الإجهاض الغير قانوني ومخاطره... دعوات لتنقيح القانون ومنح النساء حقوقهن

لا يزال الإجهاض من بين القضايا المثيرة للجدل في لبنان، إذ تنقسم الآراء ما بين حق التصرف بالجسد وحق الحياة، ما دفع بالجمعيات المعنية بحقوق المرأة للمطالبة بمنح النساء حق اتخاذ القرارات المتعلقة بجسدها وتأمين إجهاض آمن وقانوني لها.

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ أكدت محاميات وأخصائيات في الأمراض النسائية والتوليد، ارتفاع عدد حالات الإجهاض الغير قانوني في لبنان، محذرات من التداعيات الناجمة عنها، مشددات على ضرورة تنقيح قانون الإجهاض في البلاد ومنح النساء حق اتخاذ القرارات المتعلقة بأجسادهن.

يضع الإجهاض غير الآمن الذي يتم بشكل سري حياة المرأة في خطر وقد يعرضها لمساءلة القانونية، لكون العملية مخالفة للقانون في لبنان، والاستغلال المالي.

وحول قضية الإجهاض والمساءلة القانونية أوضحت المحامية سوزان إسماعيل وهي مدربة في مجال العنف الأسري بالمحاكم المدنية والمذهبية، أن "الإجهاض يشكل موضوعاً جدلياً وإشكالية كبيرة في المجتمع اللبناني كونه خليط من مجموعة من الأديان والمذاهب".

وأوضحت أن الإجهاض الغير قانوني يتم إما بمساعدة شخص ما أو أن معظم الأحيان يكون طبيب أو قابلة، أو تقوم المرأة بعملية الإجهاض بنفسها، مشيرةً إلى أن المواد 539 حتى 546 تجرم الإجهاض وهي جريمة يعاقب المرأة الحامل التي تقوم بالإجهاض بنفسها بالسجن لمدة تتراوح بين 6 أشهر و3 سنوات، ومن يساعد في إجهاضها برضاها أو دون رضاها بالسجن لمدة من الممكن أن تصل إلى خمس سنوات، كما يعاقب من يبيع وسائط الإجهاض أو ترويجها أو تسهيل استعمالها، وتشدد العقوبة عندما يكون الفاعل طبيباً أو جراحاً أو صيدلياً أو أحد مستخدميهم.

ولفتت إلى أن القانون ميز في العقوبة بين الجناية والجنحة، فإن كان الإجهاض بموافقة المرأة يدخل ضمن تصنيف الجنحة، وبالتالي تصل العقوبة إلى ثلاث سنوات مع غرامة، بينما إن كان قسراً فيصنف ضمن الجناية حيث تصل العقوبة إلى أكثر من خمس سنوات.

ويسمح القانون اللبناني للمرأة بإجراء عملية الإجهاض إن كان الحمل يشكل خطراً على حياة الأم، وقد يؤدي إلى وفاتها، أو في حال وفاة الجنين داخل رحم الأم، كما أوضحت سوزان إسماعيل، مشيرةً إلى أنه في كلتا الحالتين يجب أن يكون هناك تقرير طبي يؤكد على خطورة استمرار الحمل، متسائلة "هل يجوز حصر السماح بالإجهاض في هاتين الحالتين؟ وهو ما يطرح إشكالية كبيرة، فالجمعيات النسوية والمعنية بحقوق الإنسان تدعو لإقرار مزيد من الاستثناءات، ومنح المرأة حقها في الإجهاض".

وحول الإشكاليات التي تطرحها الاستثناءات التي ينص عليها القانون تقول "هناك حالات حمل يمكن أن تكون نتيجة سفاح القربى، ففي المجتمعات المتحفظة تشكل وصمة عار بالنسبة للأم الحامل، ويمكن أن تصل إلى جرائم قتل أو انتحار المرأة، أما الإشكالية الثانية فتكمن في الحمل الناجم عن حالات الاعتداء الجنسي، الذي يتسبب بأضرار نفسية وجسدية وبالتالي كيف سيكون تعاطيها مع هذا الطفل؟"، مشددة على ضرورة توسيع مروحة هذه الاستثناءات.

وأضافت "هناك فتيات تتراوح أعمارهن بين 12 ـ 16 عاماً تتعرض لاعتداءات جنسية ينجم عنها الحمل، إن الفتيات في هذا العمر غير مؤهلات لتكن أمهات لا جسدياً ولا نفسياً ولا معنوياً، وهو يستدعي إجراء تعديلات على قانون العقوبات اللبناني الذي لا يراعي التطور العلمي والإشكاليات التي نواجهها، وللأسف لا توجد لا مشاريع أو اقتراحات لتعديل القانون".

