المديرة العامة لمنظمة المرأة العربية فاديا كيوان تقيم وضع المرأة في دول الصراع (2)
عملت منظمة المرأة العربية على إصدار عدد من الدراسات الإقليمية لرصد واقع النساء في الدول موضع البحث وتأثرها بالأحداث العامة، فضلاً عن معوقات مشاركتهم السياسية في البلدان المختلفة.
فاديا كيوان: الكوتا لم تحقق النتائج المرجوة والوقت غير ملائم لإلغائها
أسماء فتحي
القاهرة ـ تعاني النساء في الدول العربية من تمييز مبني على أساس نوعهن الاجتماعي من جهة وتداعيات الأزمات الكبرى التي تحدث في العالم على الصعيد الآخر، ولكن هناك نقص كبير في الدراسات والاحصائيات الخاصة بتلك النتائج وهو الأمر الذي دفع منظمة المرأة العربية لسد الفجوة البحثية لإتاحة معلومات مدققة للحكومات الراغبة في رسم سياسات وخطط للتعامل مع تلك الأزمات المحلية والخارجية، والتي سلطت الضوء على التداعيات المتنوعة التي تقع على كاهل المرأة وتقيم الأداء العام.
وللتعرف أكثر على أسباب إتاحة مجال أوسع للبحث والدراسات داخل منظمة المرأة العربية، فضلاً عن استعراض أبرز الدراسات الحديثة الصادرة عنهم، وكذلك كواليس العمل والرسائل المرادة توجيهها ومنها تخصيص العمل بأحد أهم الدراسات لديهم للخبراء من النساء في المجالات الموضوعة للبحث والتحليل والدراسة، كان لوكالتنا الحوار التالي مع المديرة العامة لمنظمة المرأة العربية الدكتورة فاديا كيوان.
قمتم مؤخراً بإعداد دراسات ضمن المرحلة الثانية من مشروع تقييم نظام "الكوتا" ومشاركة النساء سياسياً... حدثينا عن هذا المشروع البحثي ووضع المرأة فيه؟
المقاربة التي نعتمدها في النظر إلى الأمور كوننا منظمة تعمل في قضايا المرأة أن نتطلع إلى الواقع كما هو ونرصد مواطن الخلل ونحدد أولويات التدخل، وحاولنا منذ أكثر من عام عمل تقييم عام لسياسة "الكوتا" التي أقرت بمؤتمر بيجين سنة 1995، ووضعت "الأمم المتحدة" آنذاك ضمن خطة العمل الدولية قيام الحكومة بوضع جدولة لمسألة زيادة "الكوتا" تدريجياً لبلوغ هدف المساواة بين الجنسين.
ومنذ ذلك الحين بدأت الدول العربية باعتماد "الكوتا" وكان هناك تعيين للنساء في الماضي ولكن لم يكن هناك اعتماد منهجي للـ "كوتا" واعتمادها كسياسة حكومية أتت بعد اتفاقية "سيداو" وبصورة خاصة من خطة عمل "بيجين"، وخلال الفترة من 1995 ـ 2020 كان لدينا سؤال حول ما حققته "الكوتا" خلال الـ 25 عام الماضية، وأين وقفت وما معوقات العمل بها، والتقييم جاء لما نستهدفه من إشراك أكبر للنساء سياسياً.
وفي المرحلة الثانية من المشروع البحثي كان واقع مصر مطروح وكان هناك عرض لقضايا المرأة فيها، وهو ما ظهر خلاله تقدم كبير في وضع مصر وإن لم تبلغ بعد النسب التي تريح المصريات بصورة كاملة لكن لا شك أن هناك تقدم وتراكم للناتج عن استقرار الإرادة السياسية الداعمة.
وتبين من مجمل الدراسات التي أجريت في المرحلتين الأولى والثانية أن اعتماد "الكوتا" لم يكن باباً لاستقرار المشاركة، وأن إلغاؤها لا يضمن تحقيق النتائج المرجوة، وهو أمر مقلق لأن "الكوتا" واحدة من التدابير الاستثنائية المؤقتة والتي يجب أن تلغى مع مرور الوقت، ولكن ما استقر لدينا أن "الكوتا" لم تعطي مفعولها كي يتم الغاؤها لأن هناك مقاومة من قبل الرجال لمسألة مشاركة النساء لهم في صناعة القرار العام، وهناك تفاوت كبير في قدرات النساء ومواردهن، فنسبة النساء القادرات اليوم على الخطاب العام والتحدث بلا انحناء والذهاب إلى اجتماعات عامة في كل الأوقات دون أن يكون هناك ما يمنعهن مثل هذه الفرص ليست متوفرة لجميع النساء في الدول العربية حتى الآن.
