المبادرات الشابة من أبرز مكاسب العمل النسوي في مصر خلال عام 2021

مع نهاية عام من النضال النسوي لنيل بعض الحقوق التي سلبها المجتمع الذكوري كان لنا لقاء مع المحامية النسوية المصرية نسمة الخطيب مؤسسة مبادرة "سند للدعم القانوني للنساء" للتعرف على جانب من تجاربها مع النساء اللواتي لجأن لمبادرتها من أجل طلب "السند" والدعم القانوني

أسماء فتحي 
القاهرة ـ .
سلطت المحامية النسوية المصرية نسمة الخطيب خلال حوار لوكالتنا الضوء على جانب من التحديات التي واجهت المرأة المصرية خلال عام 2021 فضلاً عن بعض المكاسب التي حققتها المبادرات الشابة والوضع المرتقب خلال العام المقبل بالاستناد إلى المؤشرات الحالية في الداخل المصري النسوي.   
خلال العام الماضي حدثت طفرة في التفاعل مع قضايا النساء فما هي أسبابها وأدوات نجاحها بتقديركم؟
في ختام عام 2019 ومع وجود أزمة كورونا تمكنت النساء من خلق آلية جديدة للمحاسبة في قضايا العنف ضد النساء في التحرش وهتك العرض في محاولة للضغط من أجل تسريع الإجراءات ويمكن ضرب المثال بما حدث في واقعة طفلة المعادي، وما حدث من استخدام وتفعيل للسوشيال ميديا فضلاً عن وحدة الرصد التي تم انشائها عام 2019، فجميعها أدوات أحدثت طفرة حقيقية في أرضية النضال النسوية. 
فقبل تلك الأدوات كانت الإجراءات أكثر تعقيداً فيتم الذهاب إلى قسم الشرطة لفتح المحضر ومنها للنيابة ثم التحقيق حتى تنتهي تحريات المباحث. وفي آخر عامين تمكنت النساء من التغلب على تلك الإجراءات التي تستهلك الوقت والجهد وقد تؤدي إلى إضاعة الحقوق باستخدام السوشيال ميديا فيتم الوصول بالقضايا للنائب العام مباشرة وبدوره يصدر القرار العاجل بالضبط والإحضار ليس هذا فحسب بل تتم الإحالة للمحكمة في فترة تتراوح من 3 لـ 5 أيام وكانت هذه المدة قبل ذلك تصل لنحو شهرين وربما أكثر فتحقق إلى حد كبير ما يمكن وصفه بالعدالة الناجزة. 
 
ما هي الخطوات القانونية التي تتبعها النساء في حال تعرضهن للعنف؟
هناك مشكلة كبيرة تدار بشأن القوانين المتعلقة بـ "العنف الأسري" على وجه التحديد، فلا يوجد قانون واضح يحمي منه ويحمل مسمى مرتبط بالعنف الأسري، ولكن الإجراءات المتبعة حالياً تبدأ بفتح محضر بالواقعة سواء كانت ضرب أو احتجاز تعسفي في المنزل طبقاً لقانون العقوبات. 
والإشكالية أن القيد والإحالة عند الوصول للمحكمة تصبح عبارة عن جنحة ضرب وفق قانون العقوبات وبهذا المسمى لا توجد إجراءات أخرى يمكن اتباعها حالياً. 
كثير من النساء الواقع عليهن عنف يكون القائم على ذلك الأمر أحد أفراد الأسرة فكيف يمكن توعية تلك المرأة بانتزاع حقوقها دون النظر لتلك الصلة.
في الفترة الأخيرة وأثناء عمل المبادرات الشابة على حملاتها أتذكر جيداً بعض الفتيات اللواتي تعرضن للتعنيف وحدثت لهن إصابات ليست بسيطة بعضها أعاقهن عن الحركة تماماً، في هذه الفترة قام النائب العام بوضع رابط إلكتروني للتبليغ من خلاله وكانت تلك خطوة هامة لتحقيق العدالة الناجزة، وحملت تلك البلاغات اسم "عرائض النائب العام" وتلا ذلك المتابعة عليها من جانبنا. 
والفتيات اللواتي ذكرتهن كنا نعمل على توعيتهن بضرورة تقديم بلاغ ويتم من خلاله إرسال ايميلات إما للمجلس القومي للمرأة أو المجلس القومي لحقوق الإنسان، وبعد ذلك يتم التواصل مع الشخص المعنف وإنقاذ الفتيات.
ونقوم بتقديم مجموعة من فيديوهات التوعوية للفتيات والسوشيال ميديا ساعدت كثيراً في إنجاز الأمر وتمكينهن من التجاوز الفعلي لتلك المرحلة، وأتذكر جيداً أن الاغتصاب الزوجي كان واحداً من القضايا التي تم طرحها بالفعل في 2021، وبدأت النساء يتحدثن عما يحدث لهن داخل البيوت بفضل تلك الحملات التوعوية التي تمت في الفترة الأخيرة لتخليصهن من عنصر الضغط الأسري الذي يجعلهن ترضين وترضخن للإهانة والتعنيف لفترات طويلة. 
 
