المهاجرات في تونس... العنصرية تلاحقهن (2)

رغم مساعي تونس لتأمين حقوق اللاجئين والمهاجرين، وتوقيعها على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالهجرة، إلا أن الحقوقيون ظلوا ينتقدون تقاعس السلطات في تنفيذ تلك القوانين والالتزامات المتعلقة بتسهيل اللجوء والعناية بالمهاجرين

زهور المشرقي 
تونس ـ والإحاطة بهم وتوفير الحد المطلوب لحفظ وجودهم وكرامتهم، لا سيما أن غالبيتهم لا يتمتعون بالأوراق القانونية التي تسهل عملهم أو تمتعهم بالتغطية الاجتماعية والصحية وغيرها.
يعتبر وضع النساء المهاجرات واللاجئات بتونس الأصعب، حيث ظلت هذه الفئة الهشة تتعرض لنظرة دونية وممارسات عنصرية، في حين لم يتم إرشادها إلى القوانين المجرمة للعنصرية ما جعل وضع كثير من المهاجرات محاطاً بالخوف المتواصل بين تلقي الإهانات والإحجام عن التبليغ عما يتعرضن له خشية عدم إنصافهن أو تجنباً للترحيل. 
وقد توالت حوادث الاعتداء على المهاجرين خاصةً أولئك القادمين من بلدان جنوب الصحراء سواء للدراسة في الجامعات التونسية، أو هرباً من الحروب وأعمال العنف أو سعياً وراء الهجرة إلى الضفة الشمالية للبحر المتوسط.
وأمام تصاعد نسق تلك الممارسات، ظهرت منظمات عديدة في تونس انبرت للدفاع عن المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء، والضغط باتجاه ضمان حقوقهم واحترام كرامتهم، ومن بينها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومنظمة "تونس أرض اللجوء".
تقزيم أصحاب البشرة السوداء 
 
 
وللتعرف على تفاصيل هذا الملف الشائك، التقت وكالتنا برئيسة جمعية "منامتي" سعدية مصباح، مستهلة حديثها بالإشارة إلى أن جمعيتها تسعى بإمكانياتها المحدودة منذ تأسيسها إلى تغيير العقلية البالية التي تقزم أصحاب البشرة السمراء سواء من التونسيين أو القادمين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء نساءً ورجالاً، معتبرةً أن انخراطها في مواجهة تلك المعاملات اللاإنسانية هو مشروع فتي للحدّ من الثقافة العنصرية التي لم يكن ممكناً بالأمس التطرّق إليها وكانت من التابوهات المسكوت عنها.
وأفادت بأن أبرز أشكال العنف التي تتعرض لها الإفريقيات في تونس هي المضايقات والإهانات والاعتداءات اللفظية والمادية والتحرش وعدم حصولهن على الخدمات الاجتماعية أو الصحية، إلى جانب تفنن أصحاب المهن والمؤسسات الخاصة في استعبادهن إلا ما ندر، واستغلالهن بصورة بشعة في الأعمال الموكلة إليهن، على غرار العمل أكثر من ثماني ساعات مقابل أجر زهيد.
وحذّرت من تواصل الانتهاكات ضد صاحبات البشرة السمراء في صورة عدم التصدي لهذه الممارسات الشنيعة وخاصة ضد الإفريقيات اللواتي يؤثرن الصمت والصبر بدل الإبلاغ عما يواجهنه أو مقاضاة معنّيفهن بسبب عدم تمتعهن بالوثائق القانونية أو عدم معرفتهن بالجانب القانوني.
تونس كانت سبّاقة ولكن!
وبالرغم من أن تونس كانت السباقة تاريخياً في إلغاء قانون الرق وتجريم العنصرية منذ عام 1846، إلا أن العنصرية والثقافة السائدة ضد أصحاب البشرة السوداء لاتزال تعشش في أوساط المجتمع، وهو ما أكدته سعدية مصباح التي طالبت المجتمع المدني بأهمية وجود يوم خاص يخلد يوم إلغاء قانون الرق، رغم تيقنها أن القوانين والتشريعات وحدها لا تكفي لأن التغيير الحقيقي يبدأ بتطوير العقلية عبر برامج تنطلق من المؤسسات التعليمية من المدرسة وصولاً إلى الجامعة إلى جانب دور الإعلام في نشر ثقافة العيش المشترك والتعايش مع كافة الأشخاص رغم الاختلاف في اللون أو العرق أو المعتقد، انسجاماً والتزاماً بالقانون الإنساني والمواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
تقصير الدولة
وبخصوص مدى تقصير الدولة في محاربة الفكر العنصري، أوضحت سعدية مصباح أن "الدولة غائبة تماماً وتسوق لعدم وجود عنصرية ضد السود بتونس، حتى لا تُتهم بخرق تعهداتها الدولية، وهذه مأساة في حد ذاتها".
ونددت بضعف بسط نفوذ الدولة في تطبيق القوانين التي تجرم العنصرية، وحثت المسؤولين ومنظمات المجتمع المدني على تضافر الجهود وتجسيد التزامات تونس بالمواثيق الدولية لتحسين وضعية المهاجرات حتى يعشن في طمأنينة وظروف طيبة.
بدورها تقول مديرة جمعية "تونس أرض اللجوء" شريفة الرياحي، أن الجمعية هي في الأصل فرع من جمعية "فرنسا أرض اللجوء" وقد استقرت في تونس عام 2012، عقب التوترات والأحداث المؤلمة التي عاشتها ليبيا عام 2011، حيث لجأ عشرات الآلاف لتونس هرباً من الحرب التي كانت دائرة هناك، "أدركت الجمعية آنذاك أن هؤلاء بحاجة لها ولدعمها، وقد عملت في البداية على تجميع جهود المجتمع المدني ثم أنجزت مشاريع تعنى بالإحاطة الاجتماعية والقانونية بالمهاجرين والمهاجرات، وتم فتح مكتبين بالعاصمة تونس وبمحافظة صفاقس، وتضاعفت مسؤولياتنا اليوم على اعتبار أن تونس أضحت بلد استقرار لأعداد كبيرة من هذه الفئة".
 
