اغتصاب الأطفال صمت مخيف في مجتمع محافظ
يقع آلاف الأطفال حول العالم ضحايا الاغتصاب والتحرش والاعتداء والعنف الجنسي والجسدي، وتسجل الجزائر كل عام مئات الحالات التي تعود إلى العدالة، لكن المخيف أن كل هذه الأرقام لا تمثل إلا النصف إن لم نقل ربع الحالات في الحقيقة
نجوى راهم
الجزائر ـ .
رغم الدعوات التي تتجدد في الجزائر مع كل حادثة متعلقة بحالات اختطاف أو اغتصاب للأطفال، مطالبة بوضع التدابير والإجراءات الكفيلة بردع تلك الظاهرة، والتي ما انفكت تتكرر وتتفاقم، تلتزم الحكومة الصمت.
اعتداءات جنسية... أرقام مفزعة
ارتفعت في الجزائر حدة المخاوف من ظاهرة اغتصاب الأطفال، حيث تشير أرقام المفوضية الوطنية لحماية الطفولة خلال الثلث الأول من عام 2020 إلى تلقي أكثر من 500 إخطار يخص 1107 أطفال، تعرضوا لحالات سوء المعاملة أو العنف أو الاستغلال الاقتصادي أو التسول.
بينما سجلت مديرية الأمن الوطني DGSN، حوالي 5067 حالة منها 2257 حالة اعتداء وإصابة متعمدة و165 حالة سوء معاملة، لعام 2020.
ومنذ بداية عام 2021 تم تسجيل 2453 طفل ضحية لأشكال مختلفة من العنف، منهم 1035 حالة اعتداء وضرب متعمد، فيما لم يتم نشر أي رقم رسمي لحالات الاعتداء الجنسي على القصر.
ونشرت الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل "ندى" أرقاماً مخيفة عن واقع العنف المرتكب بحق الأطفال في البلاد خلال الآونة الأخيرة، حيث كشفت عن تسجيل 800 حالة اعتداء جنسي على الأطفال ما بين 3 و12 سنة منذ فرض الحجر الصحي لمواجهة أزمة فيروس كورونا، مؤكدةً أن ظاهرة اغتصاب الأطفال عرفت ارتفاعاً خلال مرحلة الحجر المنزلي.
وكانت قد سجلت الشبكة خلال 2019، 712 حالة اغتصاب لأطفال، مشيرةً إلى أن عدداً كبيراً من الضحايا يتعرضون للاعتداء بالسلاح الأبيض والحرق والكي والترهيب والتهديد بالخنق، وبينهم حالات اغتصاب داخل الأسرة.
تقول الناطقة الرسمية للشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل "ندى" صبرينة كراب لوكالتنا أنه "منذ كانون الثاني/يناير عام 2021 ولغاية أيلول/سبتمبر الجاري وبحسب إحصائيات خلية الاستماع بشبكة ندى سجلنا أكثر من 204 حالة عنف على الأطفال، منها 211 مرافقة قضائية و180 مرافقة نفسية و110 مرافقة اجتماعية، بالإضافة إلى مرافقة جوالي 385 لاجئ فيما يخص الإدماج في مقاعد الدراسة والتكوين المهني".
وتعد شبكة ندى المنظمة الحقوقية الوحيدة في الجزائر المهتمة بواقع وحقوق الطفل، بدأت العمل والبحث في قضية الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال منذ 2011 لمعرفة واقع حماية الأطفال في الميدان، من خلال رصد تلك الانتهاكات.
مجتمع منغمس في الصمت شريك في العنف
يسود المجتمع الجزائري المحافظ حيث الجنس والعنف من المواضيع المحرمة التي لا ينبغي ذكرها، ثقافة الصمت عن التعرض للاغتصاب ولا سيما إن كانوا أطفالاً، صمت مخيف يجعل من الممكن طمس كل هذه الجرائم الخطيرة ضد القصر وعزلهم، تقول صبرينة كراب أن ذلك يعود إلى "نقص الثقافة والتربية الجنسية في البلاد".
وتوضح "نادراً ما تتم مناقشة مواضيع الجنس والعنف في المجتمع أو في المدرسة، مما يسبب جهل ونقص في المعلومات المتاحة للأطفال والأولياء وهو ما يعزز تزايد حالات الاغتصاب والتحرش".
ويخاف معظم الأهالي الذين يتعرض أطفالهم للاغتصاب أو الاعتداء الجنسي أو الجسدي لتقديم شكاوى خوفاً من وصمة المجتمع وردة فعل محيطهم، فهم يفضلون إخفاء ما حدث على التبليغ عن حادث الاعتداء الجنسي.
ومن الأسباب التي تؤدي إلى تعرض الطفل للاعتداء والعنف داخل الأسرة، ارتفاع نسب الطلاق حيث يتم استغلالهم كورقة ضغط في حالات النزاع والخلاف داخل الأسرة، وفي بعض الأحيان ينتهك الطفل جنسياً كوسيلة انتقام.
