الحكومة المصرية توافق على مشروع قانون لتجريم زواج القاصرات... نقاط قوته وضعفه

تزويج القاصرات دون السن القانوني واحدة من الآفات المتغلغة في كيان وثقافة المجتمع المصري والتي أحدثت فيه خلل تحملت النساء تبعاته طوال حياتهن، وإرث بات أقرب للعرف والتقليد الراسخ في النفوس.

أسماء فتحي

القاهرة ـ عملت مختلف المؤسسات النسوية على مواجهة زواج القاصرات بكل ما أوتوا من قوة بسلسلة من المقترحات ومشاريع القوانين والتدريبات والحملات التوعوية التي لا تخلوا مؤسسة واحدة تهتم بشؤون المرأة من التعاطي معها، لما لها من تأثير مرضي على المجتمع بشكل عام وعلى النساء وسلب حياتهن وقدرتهن على المواصلة على وجه الخصوص.

تزويج القاصرات جريمة لا يغفلها أحد وتم تصنيفها كإتجار بالنساء وهي كذلك في الكثير من الحالات، ورأينا مؤسسات تتجه للمسرح التفاعلي في حملاتها التوعوية وأخرى تعقد نقاشات قانونية متجهة نحو عمل ما يلزم من تعديلات تشريعية للتعامل معها، ومنظمات أخرى قررت التوجه للتدريب والأنشطة مع الأطفال أنفسهم لتوعيتهم بحقوقهم، والبعض قرر تسليط الضوء والاهتمام على الفاعلين في تلك القضية من أب وأم وجد وجدة في محاولة لتغيير الثقافة السائدة.

ووافقت الحكومة المصرية مؤخراً على مشروع قانون يجرم تزويج الفتيات دون السن القانوني ويعاقب بالحبس والغرامة القائم بهذا الجرم في محاولة لتغليظ عقوبة تلك الجريمة، والضغط من أجل تحجيم انتشارها وهو ما سنستعرضه في التقرير التالي من خلال آراء محاميات ومهتمات بالملف النسوي وقضايا المرأة.

 

"أول تشريع صريح بتجريم زواج القاصرات وتغليظ عقوبته"

قالت المحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة نيرمين عيسى أن مشروع القانون الذي تمت الموافقة عليه يعد أول تجريم صريح لهذه الظاهرة ومعاقبة مرتكبيها بأحكام رادعة حيث كانت عملية الزواج تتم بورقة عرفية حتى الوصول للسن القانوني ويتم التصديق عليها بلا أي عقوبة لمرتكبيه.

وأوضحت أن الدستور المصري يكفل حماية الطفل دون السن القانونية من جميع أعمال العنف وسوء المعاملة والاستغلال التجاري والجنسي الذي يعد زواج القاصرات أحد أوجهه، مؤكدةً أن النائبة إيناس عبد الحليم وضعت حد لمسألة عدم وجود تشريع صريح مرتبط بالعقوبات الواقعة على مرتكبي جريمة تزويج القاصرات فبات "كل من يزوج قاصر واشترك في هذا الفعل سواء كان ولي أو مأذون أو شاهد أو زوج يعاقب بالحبس والغرامة".

وأوجب مشروع القانون على المأذون أو الموثق المنتدب إخطار النيابة العامة الواقع في دائرتها، بواقعات الزواج العرفي الذي يكون أحد طرفيه طفلاً لم يبلغ ثماني عشرة سنة وقت الزواج، والتي تقدم للمأذون بغرض التصادق عليها، مرفقاً بالإخطار صورة عقد الزواج العرفي، وبيانات أطرافه، وشهوده.

ويعاقب كل من حرض على هذه الجريمة بذات العقوبة، ولو لم يترتب على التحريض أثر، ولا يُعد الطفل مسؤولاً مسؤولية جنائية أو مدنية عن هذه الجريمة، ولا تنقضي الدعوى الجنائية الناشئة عن هذه الجريمة، بمضي المدة، كما يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه، ولا تزيد على خمسين ألف جنيه، والعزل، كل مأذون أو موثق منتدب خالف نص المادة (2) من هذا القانون، الخاصة بالإخطار عن واقعات الزواج العرفي الذي يكون أحد طرفيه طفلاً.

