية من منظومة المواطنين إلى منظومة الأجانب، ويسقط عنها الحقوق المدنية المتعلقة بالمنح المالية الخاصة بالعائلات الليبية، والمنح المتعلقة بالدراسة والعلاج، وغيرها من الحقوق المدنية التي يتمتع بها كل مواطن ليبي وفقاً للتشريعات النافذة.

وعن آلية صياغة مواد دستورية وقوانين تسمح لليبية المتزوجة من أجنبي أن تتمتع بكامل حقوقها المدنية والسياسية قالت راوية الجازوي أنه على المجتمع المدني والمنظمات المعنية بالمرأة الضغط على السلطة التشريعية والتنفيذية في ليبيا بسن قوانين وإصدار قرارات تضمن حقوقها وأبنائها من أب اجنبي مساواة بالرجل.

وأشارت إلى أنه خلال الآونة الأخيرة تم تنظيم العديد من الجلسات والمؤتمرات التي تطالب بتعديل القوانين الخاصة بزواج الليبية من أجنبي والتي منها القانون رقم 15 لسنة 1984 وتعديلاته، وذلك لضخامة المشكلة خاصة عقب اندلاع ثورة 2011، وزيادة طلبات اللجوء وعمليات الهجرة إلى ليبيا.

وعن وضع أبناء الليبيات المتزوجات من أجنبي، وعدم تمتعهم بحقوقهم المدنية والسياسية وخاصة حرمانهم من اكتساب الجنسية الليبية أوضحت راوية الجازوي أنه على الدولة الاستفادة من هؤلاء الأبناء من خلال منحهم الجنسية الليبية، من خلال استثمار قدراتهم كقوة بشرية وعقلية.

وأضافت "أبناء الليبيات من أب أجنبي يدرسون ويتعلمون ويعيشون في ليبيا، فالبلاد هنا أولى بقدراتهم وخبراتهم وتنميتهم، فبعض أبناء الليبيات من والد أجنبي داخل بنغازي أطباء ومهندسين ولكن لا يستطيعون ممارسة مهنتهم كونهم أجانب رغم كفاءتهم، فليبيا أولى للاستفادة بهذه القدرات وهذه المعارف".

وأكدت راوية الجازوي أن المشكلة اجتماعية وثقافية أكثر من كونها سياسية أو قانونية، فمن أهم أسباب الإحجام عن منح الجنسية في ليبيا، الخلفية القبلية؛ فالقبيلة تُعد إطاراً اجتماعياً مؤثراً وصارما في زواج الفتيات من أبناء القبائل الأخرى فما بالك من جنسية أخرى.

تواصلنا خلال إعداد هذا التقرير مع عدد من النساء الليبيات المتزوجات بأجنبي للحديث معهن حول الأثر السلبي لهذه القوانين والتشريعات على حياتهن ومستقبل أبناءهن، ورغم رفضهن للتصوير أو الظهور إعلامياً خوفاً من القبيلة والمجتمع الذي سيعنفها لخروجها عبر المنصات والحديث عما تمر به من معاناة، إلا أنهن طالبن الجهات المختصة بالنظر بشكل سريع في إصدار تشريعات وقرارات مستعجلة تنظم حياتهن وحياة أبنائهن، خاصة العائلات ذوات الدخل المحدود، والتي حرمت من كافة المنح والامتيازات التي تتمتع بها العائلة الليبية من أب وأم ليبيين أو أب ليبي وأم أجنبية.

قالت لوكالتنا إحدى النساء المتزوجات من رجل يحمل الجنسية المصرية، عن المعاملة الإدارية السيئة لأبناء الليبية المتزوجة من أجنبي التي ظهرت عقب نجاح ابنها بدرجة عالية في الثانوية العامة بغرض الالتحاق بكليات الطب البشري في المدينة، لتواجه بعد ذلك حقيقة قانونية مفادها أن الالتحاق بكليات الطب يتمتع به حاملو الجنسية الليبية حصراً، والأجانب في حالات استثنائية ونادرة جداً.

ونشرت وزارة العدل الليبية على موقعها الرسمي تقريراً توضح فيه الجانب القانوني لوضع الليبية المتزوجة من أجنبي دون ذكر أي أرقام أو احصائيات حول العدد الاجمالي لهن.

وبين التقرير أن المشرع الليبي أجاز في القانون رقم 24 لسنة 2010 بشأن أحكام الجنسية، منح الجنسية لأولاد الليبيات المتزوجات من غير الليبيين، إلا أنه علق ذلك على موافقة الجهة التنفيذية وتقديرها والتي قد تقبل الطلب أو ترفضه، ووضع ضوابط وشروط وضحتها اللائحة التنفيذية، وفي نفس الوقت عالج وضع عديمي الجنسية وهم اللقطاء والأولاد الغير شرعيين وأعطاهم حق الحصول على الجنسية باعترافه بدور الأم بشكل استثنائي في نقل جنسيتها للأولاد بناء على حق الدم من جهة الأم مدعماً بحق الإقليم.

وكان الأجدر به هو منح أولاد الأم الحق في الحصول على جنسية والدتهم أسوة بالرجل ومواكبة للتشريعات المقارنة والاتفاقيات والمواثيق الدولية، وما استقر عليه قضاء المحكمة العليا في أن الاتفاقيات الدولية التي ترتبط بها الدولة الليبية تكون نافذة مباشرة بمجرد إتمام إجراءات المصادقة عليها من السلطة التشريعية في الدولة، وتكون لها أسبقية التطبيق على التشريعات الداخلية، بحيث إذا حدث تعارض بين أحكامها وأحكام التشريعات الداخلية فإن أحكام الاتفاقية هي الأولى بالتطبيق.