النزوح والفقر... يزيد انتشار ظاهرة التسول بين الأطفال في إدلب
لم تعد ظاهرة التسول في إدلب تقتصر على عدد قليل من المتسولين كما السابق، بل غدت الظاهرة الأكثر انتشاراً وجل أبطالها من فئة الأطفال الذين وضعتهم ظروف الحرب والفقر والنزوح أمام خيار وحيد وهو التسول لإعالة أنفسهم وأهلهم
سهير الإدلبي
إدلب ـ .
يمضي الطفل وائل الفستق الذي لم يتجاوز السابعة من عمره، وقته بالوقوف أمام أبواب الحدائق والمحلات التجارية والمطاعم طالباً المساعدة المالية أو أي شيء يمكن الاستفادة منه من المارين ومن أصحاب المحلات ليتمكن في نهاية المطاف من جمع مبلغ صغير يحضر به الخبز وبعض الطعام لأمه المريضة وإخوته.
وائل الفستق بملابسه المتسخة والرثة وحذاءه المهترئ يقول والتعب بادياً على وجهه الصغير أنه يعيش في مخيمات إدلب مع أمه وإخوته الستة بعد نزوحهم من قرية تلمنس جنوب إدلب بفعل القصف منذ أكثر من عامين.
وأضاف أنهم يواجهون الفقر والبؤس بكل أشكاله داخل المخيم وخاصة وأنهم يفتقدون المعيل بعد اعتقال والده منذ أكثر من أربع سنوات، بينما تعاني والدته أمراض القلب.
يحصل وائل الفستق على مساعدات رمزية من قبل المارين، وأحياناً يعامل بقسوة من قبل البعض الذين يقومون بنهره وتوبيخه لقيامه بهذا العمل ظناً منهم أنه يمتهن المهنة لمجرد كسب المال عبر استعطاف الناس بينما هو ليس بحاجة لمثل هذا العمل وفق ما يعتقده البعض.
لا ينوي وائل الفستق التخلي عن عمله هذا والانتساب إلى المدرسة مع بداية العام الدراسي الجديد والسبب هو حاجة أهله للمال الذي يجمعه مع اثنين من إخوته بذات الطريقة لتساعدهم على تحمل أعباء المعيشة التي بات تأمينها في غاية الصعوبة.
وللتسرب المدرسي الذي بلغ نسباً مخيفة في إدلب بلغت حد 50% من إجمالي عدد الطلاب، علاقة مباشرة في انتشار ظاهرة التسول بين فئة الأطفال والتي أخذت أشكال متعددة منها بيع علب البسكويت والمناديل الورقية في الشوارع.
الطفل رامز الصبور البالغ من العمر عشر سنوات لم يدخل المدرسة سوى سنة واحدة حين كان في الصف الأول الابتدائي بقريته كفروما بريف إدلب الجنوبي قبل أن ينزح مع أهله إلى المخيمات الشمالية، وهو منذ ذلك الحين يمتهن بيع البسكويت على أطراف الطرقات وفي الشوارع كنوع من التسول ولكن بطريقة تحفظ ماء الوجه كما يعتبرها رامز.
يستجدي رامز الصبور أصحاب السيارات الفاخرة المارة والمترفين من أصحاب المحلات الكبيرة ليشتروا منه بعض قطع البسكويت بأضعاف ثمنها حين يترك لهم حرية دفع السعر الذي يريدونه بعد أن يلح عليهم بالشراء مبيناً لهم حاجته لبيعها قبل نهاية اليوم ليعود لأسرته ببعض الطعام بعد ساعات طويلة من العمل الشاق والتنقل بين شوارع المدن وأسواقها.
بمجرد تواجد المرء في شوارع إدلب المزدحمة سرعان ما ينهال عليه عدد من الأطفال المتسولين الطالبين للمساعدة وبشتى الطرق، ولا يكاد يرحل طفل متسول حتى يأتي طفل آخر بمشهد مؤلم بات يعكس مدى أوجاع هؤلاء الأطفال الذين شردتهم الحرب وأبعدتهم عن مقاعد الدراسة وسلبتهم أبسط حقوقهم في الأمان والتعليم والرعاية.
المرشدة النفسية فاتن السويد (٤٠) عاماً، ترى أن ظاهرة التسول التي ازدادت في الآونة الأخيرة بين فئة الأطفال هي نتيجة طبيعية لتصاعد مستويات الفقر في المنطقة والتي بلغت حداً يدفع بالكثيرين للتسول علهم يجدون ما يقتاتون به آخر اليوم.
وتضع اللوم في كل هذا القهر والبؤس الذي راح يغطي وجوه هؤلاء الأطفال البريئة على المسؤولين ومنظمات المجتمع المدني التي لا تسعى ولو بالحد الأدنى للعمل على معالجة الظاهرة من خلال تأمين هؤلاء الأطفال والعمل على إعادتهم إلى مكانهم الطبيعي وهو مقاعد الدراسة بعد تأمين احتياجات عوائلهم بمشاريع تنموية ستكون من وجهة نظرها الأكثر جدوى من المساعدات الإغاثية التي تركز عليها معظم المنظمات التي غدت قليلة ونادرة ودون فائدة على حد وصفها.
ولا توجد إحصائيات رسمية واضحة لأعداد الأطفال المتسولين بين القرى والبلدات والمدن البعيدة عن مكان إقامتهم والهادفين وراء ذلك إلى عدم التعرف عليهم والتسبب لهم بحرج اجتماعي وهو ما يحول دون القدرة على إجراء إحصاء للظاهرة، فيما ارتفعت نسبة الفقر والبطالة لتصل حد 90% تبعاً لتقديرات صندوق النقد الدولي.