كما أن هناك بعض الفئات والبيئات أكثر انفتاحاً على مشاركة النساء وفيها نجاحات كبيرة لهن، ولكن لم نبلغ بعد النسب المستقرة في المشاركة السياسية، وهناك موارد اقتصادية متيسرة أكثر للرجال عن النساء ونحن نعرف مع وعي كامل للاختلاف بين الأنظمة السياسية والانتخابية في الدول العربية أن للجانب المادي تأثير في حقيبة النفوذ السياسي وبالتالي حقيبة المرأة به عموماً متواضعة إذا ما قورنت بالرجال، ونحن نقوم بما علينا من تمكين النساء قدر استطاعتنا ونقل المهارات لهن ومساندتهن للدخول في المنافسة ومحاولة التأثير عبر برامج التربية والثقافة والإعلام من أجل تفكيك الصور النمطية وبلوغ المساواة التامة بين الجنسين ولكن هناك أمور ليست بأيدينا آثرنا الإشارة إليها وإلى ضرورة تعديلها.
حديثنا عن تفاصيل دراسة "أثر الأزمات العالمية الكبرى على النساء والفتيات في الدول العربية"؟
أُعدت تلك الدراسة في مرحلة حساسة وصعبة للغاية خلال انتشار فيروس كورونا، وتم إعدادها من خلال مراسلات مع الباحثات والقائمات على إعدادها عبر تطبيق "زووم"، وكذلك ورشة العمل الإقليمية.
وحاولنا الوقوف من خلال هذه الدراسة على تأثر النساء بالأزمات الكبرى وفي نفس الوقت كانت لدينا رسالة هامة أردنا أن نسلط الضوء عليها من خلال هذه الدراسة الجماعية تمثلت في إخطار المجتمع الدولي والإقليمي والمحلي بأن النساء لهم حضور علمي رفيع المستوى في قراءة المشاكل وإيجاد الحلول والمعالجات لها من خلال الخبراء والباحثات العاملين على إعداد تلك الدراسة.
وهذه الدراسة على وجه الخصوص عينة تبرز حضور النساء الهام بالمضمون في مجالات اختصاص كبيرة على مختلف المستويات لذلك كنت فخورة بمجموعة الخبيرات اللواتي عملن بها، ورفضت إشراك الرجال عن قصد في العمل بها لرغبتي في إعطاء الكلمة لنساء متخصصات في تلك المجالات المعروفة بحضور الرجال، وهذا كان هدف المشروع بإتاحة الفرصة للنساء في اعتلاء المنصة العلمية الدولية والتحدث عن المشاكل والأزمات التي يعانين منها.
ونقوم بهذه الأبحاث لأن دراسة الواقع ضرورية، ولا يوجد من يقوم بها لنطلع على الواقع وإذا أردنا إفادة الدول الأعضاء وغير الأعضاء في المجالات التي تخص المرأة فعلينا أن نصدر توصيات مبنية على بحث وأسس واقعية يمكنهم الاستناد عليها عند رسم سياساتهم وتشريعاتهم ونحتاج هنا لمصداقية علمية.
ما مدى تأثر النساء والفتيات بالأزمات التي سلطت الدراسة الضوء عليها؟
الأزمات الدولية التي تعرضنا لها هن 4 نبدأ بالأكثر انتشاراً والمتمثل في الأزمة الاقتصادية ذات المستويات المختلفة فمنها المحلي والإقليمي والعالمي وحاولنا من خلال الدراسة التي قدمت أن نبين العلاقة الجدلية بين الأزمات العالمية والمحلية وسبل الانتقال بين الأزمات وعلاجها على المستوى المحلي وتخفيف تبعاتها.
وتلى ذلك حديثنا عن الأزمة المالية وحاولنا فصلها عن الاقتصادية فعلى سبيل المثال اليوم هناك تقلبات حادة في العملات بعدد من الدول العربية وكذلك الأوروبية، كما أن هناك حالة تضخم تقضي مباشرة على القدرة الشرائية للمواطنين ومن ثم تتأثر القدرة الشرائية للعملة الوطنية، والأزمة متشابكة وصاحبتها مخاوف من حدوث انهيار مالي عالمي وقاربنا المسألة المالية من خزينة وقروض.
