جفاف بحيرة أورمية يؤثر على القطاع الزراعي

أكدت الخبيرة المختصة في الجيولوجيا سهيلا كريمي على أن الاستخدام العشوائي للمياه الجوفية تسبب في اختلال توازن الأرض، والذي أدى إلى هبوط الأراضي المحيطة بالبحيرة لتوثر بدورها على نمط التدفقات الجوفية والسطحية.

يارا محمدي

أورمية ـ تعتبر بحيرة أورمية الواقعة في شمال غربي إيران واحدة من أكبر البحيرات المالحة في إيران، والتي واجهت تحدي الجفاف في السنوات الأخيرة.

تقع بحيرة أورمية في شمال غرب إيران، وتعد من أكبر البحيرات المالحة في الشرق الأوسط، أكثر من 95 % من هذه البحيرة جف الأن، تعتبر الزراعة جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد والحياة البشرية الأمن البشري بشكل كامل، ويمكن اعتبار ادعاء ملكية الإنسان للأرض والنظام البيئي هو السبب الجذري للعديد من المشاكل البيئية، ووفقًا لبعض الفلاسفة، لأن التسلسل الهرمي لهيمنة الإنسان على البشر تتغير عندما تتغير هيمنة الإنسان وملكيته على البيئة، وما نشهده اليوم هو سيطرة الإنسان واستغلاله للبيئة والنظام البيئي، مشكلة تعاني منها بحيرة أورمية منذ سنوات، وهي الآن بمثابة مرآة ضد تصرفات الإنسان وتتحدى العامل الرئيسي لجفافها، وهو الإنسان ورفاهيته واقتصاده.

العوامل التي أدت إلى جفاف بحيرة أورمية

أفات الأبحاث بأن الجفاف والتغيرات المناخية لم يتسبب إلا في انخفاض هطول الأمطار بنسبة 5% فقط في منطقة مستجمع مياه بحيرة أورمية، لعبت العوامل البشرية دوراً أكبر في جفاف البحيرة كان من أبرزها بناء جسر يسمى "جسر الشهيد كلانتاري" وهو أطول جسر بني في إيران ويبلغ طوله ألف وسبعمائة وتسعة أمتار يربط بين مدينتي أورمية وتبريز، والذي تم تنفيذه دون تقييم بيئي تفصيلي، نسبب في انسداد واسع النطاق لتدفق المياه، مما أدى إلى تقسيم المياه الواردة إلى حوضين وزيادة كمية تبخر المياه، وبالتالي فهو يعتبر عاملاً رئيسياً في جفاف البحيرة.

ومن بين العوامل الطبيعية والبشرية الأخرى إلى جانب الجفاف، يمكن أن نذكر البناء العشوائي للسدود على مصادر إمداد المياه، والاستخدام العشوائي للموارد المائية في منطقة مستجمعات البحيرة، مثل حفر الآبار غير المرخصة للزراعة.

تأثير جفاف بحيرة أورمية على الزراعة في المنطقة

إن وجود السهول الواسعة والأراضي الخصبة حول بحيرة أورمية جعل من هذه المنطقة واحدة من أهم المناطق لإنتاج الغذاء وتربية الحيوانات، تغطي منطقة مستجمع مياه بحيرة أورمية حوالي 500 ألف هكتار من الأراضي، حوالي 370 ألف هكتار منها أراضي زراعية والذي يرتبط مباشرة بإنتاج الغذاء، ووفقاً لمعلومات مركز الإحصاء الوطني الإيراني، تقع 42 مدينة و520 قرية في منطقة مستجمع مياه بحيرة أورمية، أي حوالي 9.2% من إجمالي سكان إيران، ويعمل بها 70% من السكان، وتعتمد هذه المنطقة بشكل مباشر وغير مباشر على الزراعة.

وعندما تتجه البحيرات الجافة نحو الغمر أو اشتداد الملوحة فإن آثارها السلبية على الزراعة ستزداد مع الزمن، قام بعض الباحثين، مع الأخذ في الاعتبار التغيرات المناخية واستخدام الأراضي وتدهورها في إطار زمني مدته 30 عاماً، بدراسة آثار الجفاف التدريجي لبحيرة أورمية على إنتاج المنتجات الغذائية، وتظهر نتائج هذه الدراسة أن الجفاف أدت إلى انخفاض مساحة البحيرة لينخفض بذلك آثار المنتجات الزراعية في الثلاثين عاماً الماضية، ونظراً للآثار البيئية الضارة وجفاف البحيرة، فمن المتوقع أن ينخفض ​​إنتاج الغذاء بشكل أكبر خلال الثلاثين عاماً المقبلة، كما أن لملوحة التربة والمياه وتخسف الأراضي والرياح الحارة والعواصف الرملية والملحية والعناصر الثقيلة التي دخلت هذه البحيرة سيكون لها الأثر  الأكبر على زراعة هذه المنطقة.

