المهاجرون من جنوب الصحراء نحو تونس... معاناة وعنصرية وإقصاء
رغم توقيع تونس على اتفاقيات دولية ومعاهدات تضمن حقوق المهاجرين/ات واللاجئين/ات، إلا أن الالتزام بتوفير أبسط حقوق هؤلاء لازال بطيئاً نتيجة الوضع الاقتصادي المنهك وعدة عوامل أخرى.
زهور المشرقي
تونس ـ لا تزال مسألة المهاجرين/ات من أفريقيا جنوب الصحراء تثير الجدل والانقسام في تونس، بين داعمين لهم ورافضين لوجودهم ومطالبين بترحيلهم بصفة عاجلة، أمام تجاهل للاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي وقّعت عليها تونس منذ القرن الماضي.
تلزم الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها تونس حماية المهاجرين/ات من أفريقيا جنوب الصحراء من العنف والعنصرية وتوفير متطلبات الحياة الأساسية لهم كالمأكل والمسكن وتوفير الرعاية الصحية المجانية، ما لم تتوفّق السلطات في توفيره، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة علاوة على الانسياق وراء آراء شعبوية تجهل تلك الاتفاقيات.
وقد وردت تقارير صحفية أفادت بتعرض المهاجرين/ات للعنف والاعتداءات سواءً من قبل قوى الأمن أو الشعب التونسي أنفسهم، وحذرت المنظمات الحقوقية من استمرار موجة العنصرية تجاه هؤلاء ونقلهم إلى مناطق صحراوية في ظل الظروف الصعبة مناخياً.
وحول ما يعانيه المهاجرون/ات تقول عتيقة العامري الصحفية المعنية بتغطية أوضاع المهاجرين/ات واللاجئين/ات وطالبي اللجوء من أفريقيا جنوب الصحراء، أن تغطية مثل هذه القضايا بات واجباً أخلاقياً مع ضرورة إضفاء البعد الإنساني الحقوقي عليه دون الانحياز إلى طرف ما، لاعتبار أن هذه المسألة إنسانية قبل كل شيء.
وأفادت بأن ما عاشته جهة صفاقس من عنف متبادل بين السكان المحليين والمهاجرين/ات، خاصةً بعد مقتل شاب تونسي على يد أفارقة من جنوب الصحراء مرعب، برغم أنّ القضية لا تزال في مسارها القضائي، وفي خطوة تالية جرى تجميع الأفارقة ونقلهم في حافلات إلى مراكز الأمن، ما أدى إلى تبادل العنف وسجلت اعتداءات من السكان الأصليين على المهاجرين، إضافةً إلى تهجيرهم من المنازل التي يستأجرونها، وتجميعهم بالمئات في شوارع المدينة، حيث بلغ عددهم 1500 شخص.
وأشارت إلى أن المهاجرين/ات غير النظامين تحدثوا عن تعرضهم لاعتداءات، وكشفوا عن تعرض مهاجرة من بينهم للاغتصاب "جرى احتجاز المهاجرات مع المهاجرين الرجال ولم يتم توفير مكان يجمعهن وأطفالهن بمفردهن"، لافتةً إلى أن البعض من الأهالي تضامنوا وقدموا المساعدة للمهاجرين/ات بعد إخراجهم من المنازل التي يستأجرونها وفصلهم عن عملهم.
وعن الاحتجاج الذي قاموا به، أوضحت أن اللاجئين والمهاجرين طالبوا بالحرية وبالعودة إلى منازلهم وعبروا عن رفضهم لعملية نقلهم إلى المناطق الصحراوية الحدودية لترحيلهم "حوالي30 لاجئة ولاجئ تم إيوائهم بمكان خاص لمساعدتهم في الوقت الذي تعمل فيه المنظمات المعنية بتسجيلهم لتسوية الوضعيات".
وبخصوص ما يروج حول الطرد الجماعي للمهاجرين/ات وأنباء عن تعكر الحالة الصحية لبعض المرحّلين إلى الصحراء، وتأثيره على صورة تونس في الخارج في وضع حرج تعيشه، تقول "الإجراءات التي تتخذ والمشهد برمته يمس من صورة بلادنا وهذا الطرد الجماعي وفق وصف المنظمات الحقوقية ووضعهم في الصحراء يمثّل خطورة على هؤلاء، وهو انتهاك كوني وفق وصف هيومن رايتس ووتش".
وأوضحت أنه "من الجيد أن مختلف المنظمات في تونس وخارجها تكاتفت من أجل دعمهم وتقديم العون وإيجاد الحلول العاجلة لإنقاذهم، ولا أعتقد أنّ ما يحدث اليوم بخصوص أزمة المهاجرين سيؤثر على القرض المرتقب من صندوق النقد الدولي لتونس لأن ذلك يدخل في إطار اقتصادي، وشروط اقتصادية بحتة تتمحور حول رفع الدعم عن المحروقات".
وأشارت إلى توقيع تونس على اتفاقيات دولية متعلقة بالهجرة واللجوء على غرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يشمل حق الهجرة والتنقل من بلد لآخر، يجعلها مطالبة بحماية المهاجر واللاجئ وتوفير متطلباته، مؤكدةً أن الحديث عن توطين هؤلاء في صفاقس مثلا بات هاجساً يتناقله السكان هناك وقد تبنى الفكرة حتى السياسيين الذين نددوا بوجود المهاجرين/ات هناك وعمقوا فكرة المطالبة بترحيلهم عاجلاً، خاصةً بعد التدفق الكبير من هؤلاء على الجهة.
وتحدثت مصادر أمنية عن ضبط أكثر ثلثي مهاجر غير نظامي ما بين سواحل صفاقس والمهدية وهم في عمليات هجرة غير نظامية من بينهم حوالي 30 ألف من أفارقة جنوب الصحراء.
كما تحدثت تقارير عن دخول أغلبية المهاجرين/ات من أفريقيا جنوب الصحراء بطرق قانونية ما يطرح تساؤلات عن هذا العدد الكبير القادم إلى تلك الجهة، وعلاقة الأمر بشبكات تسفير أو تجارة بالبشر وهو ما يعمق خوف الأهالي مع تبني فكرة التوطين.
وعن وضعية المهاجرات واللاجئات، أكدت عتيقة العامري أن هناك مساعي من قبل منظمة اللاجئين في تونس لمساعدة اللاجئات من السودان اللواتي يقمن بفضاء للأسرة والطفل في الجهة ويتراوح عددهن ما بين الـ 25 ـ 30 امرأة، جرى نقلهن إلى مكان خاص لحمايتهن وتوفير المأوى لهن كلاجئات وطالبات لجوء.
وعن المساعدات أفادت بأنها اقتصرت على المواد الطبية وبعض الأساسيات، كما تدخلت منظمات حقوقية تونسية ومواطنين لتقديم المساعدة، التي تظل غير كافية ومنقوصة، في ظل الظروف الصعبة الحالية وارتفاع درجات الحرارة.