المغرب... محاميات تطالبن بالمساواة والمناصفة في الهياكل التنظيمية
أكدت رئيسة تنسيقية "محاميات من أجل المناصفة" عائشة كلاع على غياب مبدأ المساواة والمناصفة في مهنة المحاماة، الأمر الذي يعيق وصول المحاميات إلى مراكز صنع القرار.
رجاء خيرات
المغرب ـ تطالب محاميات مغربيات بالمساواة والمناصفة من خلال تنسيقية أطلقن عليها اسم "محاميات من أجل المناصفة"، على إثر التراجع الكبير في تمثيلية المحاميات داخل الهياكل التنظيمية لمهنة المحاماة.
قالت المحامية بهيئة الدار البيضاء ورئيسة التنسيقية عائشة كلاع أن ضعف تمثيلية المحاميات البالغ عددهن 16 محامية ضمن 17 هيئة بالمغرب، هو دليل قوي على عدم مواكبة مهنة المحاماة للتطور الذي شهد البلاد خاصة في دعمها تمثيلية النساء في جميع المجالات.
وأوضحت أنه عقب الاستحقاقات المهنية الأخيرة التي تم فيها انتخاب نقباء ومجالس هيئات المحامين، قامت التنسيقية بإصدار بلاغ يلقي الضوء على ضعف التمثيلية النسوية في هذه الهياكل، ويطالب بالمساواة والمناصفة، لافتة إلى أن "الهدف من التنسيقية هو الدفاع والترافع من أجل تحقيق تمثيلية مناسبة للمحاميات بمختلف هيئات المحامين، كوننا أيضاً أمام مشروع قانون متعلق بتنظيم مهنة المحاماة والذي سيعرض على البرلمان خلال الأيام المقبلة لمناقشته والمصادقة عليه".
وبينت أن لقاءاً سابقاً جمع عضوات التنسيقية بوزير العدل المغربي للتعريف بأهداف التنسيقية وللتنصيص على مبدأ الكوتا في مشروع القانون، فعندما يتعلق الأمر بتمكين المرأة في اتخاذ القرار يتم إقصاءها بشكل تمييزي على الرغم من الجهود التي تبذلها المحامية في الشق المهني إلى جانب المحامي بشكل متساو في جميع مجالات المهنة سواء في تمثيل المتقاضين أو في أداء الضرائب أو تشغيل اليد العاملة، مؤكدة أن الوضع الذي تعيشه المحامية اليوم يعكس نوعاً من التراجع الفكري والمهني، حيث تمارس في الاستحقاقات سلوكيات بعيدة كل البعد على نبل مهنة المحاماة ومكانة المحامي/ة داخل المجتمع.
ونددت بالعقلية الذكورية المسيطرة على المهنة والتي انعكست بشكل واضح على نتائج الاستحقاقات الأخيرة، كما تم الطعن بقرار نقيب هيئة المحامين بمدينة أغادير، المطالب بتطبيق مبدأ الكوتا في الانتخابات المهنية، وقد استجابت المحكمة لهذا الطعن الذي قدمه أحد المحامين بذات الهيئة إلى غرفة المشورة بمحكمة الاستئناف، حيث من المفترض أن يمثل المحامين/ات المدافعين عن الحقوق والحريات، إلا أن العديد منهم يواجهون عوائق أمام رفع تمثيلية المحاميات داخل الهيئات.
وأوضحت أن "التنسيقية اتجهت نحو تشخيص الوضع فالمحاميات يتصدرن المراتب الأخيرة في عملية التصويت بسبب مشاكل الترشيح التي تقصي المحامية من تدبير المهنة بالشكل الذي يدبرها المحامي"، لافتة إلى أنه على مدى تاريخ مهنة المحاماة في المغرب لم تشغل أي محامية منصب نقيبة لهيئة المحامين، متسائلة فيما إذا كان ذلك هو إنكار لكفاءة المحاميات، على الرغم من أن العديد منهن لهن تجارب سياسية واجتماعية داخل الهيئات التي تعنى بالدفاع عن الحقوق والحريات، ويمتلكن الكفاءة في تدبير الشؤون المهنية كنقيبات وعضوات داخل المجالس".
وأضافت "تم إصدار بلاغ للدفع في إطار الترافع من أجل تقنين هذه الوضعية وتنظيمها ورفع الحيف عن المحاميات، من خلال آلية الكوتا التي تعتبر إجراء انتقالياً، وقد أعطت نتائج إيجابية في مؤسسات أخرى كالبرلمان والتنظيمات وكذلك المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وبالتالي فإن قانون مهنة المحاماة الذي تم إصداره سنة 2008 متخلف عن دستور 2011 الذي ينص على المساواة والمناصفة".
وبشأن ضعف ترشيح المحاميات لمنصب النقيب أو عضوية المجلس، أرجعت عائشة كلاع الأمر لعوامل سوسيو ثقافية حيث لازالت الأدوار تقليدية داخل المجتمع فالمحامية كمثيلاتها من النساء العاملات تحمل على عاتقها دورها المهنية ومسؤولياتها الأسرية، كما يفرض عليها أن تنبى القضايا الأسرية أو الملفات ذات البعد الاجتماعي بعيد عن قضايا الجنح أو الإدارية والتجارية، كما أن العقلية الذكورية السائدة ونوعها الاجتماعي تقف عائقاً أمام ضلوعها في العديد من المجالات والمهن، ففي أحيان كثير يتم توكيل محامي بدلاً من محامية وهذا يندرج ضمن الموروث الثقافي والديني، والذي يجب أن يتغير كما فرضت حركية المجتمع التغيير في عدة مجالات خلال العقدين الأخيرين، لأن المرأة بحاجة إلى تحسين وضعها و تعزيز تواجدها في مراكز صنع القرار، حيث لا يمكن تحقيق التنمية في حال غيابها.
ولفتت إلى أنه بالرغم من ذلك ترشحت العديد من المحاميات لمناصب النقيب أو للعضوية، إلا أن أخريات لم يتمكن من الوصول إلى تلك المناصب رغم المجهودات التي بذلنها في هذا الاتجاه بسبب الثقافة السائدة التي تتسبب بتراجع فكري كبير داخل هيئات المحامين بالمغرب، كما يكرس غياب النقاش السياسي الذي كان سائداً في وقت سابق داخل الهيئات التي كانت في صدارة الدفاع عن الحقوق والحريات، فاسحاً المجال لمن له إمكانيات مادية، وهو ما اعتبرته مؤشراً خطيراً على تراجع مصداقية المهنة ومكانتها داخل المجتمع.
وأكدت عائشة كلاع في ختام حديثها أن تحقيق المناصفة مبدأ دستوري وسيأخذ وقتاً من أجل تفعيله على أرض الواقع، كما يحتاج لمجهود على المستوى المؤسساتي والتشريعي، وينبغي إشراك مؤسسات المجتمع المدني والهيئات السياسية وكل الفاعلين من أجل الدفاع على حقوق النساء في هذا الإطار "لازلنا بعيدين كل البعد عن تحقيق المناصفة، بسبب التمييز ضد النساء لعقود طويلة حتى أضحت ثقافة داخل المجتمع، وبالتالي فتغيير هذا الوضع يحتاج إلى الدفع من أجل تكريس ثقافة أخرى مناهضة لكل أشكال التمييز ضد النساء، لكن في البداية هناك حاجة ماسة لتغيير القوانين والمقتضيات المنظمة للمهنة لتجاوز الاختلالات".