الختان جرم قانوني راسخ في ثقافة وإرث المجتمع

ختان الإناث واحد من الجرائم الشائكة ومحاربتها تستدعي العمل على تغيير وعي وثقافة الشعوب ذاتها لا من حيث الإجراءات التي تقوم بها الحكومات والتشريعات فحسب

أسماء فتحي
القاهرة ـ ، وذلك لأنها منفردة لا يمكن أن تحجم تلك الكارثة الإنسانية التي تنال من النساء نفسياً وصحياً وتسبب لبعضهن تشوه ليس فقط في أعضائهن التناسلية، ويظل عبء هذا الألم محمول لسنوات لن نبالغ إذا أكدنا أنها تصل للعمر كاملاً. 
في تقريرنا استمعنا إلى عدد من الحالات التي استعرضتها استشارية علاقات أسرية من واقع خبرتها وكم الألم الذي تعاني منه النساء في صمت، بل وبعضهن لا يدركن أن السبب في ذلك يعود لتعرضهن للختان ومشاهد الدماء واقتطاع جزء من لحمهن بفعل إجرامي غير مبرر، في محاولة من المجتمع الأبوي سن المعايير وفق أهوائه وبما يرتئيه مناسباً لرغباته ومكملاً لسلطاته التي يسعى جاهداً للعمل على ترسيخها من منطلق أفكاره ومعتقداته الهادفة لكبح جماح ومشاعر ورغبات النساء بالقوة حتى وإن كان ذلك بالاعتداء عليهن في الصغر وتختينهن. 
 
أسباب الختان
ترى المحامية الداعمة لحقوق النساء ورئيسة مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون انتصار السعيد أن ظاهرة الختان تتجذر في النفوس وترتبط إلى حد كبير بالموروث الثقافي الشعبي وبعض المفاهيم الخاطئة التي تلقى رواج بين الكثيرين.
مضيفةً أن واحد من الأزمات الكبرى التي تدفع نحو تختين الإناث هو ربط مفاهيم العفة والشرف والفضيلة والأخلاق به، وهو ما أدى إلى استمرار الظاهرة في المجتمع المصري وغيره من المجتمعات الأفريقية والعربية حتى اليوم.
وقالت أميرة عبد الفتاح، الباحثة في مجال النوع الاجتماعي والتنمية، أن نسبة تعرض النساء في مصر للختان مروعة حيث تقدر بنحو 86 بالمئة من إجمالي عدد النساء من الفئة العمرية الواقعة من 15 إلى 49 عاماً.
وترى أن بعض التفسيرات التي يتم طرحها حول التوجه لختان الإناث ومنها جهل البعض بأنها ليست من الدين في شيء، أو عدم الوعي بمخاطرها الجنسية والصحية والنفسية أو كونها وسيلة تجميل أو عادة اجتماعية ليست السبب الحقيقي وراء القيام بتلك الجريمة.   
موضحةً أن من يقوم بالختان يعي جيداً نتائجه ويستهدف من ورائه السيطرة على رغبة النساء الجنسية وهذا الأمر في تقدير المجتمع الأبوي أهم من كل الأزمات المثارة حول الختان وتداعياته على المرأة. ومعتبرةً أن أساس الأزمة يكمن في سعي المجتمع لوضع السلوكيات والعادات طبقاً لاحتياجاته حتى وإن قام في سبيل تحقيق ذلك بتقطيع أجزاء من أجساد النساء. 
 
