"العنف ضد المرأة"... سكين ينخر قلب المجتمع الجزائري
يكفي الدخول إلى أكبر المواقع المخصصة لرصد جرائم قتل النساء في الجزائر، للتأكد من اتساع رقعة العنف الجسدي والمعنوي الممارس ضد النساء
رابعة خريص
الجزائر ـ .
كشفت أحدث الإحصائيات التي نشرها موقع "ألجيري فيمينسد" عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، في نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عن ارتفاع حصيلة النساء اللواتي لم يحالفهن الحظ في النجاة إلى 45 امرأة من مختلف الأعمار، انطلاقاً من 1 كانون الأول/يناير 2020 إلى غاية كتابة هذا التقرير.
آخر القصص المأساوية التي رصدتها "ألجيري فيمينسد" والتي تشرفُ عليها مجموعة من الحقوقيات والناشطات اللواتي يناضلن في الميدان، قصة "شريفة" التي كانت في العقد الثالث من عمرها، وتعمل خبيرة للتجميل، من محافظة تيزي وزو، لقيت هذه الأخيرة مصرعها على يد زوجها.
تعود القصة المأساوية إلى منتصف تشرين الثاني/أكتوبر 2020، عندما قررت شريفة الطلاق لأن زواجها كان تعيساً، لكن بعد مُرور الوقت ولوم المجتمع لها؛ فالمطلقة في المجتمع الجزائري تُواجهُ تجارب جد قاسية ومحناً أشد من محنة الانفصال، عادت إلى زوجها من جديد، ولكن بعد تأكدها من عدم تغير حاله إلى الأفضل وعدم تخلصه من طباعه العنيدة، قررت الطلاق منه مرة ثانية، وهو الأمر الذي لم يتقبله فأنهى حياتها طعنا بالسكين ثم انتحر.
حادثة أخرى مأساوية لا تختلفُ كثيراً عن سابقتها، سوى في أن "نوال يحي" من محافظة سكيكدة، لقيت حتفها وهي حامل في شهرها الرابع على يد زوجها الذي طعنها عدة مرات على مستوى القلب ثم انتحر، وفارقت نوال الحياة برفقة جنينها، ما خلف نكسة كبيرة وسط عائلتها التي كانت تنتظر مولودها الجديد بفارغ الصبر غير أن القدر سبقها وحال دون تحقيق هذه الفرحة.
أسباب عديدة تقف وراء تفاقم اتساع رقعة العنف ضد المرأة الجزائرية من بينها القوانين والتشريعات كما أوضحت الناشطة الجمعوية دليلة حسين لوكالتنا، وذكرت بعض القوانين التي تتطلب إعادة نظر شاملة من بينها قانون الأسرة الذي تم تعديله عام 2015، مؤكدةً على أنه رغم التعديلات التي تشدد العقوبة على الرجل الذي يمارس العنف الجسدي والمعنوي ضد المرأة حتى وإن كان زوجها كما نص القانون للمرة الأولى على معاقبة التحرش، غير أنها لم تكن كافية ولم تقلص من رقعة الظاهرة على أرض الواقع بسبب صعوبة التطبيق والتزام النساء المعنفات الصمت خوفاً من الانتقام ونظرة المجتمع الدونية.
وتستدرك دلية حسين قائلةً "حتى وإن أنصف التشريع الجزائري المرأة المعنفة التي تتعرض للاعتداء خاصةً من قبل الزوج أو الأخ أو الأب أو للتحرش، يبقى غير كافياً لأن الظاهرة مرتبطة بالعقلية الذكورية المترسخة في المجتمع الجزائري، فالأنثى في ميزان الرجل هي تلك المرأة التي يجب أن تطيع الرجل سواء كان زوجها أو أبوها أو أخوها طاعةً عمياء وخاضعة لجميع قراراته من دون أي نقاش أو جدال".
وتسرد لنا دليلة حسين إحدى القصص التي لازالت تحتفظ بها في ذاكرتها، "إحدى صديقاتي المقربات جداً، تزوجت من مدمن على شرب الكحول كان يضربها لأتفه الأسباب ويمارس عليها أبشع أساليب التعذيب إلى درجة أنه يجبرها على تناول القيئ الذي تتقيؤه بعد ضربه لها".
