المساحات الآمنة في اليمن... حماية للنساء والفتيات

في ريف تعز لا تزال تبعات الحرب تؤثر بشكل كبير على حياة النساء والفتيات، حيث تحملن على أكتافهن عبئاً مضاعفاً كالنزوح، والفقد، وزيادة العنف ضدهن، لذا تصبح المساحات الآمنة ضرورة ملحة ومحطة مهمة لإعادة بناء ما دمرته الحرب.

رانيا عبد الله

اليمن ـ القصص التي شاهدناها في إحدى المساحات الآمنة في ريف تعز جنوب غرب اليمن، تعكس حجم المعاناة التي عاشتها وتعيشها النساء، لكن استمرار هذه المساحات، خاصة في الريف اليمني، يتطلب جهوداً أكبر.

 

بدون مأوى!

"أصبحنا بلا مأوى أنا وأبنائي بعد أن تدمر منزلي في الحرب"، بهذه الكلمات بدأت فاطمة محمد حديثها، وهي إحدى النساء النازحات من القرى المجاورة لقرية "أديم" في مدينة التربة جنوب غرب اليمن.

تدمر منزلها بسبب الحرب مطلع عام 2016، وأجبرت على النزوح مع أطفالها إلى مدينة التربة، واضطرت أن تسكن في اسطبل قديم كان مخصص للحيوانات بعد أن عجزت على دفع ايجار منزلها، كل هذه الظروف القاسية فُرضت عليها بسبب الحرب "قمت بتنظيف الاسطبل الذي كان ملك لأحد أقاربي من مخلفات الحيوانات، وحاولت ترتيبه ليصبح مأوى لي ولأولادي، لعدم قدرتنا على استئجار منزل".

وجدت فاطمة محمد في المساحة الآمنة للنساء الناجيات من العنف الواقعة في مديرية الشمايتين بمدينة التربة والتابعة لمركز يمن ميديا جايد للتنمية، متنفساً لها للخروج من الضغط النفسي الذي واجهته منذ أن نزحت من منزلها "بدأت أتكلم مع المختصة النفسية، وأطرح عليها مشكلتي، وتلقيت بعض التدريبات والتأهيل، والدعم النفسي، وهنا بدأت بالتعافي قليلاً".

وبحسب تقرير لصندوق الأمم المتحدة للسكان للعام 2024 فأن نحو 80% من النازحين في اليمن البالغ عددهم 4.5 ملايين شخص من النساء والأطفال، تتولى النساء إعالة ربع عدد العائلات النازحة.

 

تجاوز الصدمة

أما سعاد ناصر "اسم مستعار" والتي فضلت عدم الكشف عن اسمها، فكانت قصتها أكثر ألماً، فحكايتها الموجعة بدأت عندما تعرضت ابنتها البالغة من العمر 12 عاماً لمحاولة اختطاف عند خروجها إلى دورة المياه في ركن باحة المنزل، ورغم نجاتها، إلا أن الصدمة تركت أثراً نفسياً عميقاً عليها وعلى ابنتها.

بتنهيدة عميقة تسرد لوكالتنا أحداث قصتها قائلة "بسبب الحرب نزحت مع أولادي إلى منزل والدي، إلا أن المنزل منعدم الخصوصية، دورة المياه بركن باحة المنزل، وفي أحد الليالي خرجت ابنتي الساعة التاسعة ليلاً لدورة المياه، وكان هناك شخص متربص بها قام بخبطها على رأسها وسحبها إلى خارج المنزل، وجرها من شعرها، لكن شاءت الأقدار أن تفلت منه بعد أن سمع أصواتنا ونحن نبحث عنها، وهي فلتت واختبأت في مكان بجوار المنزل".

وأضافت "بعد هذا الحادث أصيبت ابنتي بصدمة، أما أنا فكانت صدمتي أكبر منها، وحينها قررت الخروج من منزل والدي، ونصحتني إحدى الصديقات بالتوجه إلى المساحة الآمنة القريبة من قريتي وتلقيت مع ابنتي جلسات دعم نفسي، وتجاوزنا الصدمة قليلاً".

فاطمة وسعاد ليستا الوحيدتان اللتان استفادتا من المساحة الآمنة الكائنة في القرية، لكن القرارات الأمريكية الأخيرة حول تجميد المساعدات الإنسانية أثرت بشكل كبير على استمرار تقديم الدعم للنساء خصوصاً في الريف، وتقول فاطمة محمد "بعد انقطاع دعم المنظمات انقطع عنا دعم كان يفي ببعض الاحتياجات، وحالياً أحاول بالتعاون مع ابني توفير الاحتياجات الضرورية التي تقع كلها على كاهلي".

من جانبها تقول ريم الأديمي، مشرفة المساحة الآمنة للنساء والفتيات التابعة لمركز يمن ميديا جايد للتنمية "المساحة تقدم حزمة من الخدمات منها جلسات الدعم النفسي الاجتماعي، سواءً الفردي أو الجماعي، المساعدات القانونية، جلسات التوعية بحماية المرأة والطفل، المساعدات الطارئة، وغيرها من البرامج والتدخلات التي من شأنها خدمة النساء والفتيات الناجيات من العنف والنازحات بسبب الحرب".

وكانت المساحة التابعة للمركز تقدم خدماتها لأكثر من 250 امرأة شهرياً من بينهن ناجيات من العنف، نازحات، وأمهات فقدن معيلهن، مشيرة إلى أنه "مؤخراً بدأنا نفقد الكثير من الدعم الخارجي، خاصة بعد القرارات الأخيرة بخصوص تجميد الكثير المساعدات الإنسانية".

وبحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان فإن نحو 7 ملايين شخص في اليمن يحتاجون للعلاج والدعم الخاص بالصحة النفسية، بينما 120 ألف شخص فقط لديهم وصول مستقر لهذه الخدمات، وتسبب الأثر المتراكم للحرب والحرمان بوطأة كبيرة على الصحة النفسية لليمنيين وخاصة النساء والفتيات.

وذكرت منظمة العفو الدولية أن الوقف المفاجئ للمساعدات الخارجية من قبل الولايات المتحدة يعرض صحة وحقوق ملايين الأشخاص في اليمن الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية للخطر.