‫"‬النخيل للمرأة الطفل" ثلاثة عقود من العمل للدفاع عن حقوق النساء ‬‬

عملت جمعية النخيل للمرأة والطفل بمراكش لما يناهز عن ثلاثة عقود في الدفاع عن حقوق النساء ومناهضة العنف المبني على النوع الاجتماعي، كأحد الأصوات المكافحة ضد القوانين التمييزية.

 رجاء خيرات

مراكش ـ منذ تأسيسها عام 1997 بمراكش شكلت جمعية النخيل للمرأة والطفل ملجئ للنساء ضحايا العنف من مختلف مدن الجهة، عن طريق مراكز الاستماع الموزعة عبر سبع مدن بجهة مراكش، أسفي (جنوب البلاد) وهي ورزازات، الصويرة، شيشاوة، قلعة السراغنة، أيت أورير وشيشاوة.

تستقبل جمعية النخيل للمرأة والطفل النساء ضحايا العنف وتعمل على مواكبتهن من خلال التوجيه والإرشاد القانوني وتقديم الدعم النفسي لهن، فالجمعية تعمل ضمن شبكة وطنية تجتمع بشكل دوري لتعزيز التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف، مثل شبكة "ربيع المساواة" وشبكة "أناروز" و"ربيع الكرامة"، وذلك من أجل العمل ضد القوانين التمييزية بحق النساء وتعزيز السياسات العمومية ببرامج تضمن المساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين.

وعلى الرغم من انخراط الجمعية بشكل مبكر في مناهضة العنف وكل أشكال التمييز ضد النساء، إلا أنها لازالت تواجهها العديد من الإكراهات التي تحول دون الحد من ظاهرة العنف التي لازالت في تزايد ملحوظ.

وقالت المسؤولة عن مركز الاستماع بجمعية النخيل نادية بوسوف "رغم وجود العديد من القوانين المناهضة للعنف، كالقانون 13ـ 103 إلا أن هناك العديد من الثغرات التي تشوبه، فمن خلال الحالات الوافدة إلى مركز الاستماع الذي أشرف عليه، تواجهنا العديد من الإكراهات منها ما هو قانوني ومنها ما هو سوسيوثقافي ومرتبط بشكل خاص بالثقافة الذكورية السائدة في المجتمع، هذه الثقافة التي قد تحملها حتى النساء في بعض الأحيان".

وأضافت "بعض النساء رغم تعرضهن للعنف إلا أنهن ترفضن التبليغ، وعندما نطلب منهن التوجه بشكوى للنيابة العامة، يكون الرد صادماً حيث أنهن ترفضن المضي في المسطرة القانونية، أحياناً بسبب الأبناء وأحيانا بسبب الوضع الاعتباري للزوج المعنف".

وأوضحت أن تدخل الجمعية يقتصر على تقديم الشروحات الضرورية التي يمكن أن تساعد النساء ضحايا العنف لاتخاذ قرار بالتبليغ عن جرائم العنف، انطلاقاً من الحصول على شواهد طبية تثبت تعرضهن للعنف، وصولاً إلى تقديم الشكوى، وفي حال امتنعت المعنفة عن تقديم شكواها للمصالح الأمنية (شركة، درك) خوفاً من التبعات الزجرية التي يمكن أن تلحق بالزوج، وتقوم العاملات بمركز الاستماع بشرح ما يمكن أن يسفر عنه عدم التوجه لخلية التكفل بالنساء ضحايا العنف داخل المستشفيات، وأحياناً يضطرون لإعطائها أمثلة لنساء تعرضن للعنف ورفضن أن تبلغن، لكنهن بعد ذلك اكتشفن إصاباتهن بعاهات مستديمة أو إصابات جسدية خطيرة.

وبينت أن المستمعة تلجأ إلى إقناع الناجية من العنف بالتوجه إلى خلية التكفل بالنساء ضحايا العنف للحصول على شهادة طبية تثبت تعرضها للعنف، حتى إذا ما قررت فيما بعد اللجوء إلى المسطرة القانونية ضد الزوج المعنف تجد سنداً قانونياً بحوزتها، وإذا ما عدلت عن فكرة المتابعة بحق الزوج واستوت الأمور فيما بينهما كان أفضل وكانت الوثيقة بين يديها تشهرها في وجهه كلما عاد إلى ممارسة العنف.