وترى أن وجود تشوهات لدى الجنين والذي يتم الكشف عنه خلال إجراء تصوير طبي، يؤثر حياة الطفل بعد الولادة وعائلته كذلك، وهو يستوجب تضمينه في القانون كاستثناء وأن تكون مقننة.

ونوهت إلى أنه وفقاً للدراسات الأخيرة فإن عدد حالات الإجهاض الغير قانوني قد ارتفعت في الآونة الأخيرة في لبنان، لأسباب عدة منها ارتفاع أسعار وسائل منع الحمل، وبالتالي ارتفعت نسب وفيات النساء والفتيات نتيجة إجراء عمليات الإجهاض الغير آمنة، سواء في المستوصفات أو عيادات أطباء أو قابلات، وقد يكونوا غير مرخصين، ولا يراعون الشروط الصحية أو التعقيم والأصول الصحيحة في إجراء عمليات الإجهاض، وإن لم يفضي إلى الموت فإنه من المتوقع أن يتسبب في عقم لدى المرأة.

وأكدت على أحقية المرأة في اتخاذ القرارات المتعلقة بجسدها، ولها أن تتخذ قرار الإنجاب أو عدمه بالتوافق مع الزوج أو الشريك، مضيفةً "من وجهة نظري يجب التشجيع على تحديد النسل أي منع الحمل وتنظيم الخصوبة حتى لا تضطر المرأة الغير راغبة في الحمل لإجراء عملية الإجهاض، فضلاً عن تقنين موضوع الإجهاض وتوسيع حلقة الاستثناءات ليراعي جميع الإشكاليات النفسية الناتجة عن الاعتداء وسفاح القربى وحتى الحمل في سن صغيرة وفي حال الإحاطة بهذه الأمور، سنكون قد خففنا من حالات الحمل غير المرغوب به وعمليات الإجهاض خلافاً للقانون".

 

 

من جانبها عرفت المختصة بالجراحة والتوليد والأمراض النسائية وجيهة جابر وهي عضو في جمعية الشرق الأوسط للخصوبة، الإجهاض على أنه انتهاء الحمل بخروج أو نزع الجنين من الرحم قبل أن يصبح قادراً على الحياة، ويمكن أن يحدث تلقائياً بسبب مضاعفات أثناء الحمل فيسمى الإجهاض التلقائي، أو المستحث للحفاظ على الحالة الصحية للحامل ويعرف بالإجهاض العلاجي، في حين أن الإجهاض المستحث لأي سبب آخر يعرف بالإجهاض الاختياري أو المحرض".

وأكدت على ضرورة توعية النساء بالآثار السلبية الناجمة عن الإجهاض المتعمد، حيث من الممكن أن يحدث نزيفاً شديداً يفضي لدى بعض النساء إلى الموت، مشيرةً إلى أن عدد حالات الإجهاض الغير قانون قد ارتفعت في لبنان نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد وأثرت على العوائل الفقيرة، حيث تلجأ النساء اللواتي تعانين من وضع معيشي سيء إلى الإجهاض لعدم قدرتهن على تأمين حياة جيدة للطفل مستقبلاً بالإضافة إلى عدم وجود مال ليكون بإمكانها الذهاب إلى الطبيب وإجراء الفحوصات وتناول الأدوية اللازمة.

وحذرت من تكرار عمليات الإجهاض فقد تحدث لدى المرأة التهابات قد يصعب التخلص منها، وقد يحدث لديها كتلة ليفية أو تكيسات ونزيف وصولاً إلى إزالة الرحم وحتى الوفاة في حالات الحمل المتقدم.

 

 

وفيما يتعلق بالآثار الناجمة عن الإجهاض على المرأة تقول الأخصائية في الجراحة والأمراض النسائية والعقم إيلينا عمرو "إن الإجهاض يحدث تغييرات كثيرة في جسد المرأة بدءً من الأيض وإفرازات الغدد، وصولاً إلى الحالة النفسية والتي من الممكن أن يتسبب في الاكتئاب، فإنهاء الحمل بشكل مفاجئ يحدث ضغطاً على الغدد الدرقية والنخامية".

وأشارت إلى أنه من الممكن أن تتشكل الالتهابات في بطانة الرحم، حين لا يكون هناك علاج مناسب، وقد يصل إلى العقم، كما أن عدم تنظيف الرحم جيداً قد يؤدي إلى الإصابة بالسرطان، مشددة على ضرورة اللجوء إلى الطرق السليمة والآمنة لإجراء عمليات الإجهاض وأن تقوم السلطات بالسماح للمرأة بإجراء تلك العمليات دون استثناءات حفاظاً على سلامتها.