القانون المصري وتجريم ختان الإناث
وأكدت انتصار السعيد أن القانون المصري يجرم الختان إلا أن الظاهرة مستمرة وموجودة واتفقت معها أميرة عبد الفتاح الباحثة في النوع الاجتماعي والتي اعتبرت أن تغليظ العقوبة ممتاز لكنه لا يأتي بنتائج على أرض الواقع.
وأشارت انتصار السعيد إلى أن قانون الطفل جرم الختان منذ عام 2008 باعتباره يسبب عاهة مستديمة، ومع ذلك لم تصدر أي أحكام طبقاً لهذا القانون على من يقومون بهذا الفعل، لافتةً إلى أن هناك تعديلات أجريت على القانون في عام 2016 وأخرى في عام 2021 نالت موافقة البرلمان وبموجبها أصبحت عقوبة ختان الإناث 5 سنوات في حالة إجرائها و7 سنين إذا نتج عنها عاهة مستديمة و10 سنوات إذا أسفرت عن الوفاة.  
ومعتبرةً أن القانون أصبح يعاقب أي شخص يقوم بهذه الجريمة على عكس ما كان يحدث في الماضي، فقد كان يتم التحايل على الأمر بفتح باب الثغرات للهروب من العقاب واعتبار عملية الختان جراحة تجميل أو إزالة زوائد جلدية ولكن في الوقت الحالي كل من يقوم بهذه الجريمة يقع تحت طائلة القانون. 
ولفتت أميرة عبد الفتاح إلى وجود تحسن في الأوضاع نسبياً خلال السنوات الأخيرة، إلا أن معدل الانخفاض في عدد النساء اللواتي تتعرضن للختان لم يتجاوز الـ 10% فقط على مدار 20 عاماً وهو مؤشر على بطء الاستجابة إلى حد كبير. 
 
خطوات مكملة يفتقر لها القانون
وأوضحت انتصار السعيد أن "نص القانون جيد"، إلا أنه مازال يفتقر لمجموعة من الخطوات المكملة منها على سبيل المثال استخدام المادة 99 من قانون العقوبات والتي تسمح للنساء بالإبلاغ عن هذه الجريمة باعتبارها لا تسقط بالتقادم.
وشددت على ضرورة العمل لإصدار القانون الخاص بحماية المبلغين والشهود مما يساعد في حماية الفتيات من التعرض للختان وإتاحة المجال للإخطار من قبل الشهود بعد تأمينهم في حال معرفتهم بارتكاب تلك الجريمة.
وأكدت على ضرورة العمل من أجل إنشاء المفوضية المستقلة المناهضة للتمييز طبقاً للدستور باعتبار أن الختان أحد أشكال التمييز والعنف ضد النساء مع ضرورة إصدار قانون موحد لتجريم العنف ضد المرأة. 
بينما تعتبر الباحثة في مجال النوع الاجتماعي والتنمية، أميرة عبد الفتاح، أن توجه بعض المنظمات والمجلس القومي مؤخراً نحو إدماج الرجال في حملات مواجهة الختان أمر مبشر للغاية رغم أنه تأخر لنحو 30 عام. مؤكدةً أن إدماج الرجال في مواجهة العنف ضد المرأة واحد من الآليات الفعالة بالإضافة إلى ضرورة العمل بقوة على فتح المجال أمام حوار الأجيال باعتباره أحد الأدوات الهامة أيضاً.
 
من أرض الواقع... قصص نساء مع تداعيات الختان  
سردت استشارية العلاقات الأسرية دكتورة نادية جمال تجربتين مؤلمتين لتأثرهما السلبي بالختان ولسنوات طويلة واحدة منهم لفتاة تمت خطبتها وهي محبة لهذا الشخص وعلاقتهم ظلت جيدة حتى اقترب موعد الزفاف، ومن ثم تحولت تماماً وظلت تبحث عن أسباب تعيق تحديد الموعد لدرجة إعلانها عن رغبتها في فسخ الخطبة إلى أن حضرت أسرتها بصحبتها للاستشارة وبعد عدد من الجلسات ظهرت حقيقة الأمر فالفتاة تعرضت للختان وظلت ذاكرتها تحمل توابع هذا الاعتداء، ولا يحضر في مخيلتها سوى مشهد الدماء والألم الذي عانت منه لدرجة نفورها من الزواج خوفاً من أن يقترب أحدهم من تلك المنطقة، ومجرد تصور ذلك يصيبها بالرعب والخوف والرغبة في الفرار.
والحالة الأخيرة كانت لزوجين قدما لطلب الاستشارة فالأزمات تكثر لأسباب تراها الزوجة لا تحتمل كل هذا القدر من الانفعال وبعد حديث ومصارحة لوقت طويل ظهرت حقيقة الأمر وهي أن الزوج لا يشعر بوجودها معه في العلاقة الحميمية ويعاني من كونها بعيدة عنه وفاقدة للرغبة ومع تتبع الأمر أكدت الزوجة أنها تعرضت لختان وحشي يفقدها إحساسها ويخيفها ويجعلها تنفر ولا ترغب فعلياً في التقارب مع الزوج.