ووفق الإحصائيات التي قدمتها الناشطة الجمعوية دليلة حسين فإن جمعية "نور للمرأة والأسرة والطفل" التي تترأسها تستقبل يومياً بين ثلاثة وخمسة نساء معنفات من أماكن مختلفة، وتؤكد أن ارتفاع حالات الطلاق نتاج طبيعي لاتساع نطاق العنف الأسري، إذ تكشف إحصائيات رسمية عن تسجيل 68 ألف حالة طلاق سنوياً بمعدل حالة كل 8 دقائق.
وفي ندوة نظمت تحت رعاية "الشبكة المؤسساتية المتخصصة في حماية المرأة" في 25 تشرين الثاني/يناير 2020، كشفت الحقوقية الجزائرية والمدافعة عن حقوق المرأة ورئيسة مركز التوثيق لحقوق الطفل والمرأة نادية آيث زاي، عن دراسة تتمحور حول التكفل بالنساء اللاتي كن ضحايا الحجر المنزلي الذي فرضته جائحة كورونا التي ضربت العالم بأسره، وحسب الدراسة التي أجريت من قبل 25 جمعية ناشطة في مجال الدفاع والتكفل بالنساء ضحايا العنف فإن 40% من النساء المعنفات لم ترفعن أي شكوى.
وتقول النائب السابق في البرلمان الجزائري وعضو سابق بلجنة الشؤون القانونية فطيمة سعيدي، إن الفئات الضعيفة من النساء والأطفال والشيوخ وحتى ذوي الإعاقات هي الأكثر هشاشةً وتعرضاً للعنف، رغم انتقال النساء في الجزائر خلال السنوات الأخيرة من مستويات الأمية ومراكز اجتماعية ضعيفة إلى متعلمات ومستوى معيشي معين ومراكز اجتماعية قوية.
وتعتقد فطيمة سعيدي إنه وبالرغم من كل الاتفاقيات والقوانين والإجراءات التي تريد الحد من ظاهرة العنف ضد النساء، غير أنها لم تعالجها بل ازدادت أشكالها وتعددت مظاهرها ولهذا أصبح من الضروري اليوم تعديل قانون العقوبات في شقه المتعلق بمعالجة العنف ضد المرأة كونه لا يعالج هذه المشكلة بل يستهدف البنية الأسرية التي يجب أن توفر لها كل أشكال الحماية والتماس.
وأكدت على أنه "لا بد من معاقبة كل من يعتدي على المرأة سواء كانت أماً أو زوجة أو بنتاً أو أختاً أو ذات رحم تربطها حقوق الجيرة والمواطنة، ولكل وضع علاج خاص به أو عقوبة خاصة به، وإن العقوبة بمقدار الردع"، مشددةً على ضرورة معالجة المشكلة بشكل صحيح، في محاولة لعدم خلق مشاكل متعددة تأثر سلباً على المجتمع كفك رابطة زوجية وتشتيت الأبناء وغيرها.
وسارت الحقوقية فطيمة سعيدي على خطى الناشطة الجمعوية دليلة حسين، بتأكيدها على أن معالجة العنف والحد من هذه الظاهرة لا يمكن أن يكون بالقانون فقط، بل لابد أن تتعدد طرق المعالجة وخاصةً عندما يتعلق بحماية الأسرة وأفرادها للحد من حالات الطلاق والخلع المتزايد في المجتمع، وكذا حالات جنوح الأطفال والهروب من البيت، والتسرب المدرسي والاختطاف والانتحار والإهمال الذي يطال المسنين والوالدين واللجوء إلى مراكز الشيخوخة ومراكز استقبال النساء.
واستناداً إلى الأرقام التي حصلت عليها مصادرنا، فإن 60% من القضايا التي تعرض في أروقة العدالة الجزائرية ناتجة عن العنف الممارس على المرأة وفي غالب الأحيان تنتهي هذه القضايا بالطلاق أو الخلع الذي شهد ارتفاعاً كبيراً في البلاد إذ كشفت وزيرة التضامن الجزائرية السابقة غنية الدالية، إن 13 ألف جزائرية خلعن أزواجهن في عام 2018، أي ما يمثل 19% من العدد الإجمالي لحالات الطلاق في البلاد.
ولفت إلى أن أغلب الأرقام المعلن عنها من طرف الهيئات الرسمية لا تعبر عن الأرقام الحقيقية، فهناك نوع من العنف نقيض العنف الشائع ويطلق عليه "العنف الصامت" وهو العنف الجسدي أو اللفظي الذي يحصل بلا ضجيج أو صوت مسموع، فالأصوات المخنوقة ترفض اللجوء إلى الأمن أو القضاء درءً للفضيحة وخوفاً من نظرة المجتمع القاسية.