المرأة اليمنية في أبين... تحديات أمنية وغياب حماية حقوقية
عبرت الناشطة بشرى السعدي عن الوضع في أبين بأنه يمثل أزمة معقدة تتداخل فيها عوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية، مما يزيد من تفاقم المشاكل التي تواجه النساء.
هالة الحاشدي
اليمن ـ تعاني النساء في مدينة أبين اليمنية من ظروف مأساوية مثقلة بالتحديات والانتهاكات، في وقت تشهد فيه المنطقة تصاعداً في مطالبات الحقوق والمساواة.
تشهد مدينة أبين صراعات مستمرة، مما جعلها مسرحاً لعمليات التحريض التي تنفذها الجماعات المتطرفة، مستهدفة المدافعات عن حقوق الإنسان في سعيها لتشويه سمعتهن وإسكات أصواتهن، وبدلاً من أن تساهم الجهود الرامية إلى تحسين أوضاع النساء في التغيير الإيجابي، تظهر المعطيات أن المؤسسات والبرامج التي تهدف إلى تمكين النساء تتعرض لانتكاسات خطيرة، حيث تواجه حملات تحريضية تُعزز من تهميش وجودها.
أشارت بشرى السعدي، رئيسة مؤسسة "معاً نرتقي" لرعاية المرأة والطفل في مدينة أبين، إلى أن التحديات التي تواجه النساء في هذه المنطقة تتسم بالتعقيد وعمق المشكلة، وتلعب الجهات المتطرفة دوراً بارزاً في تفاقم هذه التحديات، حيث تعرضت المؤسسة سابقاً "لاعتداءات وتحريض" من بعض الأطراف الدينية المتشددة. استخدمت هذه الأطراف المنابر في المساجد ووسائل الإعلام الاجتماعية لـ "تشويه سمعة المؤسسة وإثارة الفتنة" في المجتمع.
الحاجة إلى دعم مدافعات حقوق الإنسان
وأضافت "نعمل حالياً على إيجاد سبل فعالة لحماية المدافعات عن حقوق الإنسان، ونسعى جاهدين للتعاون مع أكثر من 100 شخص يساندوننا في مهامنا النبيلة، لكن عند بدء العمل على مشروع رسومات الظل، تفاجأنا بدخول جماعات متطرفة مدعومة بقوات عسكرية، حيث قاموا بمحو جميع الرسومات التي أنشأها الفنانون والمشاركون، كما تعرضنا لخطابات تحريضية في المساجد، حيث وُصِفنا بأننا منظمات فساد، مما أدى إلى تصاعد الحملات العدائية ضدنا وأثر سلباً على جهودنا".
وأكدت أن هذه التحديات كان لها تأثير كبير على النساء في أبين، وزادت من مخاوفهن من العنف والتهميش الاجتماعي، كما تحملت العديد من العائلات إساءات للسمعة، وهو ما أثر بشكل سلبي على الفتيات اللواتي يواجهن نقصاً في فرص العمل، مما يجبر الكثيرات منهن على الانكفاء داخل منازلهن.
آثار نفسية واجتماعية خطيرة
ولفتت بشرى السعدي إلى أن "هذه الظروف تتسبب في تأثيرات خطيرة، حيث أصبح من الصعب علينا التواصل بشكل مباشر أو التحرك بحرية. تتعرض النساء للعديد من الانتهاكات، بما في ذلك العنف الجسدي والنفسي، بينما تُشن حملات تحريض ممنهجة ضدنا من قِبل الجماعات المتطرفة، وتعاني مؤسستنا بشكل خاص من هذه الحملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تم تداول صور لي ونشر كتابات تسيء إلى سمعتي بشكل متكرر. رغم أننا نعمل وفق سياسات واضحة وتجارب مثبتة، إلا أن الإساءة للسمعة لا تزال مستمرة".
وأضافت أن بعض النساء والفتيات قد تعرضن أيضاً لإساءات من المجتمع، مما أدى إلى تهميش أصواتهن وزيادة صعوبة قبولهن كجزء من المجتمع. لذا، من الضروري وضع تدابير فعالة لحماية النساء وتمكينهن من ممارسة حقوقهن بشكل شامل، واستعادة أصواتهن ورؤاهن ضمن النسيج الاجتماعي "نحن بحاجة إلى تنسيق جهودنا وتعزيز التضامن بين كافة الأطراف المعنية لنواجه هذه التحديات بشكل جماعي ونصنع التغيير الذي نطمح إليه".
دور المجتمع المحلي في مواجهة التحديات
أكدت بشرى السعدي أن النساء في الوقت الحاضر يتعرضن للإساءة في المجتمع نتيجة لعادات وتقاليد تفرض قيوداً صارمة عليهن. ورغم عدم وجود إحصائيات دقيقة تقيس حجم هذه الظاهرة، إلا أن الواقع يكشف معاناة العديد من النساء التي تتجلى في آثار نفسية جسيمة، مثل الاكتئاب والانطواء "أنا واحدة من النساء اللواتي واجهن مواقف مشابهة، حيث يتم تناول هذه القضية غالباً فقط بعد ظهور آثارها السلبية".
وأشارت إلى تفاقم هذه الآثار النفسية، حيث تتعرض المرأة لمشاكل تعزز انسحابها من الأنشطة الاجتماعية التي كانت تشارك فيها بشغف، فبعد أن كانت ناشطة وفاعلة، أصبحت تعاني من صمتٍ وتجنّبٍ للظهور، وتفكر طويلاً قبل المشاركة في أي نشاط قد يعرضها للخطر الجسدي.
