الاستفتاء في تونس: بين رافض ومرحّب... والنساء غاضبات

تستعد تونس لخوض مسار سياسي صعب، بعد عشرية يصفها التونسيون بالسوداوية تسببت في تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي حطت بثقلها أكثر على النساء من حيث ارتفاع عدد العاطلات عن العمل والفقيرات وفق إحصائيات رسمية.

زهور المشرقي

تونس ـ يستعد 9 ملايين و300 ألف تونسي للمشاركة في الاستفتاء على الدستور الجديد في الـ 25تموز/يوليو الجاري، وفق ما أعلنته الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بعد أن كان 7 ملايين ناخب قد سجلوا في الاستحقاقات الانتخابية السابقة، وسط حالة من الترقب والترحيب والرفض في آن واحد، من قبل القوى السياسية والأطراف المتناغمة أو المتنافرة في البلاد، كل حسب ايديولوجيته وارتباطاته.

بعض المنظمات النسوية اعتبرت أن الاستفتاء باب جديد لديكتاتورية ناشئة من شأنها تحطيم مفاهيم وقوانين ومكتسبات جاءت بها الثورة وحققتها الحركة النسوية. فيما ترى أطراف أخرى مساندة لإجراءات الرئيس قيس سعيّد بتعديل الدستور والاستفتاء الشعبي ضرورة لإنقاذ البلاد من "الانهيار" بعدما استفحلت الأزمات السياسية والاقتصادية والصراعات الحزبية وطغت المصالح الضيقة التي رأت في الحكم مجرد معبر إلى تحقيق الفائدة، منذ 2011.

وتعليقاً على ذلك قالت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات نائلة الزغلامي لوكالتنا، عن مشاركة أعرق الجمعيات في الاستفتاء من عدمه، مؤكدة أن القرار لا يزال قيد الدراسة بسبب الخلاف بين الجمعيات المدنية والنسوية الشريكة، لافتة إلى أنّ هناك مقترحين: إما المقاطعة أو المشاركة.

وأوضحت نائلة الزغلامي بأن مشروع الدستور يعكس في إعداده وصياغته وطريقة عرضه توجّها أحادياً انفرادياً لرئيس البلاد، هاضم لحق الشعب في النقاش حول مصيره ومستقبله، ودون إشراك مكوّنات المجتمع المدني والسياسي والأكاديميين، معتبرة أن الديناميكية النسوية قد عبرت منذ عرض الرئيس مسودة الدستور بالجريدة الرسمية عن رفضها المبدئي له لاعتباره يحمل في طياته مصادرة جديدة للحريات والمساواة بموجب عبارات على غرار "مقاصد الإسلام".

وأضافت أن "مشروع الدستور ينطوي على مخاطر تمس الطابع المدني الذي تتميز به الدولة التونسية وألغى الاستناد إلى منظومة حقوق الإنسان كمرجعية تأسيسية".

وشدّدت على أن الدستور الجديد الذي قدمه سعيّد سيمنح المشرّع سلطة مطلقة في تحديد الحقوق وتقييدها والتحكم فيها، استناداً إلى تقديرات غير معلومة يمكن أن تمس من الحرية والحقوق.

وندّدت بحذف مرجعية حقوق الإنسان من التوطئة والتركيز على الخصوصية الثقافة والهوية العربية الإسلامية التي تتعارض مع جوهر الاتفاقيات الدولية وكونية حقوق الإنسان، واصفة ذلك بالخطير.

ولفتت نائلة الزغلامي الانتباه إلى خطورة الفصل 108 الذي يتيح للرئيس الإشراف على جميع المؤسسات فضلاً عن تكفّله بتعيين أعضاء المحكمة الدستورية وأعضاء الهيئات والمؤسسات الدستورية في ظل عدم وجود ضمانات سحب الثقة منه ومساءلته.

وحذرت من إضعاف السلطة التشريعية في الدستور الجديد داعية المجتمع المدني والنسوي إلى توحيد الجهود من أجل التصدي لهذا المشروع الذي يتنافى والديمقراطية التي يطمح إليها التونسيون، والتونسيات، حسب تعبيرها.

واختتمت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات نائلة الزغلامي حديثها بالقول إن الديناميكية النسوية ومختلف الجمعيات تتمسك برفضها لمشروع الدستور وللاستفتاء وستتجند للقيام بكل التحركات المشروعة لتحقيق إصلاحات دستورية تحترم طموحات الشعب التونسي وحريته وتضمن المساواة التامة والعدالة الاجتماعية وكل المبادئ التي جاءت من أجلها الثورة.

وبدورها قالت الحقوقية حنان العباسي، أن الدستور الجديد يستجيب لتطلعات الشعب التونسي من ناحية تنظيم السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، مؤكدة أنه لا خوف على الحقوق والحريات التي شدّد الرئيس مراراً على أنها الضامن الأول لها باعتبارها مكاسب ثورية من الصعب الاستيلاء عليها من قبل أي طرف.

وقالت الحقوقية التونسية إنّ "الرئيس سعيد يحلم بجمهورية جديدة يتساوى فيها الجنسين وتعم فيها العدالة الاجتماعية، مؤكدة أن الأصوات التي تروج لعكس مشروع الرئيس تدعمها جهات إخوانية للإطاحة بالمشروع الذي طالما انتظره التونسي في محاولة تشكيك من قبل حركة النهضة التي تولت هي كتابة الدستور عام 2014 بحسب مصالحها للتمكن من ديمومة تسلطها عبر أجندتها الظلامية وأذرعها في كل دواليب البلاد".

وأشارت إلى أن الدستور الجديد سيكون فرصة لاستعادة مؤسسات الدولة المنهوبة وإصلاح البلاد التي تمر بوضع اقتصادي خانق وركود سياسي، لافتة إلى أن تونس عاشت عقداً من الاستبداد والظلم واستشراء المحسوبية والفساد على نطاق واسع وحان وقت استعادتها عبر دستور يمثل شعبها.

ولفتت إلى أن تغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي أمر جيد وخير مثال على ذلك النظام الرئاسي في أعظم بلد بالعالم، وفي بلد كتونس يُستغل فيه الدين والجهل والمال الفاسد سيتحرر الرئيس من سياسات وتوجهات وقيود الأحزاب التي تتعمد شراء الذمم وتوظيف المال السياسي ما يتيح له فرصة التركيز على أمور القيادة والإصلاح والبناء دون ضغوطات وإملاءات من أي طرف.

وعما إذا كان هذا التوجه عنواناً لديكتاتورية جديدة، أكدت أن هذا الترويج وراءه جهات معروفة في تونس، بينما المشروع يمنح الرئيس مساحة أوسع للحفاظ على مصالح البلاد وسير مؤسساتها التي تتعارض أصلاً مع المصالح الحزبية الضيقة التي ترى في السلطة منفذاً للمصالح وهو ما عاشه التونسيون والتونسيات طوال عشرية كاملة من حكم حركة "النهضة" ومن دار في فلكها.

وأوضحت حنان العباسي بأنّ الاستفتاء المرتقب يوم 25 تموز/يوليو، سيوطد العلاقة المباشرة بين التونسيين، والدستور المعروض للاستفتاء سيخلق حركة جديدة تجنب البلاد الصراع الحزبي وتحارب الفساد والاحتكار.