الحركة النسوية في السودان تاريخ من النضال والنجاحات

منذ التاسعة من عمرها بدأت إحسان فقيري مشوارها كنسوية ومدافعة عن الحقوق حاملة على عاتقها مهمة الدفاع عن حقوق السودانيات ولم تدخر جهداً من أجل فتح الباب لأخريات.

ميساء القاضي

الخرطوم ـ لنساء السودان تاريخ طويل من النضالات ضد التمييز والقمع والاضطهاد، فقد قاومن الاستعمار والديكتاتوريات المختلفة من بعده والسياسات والقوانين التي تحط من قدرهن فضربن مثلاً في الثبات والمقاومة.

تعتبر الدكتورة إحسان فقيري واحدة من أيقونات الحركة النسوية في السودان بدأ نشاطها الحقوقي والسياسي منذ نعومة أظفارها، عاصرت رائدات الحركة النسوية في السودان وكانت من أوائل الفتيات اللواتي درسن في مدارس الاتحاد النسائي.

وتعد من أوائل النساء اللواتي سافرن خارج السودان للدراسة الجامعية بفضل جهود الاتحاد النسائي في ستينيات القرن الماضي للدراسة في تشيكوسولوفاكيا، في وقت كانت فيه الدراسة الجامعية داخل السودان للفتيات أمراً صعباً.

وعن بدايات الحركة النسوية في السودان وعن التحديات التي واجهتها تقول إحسان فقيري "تعود بداية الحركة النسوية في السودان إلى تأسيس جمعية الفتاة المثقفة في عام 1947، والتي كانت تضم عدد من رائدات الحركة النسوية وهن خالدة زاهر، فاطمة طالب، نفيسة المليك، ونعمة غندور".

وأوضحت أنه "هدفنا الأساسي هو تعليم النساء والحد من محو الأمية، فالمرأة السودانية آنذاك لم تجد حظها من التعليم، فكن تذهبن إلى ربات البيوت في المنازل لتعليمهن، ومن شدة تسلط الرجال وتحكمهم في الأسرة، لم تكن تستطيع النساء المطالبة بأوراق وأقلام للتعلم، فكن تحملن معهن كيس مليء بالرمل وتسكبنه على الأرض لتكتبن عليه الحروف وبعد انتهاء الدرس تجمعن الرمل مرة أخرى في الكيس، لكن الجمعية لم تستمر كثيراً فقد انتهى نشاطها في عام 1949".

 

الاتحاد النسائي

لم تقف رائدات الحركة النسوية مكتوفات الأيدي بعد إغلاق الجمعية فبادرت كل من فاطمة أحمد إبراهيم وعزيزة مكي وفاطمة طالب وأيضاً سعاد الفاتح إلى تأسيس الاتحاد النسائي، تقول إحسان فقيري أن الاتحاد تعرض للهجوم بذريعة أن عضواته تدعين إلى السفور والخروج عن التقاليد.

وعن أهداف الاتحاد النسائي أوضحت "كان للاتحاد النسائي ثلاثة أهداف رئيسية، وهي تعليم النساء ومحو الأمية، ومحاربة العادات والتقاليد البالية مثل الشلوخ (هي علامات تكون على الوجه تستخدم في صنعها مشارط وتترك حتى تبرأ مخلفة علامة مميزة على الوجه) كانت تسبب أضرار صحية للنساء بسبب الطريقة التي تتم بها وهي طريقة تقليدية وغير طبية، وكذلك بتر وتشويه الأعضاء التناسلية للأنثى عن طريق الختان، أما الهدف الرابع التنظيمي للاتحاد فيتمحور حول كيفية توسيع عمل الاتحاد وافتتاح فروع له".

وبينت أنه "لاهتمام الناشطات والنسويات بالتعليم قمن بإنشاء المدارس مثلاً في الخرطوم وحدها هنالك 15 مدرسة وأنا درست في مدرسة الاتحاد النسائي في أم درمان، وكانت بداية وعيي بحقوق المرأة، حتى أنهن فتحن مدارس ليلية في السودان لتعليم اللغة العربية والإنجليزية وتعليم النساء مهارات وحرف مثل الخياطة والتدبير المنزلي".