هلا حدثتمونا عن "سند" من الفكرة حتى إصدار حملة نساء رهن القانون؟
في البداية عملت لـ 11 عاماً في المجتمع المدني والقضايا المرتبطة بالنساء سواء كن عاملات منازل أو تعرضن للتحرش أو الاغتصاب أو الختان، ومع الوقت وجدت أن من يتواصلن معي من أجل دعمهن القانوني في التحقيقات أو الاستشارات بحاجة إلى مزيد من المساندة، ومن هنا بدأت الفكرة بسؤالي عن الطريقة الأمثل لدعم هؤلاء النساء ليس فقط من خلالي بل وبمساندة عدد من الزميلات والمحيطين بي.  
والعام الماضي بدأنا بالتفكير بصوت عالٍ وتم اختيار "سند" استناداً إلى أن القانون والسياسات التي نسعى لإتباعها في سبيل تحقيق العدالة هي "سند" لهؤلاء النساء، وبالفعل تم التوافق على الاسم ومن أجل مزيد من الوضوح والتخصيص أطلقنا عليها "سند للدعم القانوني للنساء"، وعملت "سند" على مختلف أشكال العنف الواقعة على الفتاة التي نقدم لها جميع أشكال الدعم القانوني ولكن احتل العنف الأسري الصدارة لأنه الإشكالية الأكبر في العمل مؤخراً ولا زال الجميع يعلق الآمال على إصدار قانون في هذا الشأن. 
وبالتزامن مع الـ 16 يوم لمناهضة العنف ضد المرأة أطلقت سند حملة باسم "نساء رهن القانون"، وكانت مهمتها الوقوف على محطات من حياة الفتيات اللواتي أتين إلى سند وقد تعرضن لتحرش أو اغتصاب أو لهتك عرض أو لعنف أسري، وتقديم بلاغات للنائب العام من خلال الحملة خاصةً أن الاحباط تسرب لبعضهن بسبب حفظ المحاضر الخاصة بهن.
 
مناهضة العنف والحملات التي اشتبكت مع الـ 16 يوم حالة جديدة على الواقع المصري فهل يمكن تتبع دلالاتها وأسباب التفاعل الكبير معها هذا العام على وجه التحديد؟
واحد من أهم أسباب الزخم والتفاعل مع حملة الـ 16 يوم لمناهضة العنف يعود للمبادرات الشابة المتمثلة في "براح آمن، وبرا السور، وسوبروومن، وجنوبية حرة، بالإضافة لسند".
ففي اليوم الأول من تحاورنا اكتشفنا أننا جميعاً نعمل في سياق مكمل فبراح آمن تعمل في مجال الحق المدني والطلاق الغيابي، وسوبروومن تعمل على القوانين التمييزية في القانون المصري، وجنوبية حرة تعمل على الصحة الإنجابية والنفسية، وبرا السور تعمل على حقوق اللاجئات، وسند تعمل على الدعم القانوني للنساء.
وتلك المبادرات تعمل من خلال تجارب حية فكانت أكثر تعبيراً عن الواقع، واعتقد أن ذلك هو صاحب التأثير الأكبر فبدلاً من الحديث والتنظير البعيد عن الواقع آثرت تلك المبادرات من خلال حملاتها العمل على أرض الواقع ورصد وإظهار معاناة الفتيات وهو ما أدى لهذا النجاح الكبير والقرب من الشارع بشكل عام.
 
