كيف أثرت وتتأثر المدن الليبية بالتغير المناخي؟

تعد ليبيا من أكثر الدول المتضررة بالتغيير المناخي نظراً لندرة الموارد المائية الموجودة فيها.

ابتسام أغفير

بنغازي ـ البناء العشوائي، والتخطيط غير المتوازن، استيراد السيارات بإعداد كبيرة دون ضوابط معينة، كلها أسباب جعلت مدينة بنغازي من أكثر المدن تأثر بتغيير المناخ، فرغم أنها مدينة ساحلية إلا أن درجات الحرارة وصلت في فصل الصيف إلى 45 درجة مئوية، إضافة إلى أن شتاء هذا العام حظي بارتفاع كبير في درجات الحرارة، وهبوب رياح قبلية محملة بالتربة والغبار التي كانت تهب في فصل الخريف.

حول آثار التغير المناخي قالت المهندسة المعمارية هدى حامد الزوي وهي حاصلة على درجة الماجستير في الهندسة البيئية "شهدت الكرة الأرضية في السنوات الأخيرة ارتفاع في درجات الحرارة بدرجة ونصف عن المعدل الطبيعي، وهذا أثر على الأرض بصفة عامة من ناحية الرطوبة والتنوع البيولوجي، وبالتالي أثر علينا نحن البشر".

وأضافت "في مناطق شمال أفريقيا أشارت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى أن ليبيا من أكثر الدول المتضررة بهذا التغيير نظراً لندرة الموارد المائية الموجودة فيها، وهذا بالتالي أثر على المدن والمباني، وأصبحنا بحاجة لاستحداث معالجات تحد من أثر التغيير المناخي، والسعي لإيجاد حلول تنموية وبيئية، وحلول مناسبة للمدن من ناحية التخطيط العمراني والبيئة العمرانية داخل الفراغ المعماري سواء أكان منزل أو مبنى بشكل عام".

وأثر البناء العشوائي على انسيابية الطرق التي كانت عليها مدينة بنغازي قديماً كما أوضحت، حيث كانت هناك انسيابية في سير مياه الأمطار وتجمعها في نقطة ومن ثم يتم تصريفها للبحر، وهناك مشكلة أخرى أن من يقوم بإنشاء مستشفى أو أي مبنى عمومي لم يعد يفكر في إنشاء محطة معالجة تقوم بعملية إعادة تدوير المياه والتي يمكن الاستفادة منها فيما بعد في الزراعة "استحداث أحياء سكنية بالكامل بصفة عشوائية أثر على التخطيط العمراني لمدينة بنغازي التي كانت تمتاز بالتخطيط النصف دائري المنتظم، وأن هذه المباني العشوائية لا تمت للتخطيط العمراني الحقيقي للمدينة بأي صلة، وهذا أثر على شكل الطرق والمواصلات، وزاد عدد السيارات التي سببت في انبعاث الكربون وهو السبب الأساسي في ارتفاع درجات الحرارة".

وأشارت إلى أن "ما نراه اليوم في الطرقات من إلغاء الجزيرة الوسطية بين الطرقات أو تقليص مساحتها وهذا يزيد معدل السيارات، أو بنائها كأحواض يتم الزراعة فيها، وهذه بالتأكيد إجراءات خاطئة لأنه يمنع الناس من اجتياز الطريق بشكل مريح ويعيق حركتهم".

وأكدت على "ضرورة أن يكون هناك حل بيئي وتخطيطي، ولابد أن يكون هناك وسيلة مواصلات جماعية بأقل تكلفة، والتقليل من استخدام السيارات التي تستهلك البنزين والمشتقات النفطية التي تسبب انبعاثات الكربون، ولابد أن نتبع طريقة الاستدامة البيئية في حلولنا الصديقة للبيئة والحلول المؤقتة".

وأشارت إلى أهمية الغطاء النباتي الذي باتت تفتقده مدينة بنغازي "لابد أن تفوق المساحات الخضراء نسبة اثنان ونصف للفرد الواحد في التخطيط، أي كل شخص لديه مترين ونصف من المساحات الخضراء تتمثل في الحديقة المحيطة بالمباني أو ملعب أخضر".

ولابد للتخطيط العمراني الصحيح أن يراعي طبيعة المناخ والطبيعة الطبوغرافية، ويركز على المميزات الجغرافية والبيئية داخل المحيط الذي يراد العمل عليه كما أوضحت، لذلك هناك تسلسل مهم جداً يقوم على البيئة النظيفة وتوعية الناس اتجاه العمارة الخضراء والزراعة.

ولفتت المهندسة هدى الزوي إلى أهمية التركيز على شكل البناء سواء كان منزل أو مجمع إداري بدلاً من البناء بشكل عشوائي، وأوضحت مثالاً على ذلك مدينة غدامس الليبية التي أقيمت على واحة في عمق الصحراء والتي تدل في بنائها على إبداع المهندس المعماري، فسابقاً كان يتم إنشاء الأبنية بشكل متقارب للحماية من بيئة الصحراء الصعبة.

وبينت أن السكان في مدينة غدامس استخدموا المواد المحلية داخل المدينة التي تقييهم حر الصحراء مثل الطين وجذوع الأشجار وسعف النخيل، وكلما زاد عرض الجدار زاد العزل، وأصبح المنزل بارد في الصيف، وفي الشتاء دافئ وتم استخدام الخشب في السقف فهو عازل صوتي مناسب، وحتى أن تخطيط المدينة في حد ذاته يخفف من حرارة الصيف فالمنازل مجاورة والشوارع ضيقة، وهي تشبه شوارع مدينة بنغازي القديمة ومدينة درنة القديمة.

وأشارت إلى أهمية الفناء الداخلي في المدن الساحلية أو الصحراوية فهو يعمل على خفض درجات الحرارة والرياح في ظل تغير المناخ "باتت الرياح الموسمية التي تهب على ليبيا في فصل الخريف، رياح قبلية محملة بالأتربة والغبار، فالأفنية الداخلية كانت من العلامات المميزة لمدينة درنة".

وعن الحلول التي لابد أن تسعى الحكومة لإيجادها من أجل مواجهة التغيير المناخي تقول هدى الزوي "يجب إيجاد حلول تقنية إلى جانب الحلول المحلية، واختيار ما هو مناسب لبيئتنا وخصوصيتنا، إذ نحن من نقوم بتحديد احتياجاتنا ونضع لها حلول، فشوارع بنغازي القديمة بنيت بشكل متوازي مع الرياح حيث تضغط الرياح، فالشوارع متعامدة على البحر، إضافة إلى سمة الفناء الداخلي، ووجود مساحات خضراء بسيطة، وهذه السمات فقدناها".

وأضافت "هناك حلول تقنية بسيطة وهي لابد أن نعود لأصل التخطيط ولا أتحدث عن تخطيط مبنى فقط وإنما المدينة ككل، فحتى البحيرات التي هي محميات طبيعية، تلطف درجات الحرارة وتحافظ على التنوع البيولوجي، أصبحت هناك مباني داخلها وهذه تعديات على البيئية وليست تعديات على المناطق المفتوحة فقط".

واختتمت المهندسة المعمارية هدى حامد الزوي حديثها بالقول أن مدينة بنغازي تعاني من ارتفاع منسوب المياه كونها مدينة تحتها سبخات مالحة، كما أن ارتفاع البحر قد يجعلها تواجه صعوب في التأقلم مع هذا الارتفاع مثلها مثل أي مدينة ساحلية قد تواجه خطر زحف البحر عليها بسبب التغيير المناخي.