ثم تطرقنا في الدراسة إلى أزمة الكوارث الطبيعية وكان انتشار كورونا الذي أبرز أن الأوبئة هي ضمن الكوارث الطبيعية، فوفق مفهوم الأمم المتحدة الكوارث الطبيعية متنوعة منها "الهزات والحرائق" على سبيل المثال، وبسبب التغير المناخي العالم سيواجه تداعيات خطيرة إضافية خلال الفترة المقبلة.
والكارثة الرابعة هي الحروب والنزاعات المسلحة التي تعتبر من الويلات الكبرى التي تحط برحالها في الدول الفقيرة، فبعد الحرب العالمية الثانية لم يعد هناك مواجهات مباشرة بين الدول الكبرى وتحول الأمر إلى ما يعرف بـ "الدفاية" فداخل الدول نفسها تشتعل النيران عبر المسائل العرقية أو العشائرية أو الطائفية وغير ذلك، والبعض يتنازعون مع دول الجوار على الحدود فتذهب أموال الخزينة العامة للاستعداد للحرب ونحن في أمس الحاجة إلى تحويل ذلك الإنفاق للتنمية الداخلية.
وضع النساء في الدول العربية متفاوت... فهل يمكننا أن نضع ترتيب للدول ونهوضها بقضاياهن؟
أوضاع الدول العربية ليست متكافئة فمنها كبيرة الحجم والصغيرة، وهناك أيضاً من لديهم موارد طبيعية كبيرة وأخرى لا تملك ذلك، فالإمارات العربية بصرف النظر عن حجمها وعدد سكانها لديها إمكانيات كبيرة على سبيل المثال ولها دور في تعزيز تقدمها في هذا الملف عن غيرها، لذلك لا يمكن المقارنة بالمطلق لأن هذا أمر قد يكون ظالماً.
ولكن هناك عدد من الدول لديها تقدم واضح في دور المرأة ولما يمتلكوه من إرادة سياسية، فهناك قفزة نوعية قامت بها الإمارات المتحدة وقرروا منذ بضع سنوات أن يكون لديها 50% من المجلس الوطني الاتحادي نساء، وهناك أيضا تونس التي تمتلك تقدم مستدام في مشاركة النساء بالحياة السياسية وانتقلوا من الكوتا للمناصفة في الانتخابات وهناك خطوات جريئة في التشريعات وفيها تقدم نوعي أيضاً.
وما تقوم به المغرب منذ بدايات الألفية الثانية وبداية من عام 2004 حينما تمت إعادة النظر في قانون الأسرة، وإجراء تعديلات على الدستور في عامي 2011 و2014، كلها خطوات هامة لإدماج قضايا المرأة، لذلك هي تجربة ناجحة.
وأيضاً تجربة مصر فمنذ عام 2000 كان للبلاد دور مباشر في إنشاء منظمة المرأة العربية في محاولة للإطلالة على الدول العربية والتواجد في قضاياها، وفي مجال التشريعات خاصة قضايا الختان وتزويج القاصرات فلمصر دور ناجح وواضح، وعندما تبدل النظام السياسي كانت هناك محاولة للقضاء على تلك المكتسبات إلا أن الإرادة الشعبية تصدت لذلك، وفي المرحلة الأخيرة هناك ثبات في الموقف الرسمي من خلال اتباع السياسة الداعمة لتمكين المرأة في جميع المجالات ومعالجة قضاياها الحساسة ومنها مكافحة الفقر.
ولا يمكن الحديث عن مصر دون التنويه لنتائج الورشة الوطنية متمثلة في إعادة صياغة قانون الأحوال الشخصية ولدي أمل كبير بها.
من هي فاديا كيوان؟
فاديا كيوان المديرة العامة لمنظمة المرأة العربية هي أول لبنانية تنتخب على رأس المنظمة منذ عام 2018 حتى اليوم، وهي حاصلة على دكتوراه في العلوم السياسية بجامعة باريس الأولى "السوربون"، فضلاً عن الكفاءة التعليمية في الفلسفة وعلم النفس التي حصلت عليها من الجامعة اللبنانية.
شاركت في تأسيس حركة اللاعنف، وكانت عضو بحزب الكتلة الوطنية الذي آمنت بأفكاره، وسعت للعمل بالسلك الدبلوماسي فدرست العلوم السياسية وسرعان ما وجدت نفسها تعمل على قضايا النساء وتنخرط بها حتى باتت ممثلة لدولة لبنان في منظمة المرأة العربية التي أصبحت المديرة العامة لها في عام 2018.