 

الردع والتخويف... مميزات القانون

وترى نيرمين عيسى أن صدور هذا التجريم وتلك العقوبة الرادعة سيخيف الكثيرين ويجعلهم يفكرون لمرات عديدة قبل الإقدام على هذا الجرم خشية التعرض للحبس والغرامة، مشيرةً إلى أن الواقع المصري كان بالفعل ينتظر ويترقب صدور تشريع صريح يجرم ويحرم تزويج القاصرات وحرمانهن من التعليم ومنعهن من الحياة التي تلائم سنهن وقدرتهن على التحمل، معتبرةً أن تزويج الأطفال له نتائج اقتصادية كارثية على المجتمع وكذلك اجتماعية لأنه يسمح لأطفال غير مؤهلين بتكوين أسر وأغلبها مشوهة نتيجة نقص الخبرة والمعرفة.

ويعاقب مشروع القانون بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تزيد على مائتي ألف جنيه، كل من تزوج أو زوَّج فتاة أو شاب، لم يبلغ أي منهما ثماني عشرة سنة، وقت الزواج، وتقضى المحكمة على المحكوم عليه إذا كان مأذوناً أو موثقاً أو وصياً على الطفل بالعزل، وإذا كان ولياً عليه بسبب الولاية.

 

تحايل الأسر على القانون ونتائجه على النساء

واعتبرت أن الكثير من الأسر قد يتحايلون على هذا التشريع بتزويج بناتهم سراً، وحرمانهم من الوضع القانوني الذي يؤمن لهم الحياة مستقبلاً، وإهدار حقوق الأطفال الذين ينجبوا في تلك الزيجات.

وأسوأ المشاهد في تقدير نيرمين عيسى، هو وضع الأطفال في حال حدوث طلاق لأنهم سيصبحون بلا شهادات ميلاد أو نسب واضح للأب، كما تحرم المرأة من حقوقها في حالة وفاة الزوج لعدم وجود وثيقة الزواج الرسمية.

وشددت على أن القانون وحده لا يكفي وكذلك تشديد أو تغليظ العقوبات قائلةً "التحرش غلظت عقوبته ومع ذلك الكثيرات ما زلن يعانين في الشوارع من ويلات تعرضهن له، وعقوبة القتل الاعدام ومع ذلك لم يتوقف"، مؤكدةً أن كل عقوبة أو قانون يلزمه إجراءات تنفيذية وتثقيفية وعمل أهلي وحكومي لترسيخ مبادئه في وعي وثقافة المواطن إلى جانب تخويفه من العقاب.

 

حلول لمواجهة التحايل المتوقع على مشروع القانون

البحث والتدقيق ووضع آليات تنفيذ واضحة للقانون أدوات تراها نيرمين عيسى ضرورية للعمل عليها من أجل تحقيق المرغوب من القانون الجديد، مشيرة إلى ضرورة الذهاب إلى القرى والأقاليم وإعداد حصر للمناطق التي يرتفع بها معدل تزويج القاصرات وأسباب ذلك.

وتعتبر نيرمين عيسى أن الاتجاه نحو التوعية المباشرة مع الأفراد في الشارع المصري واحد من الأساليب التي يجب التوجه إليها بجانب التشريعات المغلظة، مؤكدة أن تغيير الثقافة أهم وأكثر تأثيراً في المجتمع خاصة أنه حامل للأفكار الرجعية المهيمنة ومرسخ لها ويعادي كل ما يقف دون استمراريتها.

 

"هناك فجوة بين وقت الزواج والتصديق رسمياً عليه"

قالت المحامية داليا زخاري التي عملت في العديد من مؤسسات تنمية المجتمع المدني وحقوق الإنسان، أنهم أثناء العمل على ذلك الأمر قديماً كانت هناك فجوة بين وقت الزواج والتصديق عليه، فيتم التزويج بورقة في دفتر هامشي حتى بلوغ السن القانوني لإتمام إجراءات الزواج قانونياً.