 

المشاركة في صنع القرار

وأشارت إلى أنه "الرائدات في الاتحاد النسائي فكرن في المشاركة السياسية ومراكز صنع القرار إذ لم يكن يسمح آنذاك للنساء بالعمل إلا في وظائف التدريس والتمريض، كان من المهم أن تشارك النساء في المجالات كافة خاصة السياسية والاقتصادية منها، وهو ما سعى له الاتحاد حتى تم إشراك النساء فيه"، فقد كانت إحسان فخري أول قاضية سودانية تم تعيينها في عام 1965، لافتةً إلى أنه "حتى نظام البشير لم يستطع إقصاء النساء من العمل في القضاء، بالرغم من السياسات والقوانين المناهضة للنساء".

 

تحديات كبيرة

أكدت إحسان فقيري أن التحديات التي واجهت الاتحاد النسائي كانت كبيرة أهمها الثقافة السودانية التي كانت تعطي الأفضلية للرجل "اضطهاد المرأة منذ كونها جنين في بطن أمها يظهر في الأمثال السودانية التي ترسخ، أن من تنجب صبي تجلب الخير مقارنة بمن تنجب فتاة حيث يقول المثل "أم الضكير بتجيب الخير وتبكر بالوليد والعافية تملا الإيد".

وأضافت أن "الرائدات كن يغطين وجوههن حين يخرجن لأداء مهامهن في الاتحاد النسائي فإذا كشفن وجوههن يمكن أن يتم منعهن من الخروج من المنزل واليوم تعتقد الأجيال الجديدة أننا أحنينا رأسنا للتقاليد لم تكن انحناءة ولكنه كان تكتيك، لأن التنظيم النسائي نفسه كان ضد التقاليد، في التقاليد القديمة لم يكن مسموحاً للمرأة بالخروج إلا في الليل ويكون بصحبتها رجل حتى لو كان طفلاً يكون ذكر ففي نظرهم المرأة شرف القبيلة وهي يمكن أن تفعل أشياء تضيع شرف القبيلة".

وأوضحت أن "المعضلة الأخرى التي واجهتها النساء هي الفكر السلفي لأن اضطهاد النساء يتم عن طريق شيئين العادات والتقاليد والدين وأكبر مكون للثقافة السودانية هي الدين وبالتالي قام السلفيين بأخذ أحاديث تضطهد النساء لمحاربتهن مثل الأحاديث التي تقول إن ختان الإناث من السنة، وفي فترة الثلاثين عاماً التي حكم فيها الإسلاميين لم ينته الختان لأن الآلة الإعلامية كانت تعمل لمصلحة الفكر السلفي ولم يكن هنالك مساحة لوجود فكر مضاد ليناقشه لوجود الديكتاتورية العسكرية والفكر السلفي هو واحدة من المشاكل الكبيرة التي تواجهنا".

وأكدت إحسان فقيري إن التحديات بعد الثورة كانت تتمثل في الفكر الذكوري الذي ظهر بقوة وهنالك دلائل كثيرة عليه "الوثيقة الدستورية التي تم الاتفاق عليها بين العسكريين والمدنيين لإدارة الدولة في الفترة الانتقالية وبعد سقوط البشير نصت على مشاركة النساء بنسبة 40% في جميع مستويات الحكم، وكان هناك تمييز مع وجود نساء في الحكومة الانتقالية لكن الوزيرات المختارات لم تكن لهن علاقة بالحراك النسوي، فليست كل النساء لديهن وعي بالمشاكل الحقيقة ومشاكل النساء هي جزء من الصراع السياسي الدائر وجزء من الصراع الطبقي فالمرأة تضطهد طبقياً، بالإضافة إلى ذلك فأن وزير العدل السابق رغم أننا متضررين من القانون الجنائي وكانت لدينا مقترحات وكنا نتحدث عن إلغاء منظومة النظام العام وليس قانون النظام العام فقط، والنساء متضررات من القانون الجنائي لكنه رغم ذلك لم يكن جاداً في معالجة المشكلات ولم تكن الحكومة الانتقالية جادة في تقريب المسافات وإلغاء التمييز".