تعاني مدينة أبين من عدم وجود حالات بارزة للناشطات، مما يعيق تسليط الضوء على تلك القضايا، فإن الضرر النفسي الواقع على النساء كبير، ونتائجه تتفاقم مع مرور الوقت.
وفسرت بشرى السعدي دور المجتمع المحلي في التصدي للعنف ضد النساء بأنه موجود ولكنه ضعيف للغاية. يعود هذا الضعف إلى هيمنة العادات والتقاليد الذكورية، مما يمنع وجود رأي قوي للمجتمع في مناهضة العنف أو دعمه الفعّال لحماية النساء من التخويف "نلاحظ حالياً زيادة في عدد الانتهاكات، مما يدل على عجز المجتمع المحلي عن مواجهتها بشكل كاف".
بالإضافة إلى ذلك، وفيما يتعلق بالوضع الأمني في أبين، فإن وجود القوات والجماعات المسلحة المتعددة، إلى جانب الأطراف السياسية المختلفة، يزيد من تعقيد الأمور. إذ لا يسهم الوضع السياسي الراهن في توحيد الجهود الأمنية، مما يعيق قدرة النساء على التنقل بحرية للوصول إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية.
التحديات الأمنية وتأثيرها على النساء
وعلى الرغم من قرب بعض المراكز في المدينة، فإن النساء في المناطق النائية يواجهن صعوبة كبيرة في الوصول إليها بسبب المخاطر الأمنية المتزايدة "هناك العديد من القصص التي تعكس هذا الواقع الأليم، ونحن كنا من الضحايا. هذه المخاطر تُسبب شعور بالخوف والقلق، مما يؤثر سلباً على حركة النساء وتصرفاتهن وأنشطتهن اليومية"، على حد تعبير بشرى السعدي.
كما يجب ضرورة أخذ جميع هذه المعطيات بعين الاعتبار، فقد بدأ سلوك النساء بالتغير في ظل هذه الظروف القاسية، حيث لجأت بعض النساء غير المنقبات إلى التنقب كوسيلة حماية "إن جميع هذه التغيرات تعكس تأثير التطرف على المجتمع، وتؤكد على الحاجة الملحة للعمل من أجل تأمين بيئة أكثر أماناً للنساء وتمكينهن من الاستمرار في ممارسة حياتهن بشكل طبيعي".
ضرورة دعم حقوق النساء
وقالت بشرى السعدي إنه يجب على المرأة أن تكون على دراية كاملة بحقوقها، وما لها من حقوق وما عليها من واجبات، مضيفةً أنه ينبغي أن يتوفر دعم قوي لمناصرة حقوق النساء، ويتوجب على الرجال أن يكونوا حلفاء رئيسيين في هذه الجهود "إذا كان القانون غير قادر على حماية حقوق النساء بشكل كامل، فإن ذلك يمثل مشكلة كبيرة تواجه المجتمع. ورغم أن الجميع يتحدث عن حقوق النساء، إلا أن الواقع اليوم يتجاوز ما تعززه تعاليم الإسلام والتشريعات الداعمة لحقوق المرأة، مما يستدعي الالتزام الجاد بتلك التشريعات، كما يفترض أن يسهم المجتمع الدولي في تقديم الدعم والمساندة في هذا المجال".
وأشارت إلى أن "جهودنا تستند إلى الاتفاقيات الدولية مثل قرار 1625 وغيرها من القرارات التي تدعم وجود النساء ومساندتهن في مكافحة التطرف ومنع الانتهاكات"، موضحة أنه توجد برامج عامة تتعلق بالعنف ضد النساء، إلا أن المؤسسات التي تقدم الدعم المالي أو النفسي لا تزال قليلة جداً "نحن في مؤسستنا نقدم دعماً نفسياً وهناك جهات أخرى تقدم الدعم القانوني، لكن هذا الدعم لا يزال غير كافٍ، وينطبق ذلك على الانتهاكات بشكل عام"، مشددة على ضرورة أن تكون هناك برامج مخصصة للمدافعات عن حقوق الإنسان، حيث إن الناشطات هن خط الدفاع الأول في مجال حماية النساء.
وأضافت أنه "نصر أهمية هذا الموضوع، حيث نقدم دعماً نفسياً كخدمة مجانية تهدف إلى تعزيز رفاهية المرأة. ومع ذلك، نواجه تحديات في تشجيع النساء على الإسهام في صنع القرار، "مشيرة إلى أنه يتعين تفعيل وتطبيق القوانين التي تعزز حق المرأة في التواجد بمراكز صنع القرار "نأمل أن تستثمر النساء أنفسهن في دعم أخريات ليكن صانعات قرار، وأن يشاركن في مختلف أنشطة الحوار والسلام والمجالات السياسية".
وأوضحت أنه ما زال الرجال يسيطرون على مراكز صنع القرار، ويبدو أن الحديث عن المشاركة السياسية يظل على الهامش في ظل ضعف الإمكانيات، لكن اليوم، هناك نهضة كبيرة بين النساء، مع وجود مجموعة من الخبرات المتفوقة وتاريخ غني في القيادة لذا، من المهم دعم النساء لتعزيز مشاركتهن السياسية وزيادة تواجدهن في مراكز صنع القرار.
وبصفتها ناشطة في مجال الحقوق المدنية، قالت بشرى السعدي "يبدو وضع النساء اليوم شكلياً أكثر من كونه فعلياً، بمعنى أنه رغم تواجد النساء في مراكز صنع القرار، فإن وجودهن غالباً ما يكون غير قادر على إحداث تأثير فعلي، مع استمرار الهيمنة للرجال".