واعتبرت أن تلك الفجوة الزمنية يترتب عليها كوارث حقيقية منها الأطفال الذين يولدون اثنائها ويظلون بلا تسجيل وفي حال حدوث الطلاق يظل الطفل بدون وثيقة ميلاد، وكل مأذون وسلوكه فالبعض يقمن بكتابة ورق عرفي أو سيحصل على توقيع الزوج على إيصال أمانة وغيرها من السلوكيات المرعبة في التحايل بالمناطق الريفية التي عملت بها.

ولفتت الانتباه إلى أنه هناك بند مهم في القانون بالبند رقم 2 الذي ينص على أن "المشرع أجاز لذوي الشأن أن يقدموا طلب لقاضي محكمة الأسرة لتوثيق عقد الزواج في حالة حدوث المواد الموجودة بقانون العقوبات من 267 لـ 269 والتي تتحدث عن هتك العرض المتمثلة في مواقعة امرأة بغير رضاها وعقوبتها الإعدام في حال كونها أقل من 18 عام"، وننتظر من الصيغة التنفيذية إيضاح أكبر لهذا البند لأنه يبدوا كمحاولة لتخفيف العقوبة على الجاني.

وترى أن نص القانون إذا أخذ بمعناه الحرفي فهو تغليظ للعقوبة لولي الأمر أو المأذون ولكنه لم يتطرق لمحامين الأرياف العاملين على هذا التزويج وهم كثر لذلك فالأمر يستدعى وضع نص واضح يشملهم.

بينما ترى المحامية داليا زخاري، أن تزويج القاصرات لا يرتبط بنقص التوعية أو الاستناد إلى الدين أو سنة أو شرع وغيرها من الأمور الشائعة فالأب يدرك جيداً حقيقة ما يفعل ولكنه يتربح من تزويج طفلته، لذلك لابد من وجود إرادة حقيقية لكل السلطات التنفيذية والقضائية لمحاصرة هذه الجريمة، معتبرة أن تطبيق القانون أهم من تغليظ العقوبة.

وأوضحت أن تغليظ العقوبات لا تعني منع الجريمة مدللة على ذلك بتجارة المخدرات ورغم أن عقوبتها الاعدام إلا أنها قائمة ولم تنتهي، معتبرة أن الحل يكمن في ارادة حقيقية وحلول واضحة تستهدف محاصرة تلك الجريمة.

والجدير بالذكر أن مشروع القانون ينص على أنه لا يجوز توثيق عقد الزواج لمن لم يبلغ ثماني عشرة سنة ميلادية، ولا يجوز التصادق على العقد المذكور، كما أجاز لذوي الشأن أن يقدموا طلباً على عريضة إلى رئيس محكمة الأسرة، بصفته قاضياً للأمور الوقتية للإذن بتوثيق عقد زواج من لم تبلغ ثماني عشرة سنة في الجرائم المنصوص عليها في المواد أرقام (267)، و(268)، و(269) من قانون العقوبات، بعد صدور حكم نهائي بالإدانة.

وأوجب مشروع القانون على المأذون أو الموثق المنتدب إخطار النيابة العامة، الواقع في دائرتها مقر عمله، بواقعات الزواج العرفي الذي يكون أحد طرفيه طفلاً لم يبلغ ثماني عشرة سنة وقت الزواج، والتي تقدم للمأذون بغرض التصادق عليها، مرفقاً بالإخطار صورة عقد الزواج العرفي، وبيانات أطرافه، وشهوده.

ويعاقب كل من حرض على هذه الجريمة بذات العقوبة، ولو لم يترتب على التحريض أثر، ولا يُعد الطفل مسؤولاً مسؤولية جنائية أو مدنية عن هذه الجريمة، ولا تنقضي الدعوى الجنائية الناشئة عن هذه الجريمة، بمضي المدة، كما يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه، ولا تزيد على خمسين ألف جنيه، والعزل، كل مأذون أو موثق منتدب خالف نص المادة (2) من هذا القانون، الخاصة بالإخطار عن واقعات الزواج العرفي الذي يكون أحد طرفيه طفلاً.