ملوحة التربة والمياه

سوف يؤثر تسرب المياه المالحة من البحيرة واستخراج طبقات المياه الجوفية على نطاق واسع على جودة المياه الجوفية، وتغطي ملوحة المياه تدريجياً منسوب المياه الجوفية في المنطقة، كما أن إمدادات مياه الشرب والمياه اللازمة للأنشطة الصناعية والزراعية غير متوفرة، لأن ملوحة التربة والصوديوم الذي يدخل إليها نتيجة ملوحة المياه يدمر الكثير من المنتجات الزراعية والحدائق ويجعل الأرض غير صالحة للزراعة.

وتشير الخرائط الحالية لتقدم ملوحة التربة ونتائج الدراسات إلى أن ملوحة التربة تتوسع في المناطق الشرقية والجنوبية من منطقة مستجمع مياه بحيرة أورمية، تتمتع هذه المناطق بأكثر الأراضي الزراعية خصوبة ويتم إنتاج ملايين الأطنان من الغذاء هناك كل عام، ولكن مع جفاف بحيرة أورمية نتيجة ملوحة التربة والمياه، فإن استخدام هذه الأراضي الزراعية ستنخفض ​​بشكل كبير.

هبوط الأراضي نتيجة إفراغ منسوب المياه الجوفية

وعن جفاف بحيرة أورمية الذي أدى بدوره إلى ازدياد هبوط الأراضي بشكل كبير وتأثر البنية التحتية والأراضي الزراعية بها تقول الخبيرة والمختصة في الجيولوجيا سهيلا كريمي، "هبوط الأرض ظاهرة بيئية تعني انخفاض سطح الأرض، لهبوطها أسباب مختلفة وعديدة، لكن أحد أهم الأسباب هو انخفاض منسوب المياه الجوفية، منذ عدة عقود ويتم الإبلاغ عنه في جميع أنحاء العالم، وفي إيران يوجد هبوط في الأرضي في العديد من المدن مثل يزد، أصفهان، رفسجان، وسيستان وغيرها، ولكن في العالم كله مع زيادة التصنيع والتحضر والضخ المفرط للمياه الجوفية، حدث هبوط الأراضي خاصة في المناطق الجافة وقليلة الأمطار.

أما عن العلاقة بين هبوط الأراضي وجفاف بحيرة أورمية أوضحت "إذا نظرنا إليها من وجهة نظر بسيطة، فمع جفاف بحيرة أورمية وقلة هطول الأمطار ستواجه المنطقة شحاً في المياه، والاستخدام المفرط لهذ المياه سوف يفرغ ما يعرف الآن بالمياه الجوفية للبحيرة، ونتيجة لذلك سوف يختل توازن الأرض، وكل هذا سيؤدي إلى هبوط الأراضي المحيطة بالبحيرة، والتي هي في الأساس أراضي زراعية، من التدفقات الجوفية والسطحية، وعدم قدرة الآبار على الري.

وأكدت أنه بناءً على الأبحاث التي تم إجراؤها مع الاهتمام بالظروف الجيولوجية لمنطقة الدراسة في سهل أورمية، فقد حدث الهبوط تدريجياً وبلغت كمية الهبوط في سهل أورمية من 5 ـ 17سنتيمتراً.

هبوب الرياح والعاصفة الرملية والملحية

وتعتبر العواصف ووجود الأملاح والمعادن السامة في الهواء من المشاكل التي تؤثر بشكل مباشر على صحة الإنسان والمنتجات الزراعية، وعلى الرغم من أنه تمت السيطرة على الملح والرمال السائبة إلى حد ما عن طريق زراعة أنواع نباتية تتوافق مع ملوحة حافة بحيرة أورمية، إلا أنه في صيف عام 2023، واجهت مدينة أورمية والقرى المحيطة بها عاصفة من الملح والرمال في المنطقة، إلا أن هذه العواصف لا تحتوي على الملح فحسب، بل إن المعادن الثقيلة والمواد السامة التي مرت عبر الأنهار بطرق مختلفة وصبت في البحيرة سوف تطفو في الهواء مع بلورات وجزيئات الملح عندما تجف البحيرة، وسوف تذهب أبعد من ذلك.

إن انخفاض عملية التمثيل الضوئي، وزيادة التنفس، وزيادة درجات الحرارة، وانخفاض نمو النباتات وموتها، ستكون من بين أضرار هذه العواصف، كما أن انتقال جزيئات الملح يمكن أن يجعل التربة تدريجياً مالح، كما أن آثار جفاف بحيرة أورمية تتجلى في فقدان المنتجات الزراعية، وفقدان مواشي القرويين، وزيادة الأمراض مثل السرطان، وإخلاء القرى والهجرة إلى المناطق الحضرية، لتؤدي إلى أزمة اجتماعية واقتصادية.