'المراسيم القمعية جاءت في فترات استثنائية ويجب إلغائها لتهديدها حرية التعبير'
برغم من أن المرسوم 54 قد جاء في ظرف استثنائي وفراغ برلماني وكان من المفترض أن يتم إلغائه بعد تنصيب البرلمان إلا أنه لا زال موجوداً ويُحاكم وفقه التونسيون وسط غضب وتنديد واسعين.
تونس ـ لاتزال المخاوف من المرسوم 54 الذي قيّد حرية الإعلام والتعبير والرأي مستمرة، فهذه المراسيم التي جاءت في فترة استثنائية مرت بها تونس وكان من المفترض الغائها بعد تنصيب البرلمان لازالت قائمة لا بمفردها بل مع محاكمات يومية وإيقافات وتحقيق مع إعلاميين وصحفيين وسياسيين بتهم الثلب عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو النقد عبر منابر إعلامية.
أثار إيقاف الشاب رشاد طمبورة وهو رسام غرافيتي حُكم بسنتين سجناً بعد تعبيره عن رأيه بخصوص قضية سياسية على صفحته الخاصة بالفيسبوك وبطريقته، الغضب الواسع خصوصاً بعد سوء حالته الصحية، وأُطلقت حملة مساندة له مفادها "رشاد فنان مش مجرم"، ويبدو أن هذا المرسوم المقلق للصحفيين/ت وكل الرأي العام سيبقى قائماً دون إلغاء أو حتى إجراء تعديلات.
واعتبرت الناشطة النسوية، رجاء الدهماني أن الثورة أعطت الأمل للتونسيين للعيش في بلد حر وديمقراطي ومختلف، تطرح فيه القضايا الأكثر تطوراً من أجل الوصول إلى أعلى مستوى لتطبيق المساواة التامة والعدالة الاجتماعية لكن الصدمة كانت مع السياسات الحالية التي كبّلت النشطاء والناشطات والمجتمع التونسي بكل هذه القوانين المسقطة وهذه المراسيم التي تم نشرها في فترة الفراغ البرلماني على غرار المرسومين 54 و88، اللذين يمثلان خطراً على المجتمع.
وأشارت إلى أن "المرسوم54 بات آلية لقمع حرية الرأي والتعبير، هو في ظاهره جاء لحفظ الأشخاص من الثلب والتشهير وحماية الحريات وعدم التعدي عليهم في مواقع التواصل الاجتماعي، لكن ما يحصل عكس ذلك، حيث أصبح أداةً لتكميم الأفواه وسجن الأشخاص وإيقاف من يعبر عن رأيه عن أي قضية كانت، وقد بات مجرد انتقاد النظام السياسي تهمةً أو ذكر اسماء وزراء قد يحمل صاحبه إلى السجن، وهو أمر خطير وغير مسبوق في بلد الثورة التي كانت حرية التعبير أبرز هداياها بعد عقود من الاستبداد".
واعتبرت أن المساس بحرية التعبير خط أحمر في تونس التي كانت تحتل المراتب العالمية المتقدمة في العالم من ناحية حرية الرأي والتعبير باتت اليوم منتهكة ومسجلة تراجعات مخيفة، لافتة الى أن ذلك المكسب كان نتيجة نضالات لتحقيق ذلك الحلم الذي بات مستهدفاً بمراسيم عشوائية.
وأوضحت أن "المرسوم 54 الذي يحاكم به شباب تونس اليوم ونساءها ومختلف الشرائح أسقط 12عاماً من عمر حرية التعبير وأعادنا إلى ما قبل ثورة 2011 زمن الديكتاتورية، وكأن المجتمع المدني والسياسي لم يناضلا وكأن الدماء لم تسكب من أجل الحرية والعيش بكرامة ضمن بلد يؤمن بالحريات والتعددية، دماء سالت من أجل الكرامة وحرية التعبير والخبز والحياة اللائقة، واليوم باتت مواقع التواصل الاجتماعي حجة ضد المواطن التونسي وهو مالا يمكن قبوله".
وتطرقت إلى ظروف الإيقاف في مركز بوشوشة (مركز إيقاف بالعاصمة تونس قبل إحالة المتهم إلى السجن) والتي وصفتها بالمأساوية وغير الإنسانية "شكاوى كثيرة وردت إلينا بمركز الاستماع لضحايا العنف بالجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات عن مأساوية ظروف الإيقاف، عشرات في غرفة ضيقة جداً وحمام في الوسط والطعام غير صحي، فضلاً عن إطالة مدة الإيقاف دون سبب يذكر، تحت أي بند هذا؟ تحت أي قانون واتفاقية؟، أين هي المواثيق الدولية التي صادقت عليها تونس التي تحترم الإنسانية، أين الدستور التونسي الذي برغم التحفظ عليه آمنا أنه دستور بلادنا ويجب احترامه وفيه باب الحريات التي تعتبر نتاج الثورة، وفيه إثبات لحقوق الإنسان ودعوة لتطبيقها، لكن على أرض الواقع لا نجد شيئا، ماذا يعني أن يتم إيقاف نساء والتنيكل بهن دون أكل وشرب وفي ظروف مؤذية؟ ماذا يعني أن تضع أربعين شخصاً في غرفة ضيقة دون فصل بينهم، تجد المعنف والقاتل والمجرم وتاجر المخدرات وغيره في نفس المكان".
ودعت إلى احترام الشخص أثناء إيقافه والابتعاد عن منطق التنكيل بالموقوفين/ات، وتوفير الظروف الملائمة لهم دون تشفي، مشيرة إلى أن نساء توجهن للجمعية وتحدثن عن ظروف ايقافهن لأسباب غير مبررة في بلد مُوقع على الاتفاقيات الدولية لاحترام الإنسان بغض النظر عن جريمته.
وتطرقت إلى المرسوم 88 الذي تدعو السلطة إلى تنقيحه، الأمر الذي يضيق العمل على نشاطات الجمعيات، حيث صدر المرسوم رقم 88 ـ2011 بتاريخ 24 أيلول/سبتمبر 2011 في أعقاب ثورة 2011 ليمثل تقدماً كبيراً في مجال حرية تكوين الجمعيات في تونس.
ويوفر هذا المرسوم في شكله الحالي حماية واسعة النطاق، على مستوى تأسيس الجمعيات وحقها في تلقي تمويل دون ترخيص حكومي ومنع تدخل الحكومة في نشاطها.
والجدير بذكره أن الحكومة التونسية لم تقترح إلى حد هذا التاريخ أي تعديلات بصفة رسمية ولم تؤكد عزمها على مراجعة المرسوم 88 – 2011، إذ تم إشعار منظمات الحكومة من خلال تسريب مشروع التعديل إليها.