وأشارت إلى أن الشهادة الطبية التي يمكن أن تحصل عليها المرأة المعنفة تمثل سنداً قانونياً ضرورياً يمكنها الاعتماد عليه في جميع الأحوال لتعزيز موقفها القانوني بغية الحصول على كافة مستحقاتها، ففي حال رفع الزوج قضية تطليق للشقاق كانت الشهادة سنداً لحصولها على تعويضات عينية، وفي حال فضلت هي رفع دعوى للتطليق للشقاق قدمتها كمستند يمكن التركيز عليه لإقناع هيئة المحكمة بالحصول على الطلاق.

ليس من السهل إقناع بعض النساء ضحايا العنف أحياناً بعدم التنازل عن حقوقهن أو دفعهن إلى التبليغ، حيث ترفض العديد منهن هذا المنحى بسبب المتابعة القانونية التي يمكن أن تلحق بالزوج، باعتباره المعيل الوحيد للأسرة، أو لأسباب أخرى، تلخصها نادية بوسوف في الخوف من الانتقام.

وأوضحت أن بعض المشتكيات تتخوفن من انتقام الزوج بعد خروجه من السجن، مما يدفعهن للسكوت وعدم التبليغ رغم فظاعة الاعتداء الذي قد يطالها "مهمتنا تنحصر في تقديم الدعم والمواكبة وتوضيح ما يمكن أن يترتب عن عدم التبليغ من تزايد للعنف الذي قد يصل إلى حدوده القصوى والذي قد يفقد الضحية حياتها".

وأضافت أنه بعد جائحة كورونا "لاحظنا أن حالات العنف ارتفعت بشكل مهول، حيث تصدر العنف النفسي كل أشكال العنف، يليه العنف السوسيو ـ اقتصادي ثم العنف الجسدي فالقانوني، مع ظهور نوع جديد من العنف ويتعلق الأمر بالعنف الرقمي، خاصة في صفوف الفتيات". 

وقد خاضت جمعية النخيل تجربة خاصة من خلال مراكز الاستماع التابعة لها، حيث كانت تستمع للنساء ضحايا العنف عن بعد عن طريق رقم أخضر تم تخصيصه لفائدة النساء ضحايا العنف، بحسب ما قالته نادية بوسوف.

وأوضحت أن الأطفال لعبوا دوراً مهما خلال الجائحة، حيث كانوا يستعملون شبكة الإنترنت من أجل متابعة الدروس التعليمية عن بعد، مما مكن بعضهم للتبليغ عن حالات العنف التي تتعرض لها أمهاتهم داخل البيوت، من خلال الرقم المتوفر على الشبكة، مما مكن من الوصول إلى العديد من الناجيات من العنف.

وحول العنف الذي تعرضت له بعض النساء في المناطق الجبلية أثناء الزلزال الذي ضرب إقليم الحوز، فقد أكدت أن الجمعية كانت تعمل من خلال ثلاثة خطوط هاتفية وضعتها رهن إشارة النساء الضحايا، فالطرق كانت مقطوعة والوصول إليهن غير متاح، وهو ما عبرت عنه الضحايا بالقول "هناك زلزال طبيعي فرض علينا، ثم هناك زلزال أسري نعاني منه يومياً".

كما لفتت إلى أن بعض الضحايا طردن من بيت الزوجية ليلة وقوع الزلزال، ولم تمض إلا ساعات حتى أصبح الزوج المعنف بدوره مطروداً من البيت بسبب الزلزال "بعض المشتكيات طردن حتى من داخل الخيام التي تم تخصيصها لإيواء المتضررين، مما دفعهن بالمضي في مسطرة الطلاق، حيث أكدن أنه لم يعد لديهن شيئاً يخسرنه بعد أن تهدمت البيوت وبات الجميع في العراء". 

وشددت على ضرورة توفير مراكز لإيواء الضحايا اللواتي يتم طردهن من بيت الزوجية، خاصة اللواتي تنحدرن من مناطق بعيدة، حيث يصعب الالتحاق ببيوت أهاليهن والتي تتواجد في مناطق بعيدة، لاسيما إذا كان هناك أطفال يصعب نقلهم إلى مدارس أخرى.

وللحد من هذه الظاهرة تقترح الناشطة نادية بوسوف ضرورة وجود قوانين زجرية شاملة لردع المعنفين وتوفير الحماية القانونية للنساء المعنفات، مع توفير مراكز للإيواء، بالإضافة إلى سياسات عمومية تحد من الهشاشة والفقر والإدمان والأمية التي تشكل أحد الأسباب الرئيسية لتزايد العنف في بعض الأوساط الاجتماعية.