المرافقة النفسية والتكفل بضحايا الاعتداءات من أولويات "ندى"
تحاول الجمعيات الناشطة في المجتمع المدني ضمان الحماية المطلقة للأطفال ضحايا الاعتداءات والاستغلال الجنسي في الجزائر، وتوضح صبرينة كراب أن "شبكة ندى توفر خلية الإصغاء والاستماع لحالات الطوارئ من خلال الرقم الأخضر 33-30 باستقبال اتصالات وحالات الاعتداءات الجنسية والاستغلال الجنسي، بالإضافة إلى حالات مختلفة لأطفال ضحايا خلافات زوجية، أطفال ضحايا عنف معنوي وعنف اقتصادي"، وتضيف "تقوم الشبكة بتسطير جلسات للمرافقة النفسية والاستماع للأطفال ضحايا هذه الاعتداءات".
وحول الإجراءات القضائية والنفسية التي تقوم بها الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الأطفال "ندى" تشير صبرينة كراب إلى أن هناك الكثير من المعاملات لحماية الأطفال الذين تنتهك حقوقهم سواء في الاعتداءات الجنسية وضمان حقوقهم في الجانب الجزائي، "تتأسس الشبكة كطرف مدني أمام القضاء للإدلاء بتصريحات الطفل ضحية الاعتداء، بعد التقرير الذي حررته الشبكة من أجل تقديمه لقاضي الأحداث ووكيل الجمهورية ومتابعة حيثيات القضية لاتخاذ قرار نهائي يضمن مصلحة الطفل، وبشكل عام نراعي المصلحة الفضلى للطفل".
ومن التأثيرات العاطفية التي تتملك الطفل الذي يتعرض للاعتداء "الخوف، الغضب، الإذلال، العار، الشعور بالذنب، الخيانة، العجز وفقدان السيطرة"، أما من الناحية النفسية فيصاب الضحية باضطراب القلق والتوتر والاكتئاب، بالإضافة إلى نوبات الذعر واضطراب ما بعد الصدمة وصعوبة في التركيز، كذلك فقدان الدافع، تعاطي المخدرات، والتفكير في الانتحار، أما الآثار الجسدية فتتلخص في زيادة مستويات التوتر والصداع والإعياء واضطرابات النوم والأكل.
غياب رادع قانوني
بالرغم من أن البلاد تنص في بعض من قوانينها على معاقبة مرتكبي الاعتداءات إلا أن المدافعين عن حقوق الأطفال يرون أن تلك العقوبات الواردة في القانون الجزائري غير كافية لردع الجناة والحد من ظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال.
وقامت شبكة ندى بحملات مرافعة فيما يخص التطبيق الصارم للأحكام القانونية المتعلقة بالاعتداءات الجنسية للقصر والأطفال كما تقول صبرينة كراب "هناك إرادة قانونية لتطبيق أقصى العقوبات خاصة بعد تصريح وزير العدل السابق بلقاسم زغماتي، ولكن العمل الحقيقي يبدأ داخل الأسرة وذلك بكسر التابوهات ونشر ثقافة التبليغ عن كل جرائم التحرش والاغتصاب ضد الأطفال، فكما أشرت سابقاً غالباً ما يكون المعتدون من الأقارب".
وأكدت على أن "التنديد من أولى الخطوات للحد أو التقليل من حالات العنف والاعتداء الجنسي على القصر التي غالباً لا تصل إلى العدالة".
وأشارت الناطقة الرسمية للشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل "ندى" إلى أن الشبكة تسير وفق استراتيجية عمل من خلال إطلاق ورشات تكوينية وجلسات توعوية إرشادية ونفسية لفائدة الأطفال، كما شرعت في تطبيق برنامج متكامل حول تلقين سلوكيات الحماية الذاتية للأطفال من الاستغلال الجنسي"، منوهةً إلى أن "هذا البرنامج موجه للأسر والأطفال ضحايا العنف والتلامس الجنسي في الشوارع أو في المدارس أو حتى داخل الأسرة".
وتنص المادة 341 مكرر من قانون العقوبات الجزائري الخاصة بالتحرش الجنسي على أنه "يعد مرتكباً لجريمة التحرش الجنسي ويعاقب بالحبس من شهرين إلى خمس سنوات وبغرامة 50 ألف دينار جزائري (ما يعادل 640 دولار)، إلى 100 ألف دينار جزائري (1280 دولار)، كل شخص يستغل سلطة وظيفته أو مهنته عن طريق إصدار أوامر للغير أو بالتهديد أو الإكراه أو بممارسة ضغوط عليه قصد إجباره على الاستجابة لرغباته الجنسية".
وفصل القانون طبيعة العقوبات، إذ أشار إلى أنه "إذا كانت الضحية قاصراً لم تتجاوز الـ 16 عاماً، ترفع العقوبة لتصبح من 10 إلى 20 سنة، وإذا كان المجني من الأصول أو من فئة من له سلطة على الضحية أو كان موظفاً أو من رجال الدين ترفع العقوبة في هذه الحالة إلى السجن المؤبد"، وإذا استعان الجاني بشخص أو أكثر ترفع العقوبة كذلك إلى السجن المؤبد.