 
واعتبرت أن الانتهاكات والتجاوزات الحاصلة لا تترك مجالاً لكي تظل قضية المهاجرات والمهاجرين منسية، أو متغافلاً عنها، لافتةً إلى أن القضية مكشوفة ولم تعد محل تجاهل أو إنكار، مشددةً على أن المشكلة تكمن في غياب قانون يؤطر وضعية اللاجئين والمهاجرين في تونس بينما نرى في المقابل ارتفاع أصوات الإدانة والاستنكار إزاء بعض الممارسات التي يتعرض لها المهاجرون التونسيون في إيطاليا وبعض البلدان الأخرى. 
وذكرت بتوقيع تونس على الاتفاقيات الدولية الخاصة بصون حقوق اللاّجئين والمهاجرين والمهاجرات، مشيرةً إلى أن البلاد لم تعتمد بعد قوانين تتماشى مع تلك الاتفاقيات الخاصة بحمايتهم، منتقدةً تذرع السلطات بعدم وجود إمكانيات للإحاطة بهذه الفئة ودعمها اجتماعياً، منوهةً إلى أن "طالب اللجوء يشعر بأنه محجوز في تونس بسبب افتقاره جواز السفر بصفته لاجئاً يمكنه من التنقل نظراً إلى عدم وجود قانون لجوء بتونس إلى حد الآن".
وعبّرت عن أسفها لعدم قدرة المهاجرات على العمل في إطار قانوني وتسوية وضعيتهن فضلاً عن تعدد أشكال العنف والانتهاكات في الإدارات والمرافق الأساسية، داعيةً إلى وضع برامج واسعة للتوعية والإرشاد.
ونوهت إلى أن "النساء بصفة عامة يُعتبرن الفئة الهشة التي تتعرض لمختلف الانتهاكات، فما بالك بالمهاجرات اللواتي يتعرضن لمثل تلك الانتهاكات بصفة مضاعفة وغالباً ما يقعن فريسة للاستغلال الاقتصادي والإتجار بالبشر والتحرش الجنسي، إلى جانب مرارة الشعور بالغربة في محيط غالباً لا يجدن فيه من ينصفهن أو يسندهن، حيث تعرّضت أكثر من200 مهاجرة للإتجار بهن عام 2021".
وعن أهمية انخراط المجتمع المدني في جهود مكافحة العنف ضد النساء والفتيات المهاجرات، أوضحت أن "المشكلة الأبرز والأكثر تعقيداً تتمثل في أوضاع القاصرات اللواتي يُعتبرن تحت إحاطة الدولة التونسية ومؤسسات حماية الطفولة، لكن يصعب توفير مراكز لإيوائهن في حالة التعنيف والاعتداء فيقع إيواؤهن في إقامات لجمعيات تعنى بالنساء المعنفات، حيث تغيب هناك الإحاطة الخاصة بهن لعدة اعتبارات كالشعور بالغربة في هذا الوسط ومشكلة اللغة والتواصل".
التحسيس طريق إلى تغيير العقليات
وعن الخطط الحالية والمستقبلية لتحسيس السلطة وصناع القرار بخطورة استمرار العنصرية والانتهاكات لحقوق المهاجرين والمهاجرات، تقول "هناك حملات تحسيسية موجّهة للتونسيين وعادة ما تكون بالشراكة مع الإعلام، إضافة إلى حملات المناصرة مع جمعيات المجتمع المدني وأعضاء البلديات ومجلس النواب وممثلي الدولة والإدارة والوزارات، عبر مسارين يتمثل الأول في عقد اجتماعات متبادلة مع العديد من ممثلي المؤسسات الرسمية والشعبية للاعتناء بالمهاجرين وخاصةً المهاجرات والوقوف على حقيقة الأوضاع، والثاني تنظيم دورات تكوينية للعديد من الأشخاص بمن فيهم ممثلون عن المجتمع المدني والمؤسسات العمومية إلى جانب الصحفيين للتعريف بالقوانين التي تعنى بالمهاجرين وطالبي اللجوء من الجنسين.
وعن مدى وعي المهاجرات بتلك القوانين تقول شريفة الرياحي أن جمعية "تونس أرض اللجوء" تعمل على تجميع العشرات من المهاجرين والمهاجرات وطالبي اللجوء في دورات تدريبية لشرح القوانين وفهمها حتى يدركوا أن هناك قانوناً يحمي الجميع وجهات قانونية ومنظمات إنسانية يمكن الاستناد واللجوء إليها، مذكّرة بأن تونس أصدرت خلال السنوات الأخيرة ثلاث قوانين مهمة تخدم المهاجرين واللاجئين نساءً ورجالاً، إحداها قانون منع الاتجار بالبشر وكذلك قانون مكافحة العنف عدد 58، بالإضافة إلى قانون مكافحة التمييز العنصري "هذه التشريعات تشمل جميع الأشخاص تونسيين ومقيمين ومهاجرين، وقد بادرت الجمعية بالقيام بحملات واسعة لتفسيرها وتوعية المهاجرات بمحتواها بصفة مباشرة أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي".
وشددت مديرة جمعية "تونس أرض اللجوء" شريفة الرياحي في ختام حديثها "لا نزال على عهدنا برفع راية الدفاع عن حقوق الإنسان ورفع الغبن والاستغلال ضد المهاجرات بصفة خاصة في بلدنا".