تأخر الأمطار وحبس المياه... مزارعات تتخوفن من تلف الموسم الزراعي

يؤدي قلة الأمطار في شمال وشرق سوريا إلى تأخر نمو المحاصيل الزراعية التي كان يتم ريها من الآبار سابقاً قبل قطع مياه نهر الفرات عن المنطقة، وهو ما يضر بالمزارعين/ات الذين يتخوفون من ضعف الإنتاج وجفاف الأراضي.

سيلفا الإبراهيم

منبج ـ عبرت المزارعات في مدينة منبج عن قلقهن من تأخر هطول الأمطار كما هو الحال في السنوات السابقة، ما ينذر بإنتاج ذو جودة منخفضة، في ظل انقطاع مياه نهر الفرات عن مناطق شمال وشرق سوريا.

تضعن البذور في الأرض وتنتظرن الفرج من السماء لعلها تعطف على حالهن وتمطر عليهن لترفع تلك البذور رأسها من بين التراب، ولكن العوامل البيئية وتقلص الغطاء النباتي يخيب آمالهن، هذا حال المزارعات اللواتي لجئن للزراعات المطرية بعد أن باتت الزراعة بالري أمراً شبه مستحيل في ظل حبس الدولة التركيا لمياه نهر الفرات عن مناطق شمال وشرق سوريا.

تقول فوزة محمد من قرية النعيمية في ناحية أبو قلقل جنوب غرب مدينة منبج، أن الأمطار تهطل عادة في شهر تشرين الأول/أكتوبر ولكن هذا العام هطلت في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر والذي كان له تداعيات على المحاصيل وجودتها.

وأشارت إلى أن جل القرى في مدينتها تعتمد على الزراعة البعلية أي الأمطار "نقوم في قريتنا بزراعة محصول الشعير والحنطة والعدس والجولبان في فصل الشتاء، إلا أن تلك المحاصيل تتأثر بهطول الأمطار التي تأخرت هذا العام"، لافتةً إلى أن تأخر هطول الأمطار يؤثر على نمو البذور وبالتالي الإنتاج، فعادة ما تكون الأراضي الزراعية خضراء في مثل هذا الوقت من الشهر، ولكن لم يكن كذلك هذا العام على حد قول فوزة محمد التي تمتلك أرض زراعية بمساحة هكتار وأربعة دونمات، قامت بزرع الشعير فيها، ولا يتجاوز طول النبتة 10 سم.

وحول السبب الكامن وراء لجوء أهالي القرى لزراعة المحاصيل التي تعتمد على الأمطار، تقول إيمان محمد وهي كذلك من أهالي قرية النعيمية "عدم توفر المياه لري المحاصيل الزراعية، إثر قطع تركيا لمياه نهر الفرات عن المنطقة وعدم منحها حصتها، بالإضافة إلى نقص مياه الآبار، يدفعنا لزراعة المحاصيل البعلية".

وعملت إيمان محمد كسابقتها على زراعة محصول الشعير على مساحة هكتار، إلا أنها تخشى أن يكون الإنتاج منخفض إثر تأخر هطول الأمطار "عندما كانت تتوفر المياه كنا نقوم بزراعة كافة المحاصيل التي بالإمكان ريها كزهور دوار الشمس، الذرة والقطن، وكنا نكتفي من إنتاج البساتين، ولكن منذ سنوات ومع الانخفاض الذي يشهده نهر الفرات لم نزرع سوى الزراعات المطرية"، مشيرةً إلى أن تلك المحاصيل لم تكن انتاجيتها جيدة خلال السنوات الماضية إثر قلة الأمطار وتأخرها.

لا يقتصر قلة مياه النهر على القرى البعيدة عنها فحسب، فحتى القريبة منها لم تستفد من موقعها الجغرافي "جميع القرى في مدينة منبج حتى تلك القريبة من نهر الفرات تعتمد على الزراعة المطرية أو الري من الآبار التي بدورها باتت قليلة جداً إثر كثرة استخدامها في جميع مدن شمال وشرق سوريا، وتكلف كثيراً دون الحصول على إنتاج جيد"، مستنكرةً لجوء تركيا إلى حرب المياه ضد الشعب في المنطقة، مستهدفة لقمة عيشهم، مطالبةً المجتمع الدولي بالضغط عليها ومنح سوريا حصتها من مياه النهر.