لو تحدثينا بشكل أكبر عن دور وسائل التواصل الاجتماعي في تحقيق العدالة؟
في النصف الثاني من الحملة كنت أتحدث عن العدالة الناجزة فعبء الاثبات في القضايا يقع على كاهل الفتيات ونحن في مجتمع قد يكون الإثبات فيه صعب ولكن القضايا التي حدثت فيها طفرة تأثر عدد كبير منها بالزخم الذي حدث على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة أن أغلبها كان يحتوي على توثيق بالفيديو كطفلة المعادي أو الفعل الفاضح الذي تم داخل مترو الأنفاق. 
ومصطلح العدالة الناجزة هو ما يسعى الجميع لتحقيقه وهو ما جعلنا في إشكالية حقيقية هل نحن نحتاج لزخم التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل أكبر لتفعيل القضايا وتسريع وتيرة عملها أم العودة لوحدة رصد النائب العام في سبيل تحقيق ذلك.
 
كيف أثرت الثقافة المجتمعية على التشريعات وأصبحنا نعيش في ظل قوانين تمييزية بين الرجل والمرأة؟ 
دائماً ما أقول إن واضعي القوانين ذكور ومن يطبقها ذكور ودائماً هناك إشكالية وقوع القوانين في قبضة ثقافة المجتمع وأعرافه، بدليل أن هناك آباء يقتلون بناتهم ويحصلون على عام مع إيقاف التنفيذ.
كما أن هناك فيديو موثق لقاضي يناقش سيدة على المنصة ويحدثها بصوت الذكر الرافض لفعلتها قائلاً "عملتي كده ليه، قتلتيه علشان تخونيه"، فلم يكن ذلك القاضي يمثل القانون آنذاك ولكنه رجل مصري رافض للأمر بشكل شخصي. 
وفي وقائع الخيانة الزوجية هناك تفرقة بين الرجل والمرأة بشكل واضع فالمرأة مباح دائماً قتلها في قضايا الشرف ويستخدم مع زوجها الحكم استناداً على الرأفة بحاله وفقاً للعرف المجتمعي وليست المواد القانونية. 
وفي حملة "نساء رهن القانون"، طرحنا نموذج واضح عبر عن التباين في استخدام نص المادة 17 من قانون العقوبات وتنفيذها ففي الوقت الذي تم فيه حبس فتيات التيك توك في قضية اتجار بالبشر وصدر حكم تراوح من 7 لـ 10 سنوات رغم توافر حين النية وصغر سنهن في التعامل مع الفيديوهات المنشورة، استخدمت نفس المادة في الحكم على الشاب الذي أجبر أمه على شرب السم لأنه وجد لها فيديو مع رجل أكدت له أنه زوجها ولم ينتظر حتى تثبت له ذلك وعوقب فقط بثلاث سنوات حبس.  
 
ما هو وضع الحركة النسوية المصرية مقارنة بنظيراتها في البلدان العربية؟ 
نحن موجودين بقوة، وأرى أن الجيل الحالي المتمثل في المبادرات الشابة قادر على العمل على أرض الواقع وفي الحوارات التي أشارك فيها نسويات من البلدان العربية أجد أننا جميعاً على مستوى كبير من الوعي، وقادرات على تقديم طرح وتصور مناسب للمرحلة. 
وإجمالاً يمكننا القول إن الحركة النسوية المصرية تجتهد من أجل تحقيق المكاسب وتحريك المياه الراكدة والتمكن من نيل أكبر قدر من المكاسب لصالح النساء في وقت قصير.  
 