ولا تتجاوز كميات المياه المتدفقة عند الحدود السورية - التركية الـ 200 متر مكعب في الثانية، بمعدل انخفاض يبلغ 60%، من كمية التدفق المتفق عليها في البروتوكول الموقع بين سوريا وتركيا عام 1987، والذي يقضي بتدفق مقداره 500 متر مكعب من المياه في الثانية على الحدود المشتركة بين البلدين.

واعتبرت فضيلة الحمد أن نهر الفرات شريان الحياة بالنسبة للأهالي في شمال وشرق سوريا، وانقطاعه بين الفينة والأخرى دفع بالكثير منهم لحفر الآبار ولكن انخفاض منسوب مياه النهر أثر بدوره على المياه الجوفية كذلك، أي أن مياه الآبار لم تعد كافية للري وحتى للاكتفاء الذاتي.

وأشارت إلى أنها حفرت ثلاثة آبار وجميعهم لم يوفروا المياه لها، لتلجأ إلى جارتها صاحبة البئر الكبير لتأخذ منه حاجتها من المياه بما يكفيها للاستعمالات اليومية فقط.

وفضيلة الحمد هي الأخرى زرعت محصول الشعير وتتمنى أن يكون موسم الأمطار هذا العام جيداً لأنها لم تستفد من الآبار التي حفرتها وباتت المحاصيل التي زرعتها في الأعوام السابقة سيئة الإنتاج، لافتةً إلى أنه إذا ما تأخرت الأمطار فإن البذور ستصبح هدفاً للحشرات والنمل ليتغذوا منها ويفرغوا التربة من البذور.

وأضافت "عندما كانت مياه الري متوفرة كنا نزرع شتى أنواع المحاصيل الزراعية والخضار، لم نكن بحاجة للآبار، كما أننا لم نعر الاهتمام لتأخر هطول الأمطار، بينما الآن الأمر مختلف فحتى مياه الشرب ليست متوفرة"، مطالبةً بالضغط على تركيا لمنح سوريا حصتها من المياه في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة، فالمواسم التي تكون جودتها سيئة تؤثر على المزارع من حيث التكلفة الاقتصادية.

ويلعب الغطاء النباتي دوراً كبيراً في حفظ التوازن البيئي، والذي يضم كافة النباتات الموجودة على كوكب الأرض من غابات وأحراش، وطحالب، وحدائق، ونباتات برية كبيرة أو صغيرة وأشجار وشجيرات نشأت بصورة طبيعية من تلقاء نفسها دون تدخل الإنسان.

وقد أوضحت الرئيسة المشتركة للجنة البيئة في مدينة منبج يسرى خالد أن تقلص الغطاء النباتي يشكل أحد الأسباب الرئيسية التي تؤثر في حدوث الرطوبة وبالتالي تشكل الغيوم وبالتالي هطول الأمطار، والضباب والندى التي تشكل الأنهار والينابيع وترفع من مستوى المياه الجوفية.

أي أن ارتفاع درجات الحرارة يتسبب في الاحتباس الحراري بفعل النشاط البشري الصناعي والتجاري والعسكري والقطع الجائر للأشجار الحراجية والتوسع العمراني الأفقي والأمطار الحمضية الناتجة عن اختلاط الأمطار ببعض المركبات الكيميائية في الجون إضافة إلى الحرائق، وكل ذلك على حساب البيئة لتحقيق مردود بأقل كلفة وهذا ما نتج عنه ثقب الأوزون، كما أوضحت يسرى خالد.

ولفتت إلى أنه رغم الجهود المبذولة من لجنة البيئة إلا أنهم لم يستطيعوا ضبط التغيير المناخي في المنطقة لأن العوامل الناتجة عنه باتت تفوق جهودهم المبذولة.

وأضافت "لاحظنا خلال الأعوام السابقة اندماج الفصول الأربعة وبات فصلي الخريف والربيع وكأنهما فصل واحد، وأصبحا أطول مدة من فصلي الشتاء والصيف، وبات تأثير ذلك واضحاً على المحاصيل الزراعية وخصوصاً القمح والشعير".

وحثت على ضرورة المحافظة على الطبيعة والبيئة "على كل فرد أن يرى من مسؤوليته الحفاظ على البيئة والمساهمة في تكثيف الغطاء النباتي من خلال زرع الأشجار والنباتات، لأن سوء حال البيئة يغير من المناخ وينعكس سلباً على كافة جوانب الحياة، وحمايتها من واجب الجميع".