هل يمكننا رصد أهم التحديات التي واجهت العمل النسوي في نقاط واضحة؟
أهم تحدي أراه هو تشويه السمعة، فأي امرأة ستقرر أن تصبح على درجة من النضج والوعي أو حتى تحاول خوض العمل النقابي أو السياسي تواجه من اللحظة الأولى بحرب تشويه السمعة ذات التأثير الكبير في الداخل المصري.
وتعد القوانين واحدة من أهم التحديات التي تواجه العمل النسوي فطوال الوقت هناك معاناة فعلية في تطبيق القانون لغياب دور السلطات التنفيذية الحقيقية، فالرجال في الشوارع يتحرشون بمنتهى الأريحية لثقتهم أن القانون غير فعال.
ويعد الحصار المفروض على نشاط المجتمع المدني واحد من أهم العوائق التي حالت دون تنفيذ الكثير من المشروعات، وكذلك أزمة كورونا التي تعد واحدة من أكبر التحديات لعدم القدرة على عقد اللقاءات والتواصل الأمثل نتيجة الإجراءات الاحترازية الواجبة في ظل انتشار الوباء، إلا أن النسويات بشكل عام تمكن من ايجاد بدائل وأدوات أخرى مكنت إلى حد كبير من تجاوز ذلك العائق كندوات الانترنت والفيديوهات وغيرها من وسائل التواصل عن بعد.
 
ماهي أهم التجارب التي سعت من خلالها النساء لانتزاع حقوقهن باستخدام القانون؟
كانت لدي قضية لزوجة رجل مهم مهملة ومعلقة بلا طلاق أو إنفاق وتمكنت المرأة بصمودها ومن خلال دعمنا القانوني لها من انتزاع الطلاق وتحقيقه، وتلا ذلك التمكن من نيل حقها في النفقة بمبلغ مناسب وجاري التنفيذ لأنه كان يعمل بقوة في إثبات عدم قدرته على الدفع. 
وواحدة من القضايا الهامة التي عملت عليها كانت اغتصاب فتاة وبدأت في التدوين عنها والضغط على النائب العام لضبط وإحضار المتهم وعمل عليها فيما بعد مجموعة من المحامين لاستعادة حقوقها.    
وهناك أيضاً فتاة كانت حبيسة والدها لفترة طويلة وتسبب الأب في تدمير عمودها الفقري من كثرة الضرب والآن تم القبض عليه والفتاة قادرة على العيش بشكل طبيعي بعد معاناة ليست طبيعية وأضرار جسمانية ونفسية كبيرة. 
 
البعض يرى أن الوضع التشريعي والإجرائي في مصر يتجه نحو الأفضل في ملف المرأة... كيف ترون العام المقبل من خلال المؤشرات الحالية؟  
الواقع العملي لا ينذر بانفراجة كبيرة على مستوى التشريعات أو القرارات الحكومية التي يتم الإعلان عن وضعها قيد التنفيذ، فلدينا عام ماضي غاية في السوء، فهناك نساء تعاني من تحملها عبء الإثبات في قضايا التحرش وأخريات ما زلن يعانين من قانون أحوال شخصية حتى الآن يرفضون الموافقة على تعديله برلمانياً.
ولا أرى أن هناك تطور ملحوظ في الملف التشريعي أو في الشق الاجرائي الواقعي كما يقول البعض، فالحراك الحالي ناتج عن عمل فردي لأشخاص يحملون بداخلهم المسؤولية المجتمعية. 
وأخيراً أتمنى أن يتم تفعيل وحدة العنف ضد النساء المعلن عنها مؤخراً بتشكيلها وأن يعيد النائب العام تفعيل رابط الشكاوى تحت اسم "عرائض النائب العام"، لأنه كان مؤثراً إلى حد كبير، وكذلك العمل على إيجاد شبكة عمل تصل بين المجتمع المدني والداخلية والنائب العام يصبح هدفها حماية كل امرأة في الريف أو الصعيد أو المدينة خاصة هؤلاء الذين لا يعلمون شيء عن السوشيال ميديا وطريقة استخدامها لنيل حقوقهم.