حرائق الغابات في المغرب تعمق معاناة النساء القرويات

أكدت عدد من الناشطات أن العالم برمته شهد تغيرات مناخية ساهمت في حدوث بعض الكوارث والظواهر الطبيعية من بينها الحرائق والزلازل والفيضانات، ومنها المغرب التي تشهد حرائق مستمرة، تنشب بين الفترة والأخرى.

حنان حارت

المغرب ـ التهمت ألسنة النيران العديد من الأراضي والغابات والمحاصيل الزراعية في المغرب، نتيجة الحرائق التي تشهدها العديد من المناطق بسبب ارتفاع درجات الحرارة ونقص الموارد المائية وتقلبات المناخ، مما تسبب في وفاة أربعة أشخاص اختناقاً بينهم امرأتين.

تتواصل جهود فرق الإطفاء لإخماد الحرائق التي نشبت يوم الثلاثاء 26 تموز/يوليو في إقليم تاونات بالمغرب، والتي حرقت حوالي 33 هكتاراً من المناطق الحرجية، وأدت إلى وفاة امرأتين اختناقاً، ما رفع الحصيلة إلى أربع وفيات منذ منتصف تموز/يوليو، واستطاعت فرق الإنقاذ من السيطرة الكاملة على حرائق أخرى كانت قد نشبت بشكل منفصل في عدد من الغابات بشمال المغرب، والتي استمر إخمادها لمده أسبوع.

والتهمت النيران آلاف الهكتارات من الأراضي والغابات والمحاصيل الزراعية والمواشي، وفقد المئات من سكان تلك المناطق مساكنهم، وباتوا من دون مأوى أو أي مصدر للرزق، ودعت عدد من المنظمات المدنية والحقوقية في المغرب، إلى ضرورة إيجاد حلول عاجلة وعملية للسكان المتضررين من هذه الحرائق التي تعد الأكبر من نوعها في المغرب.

وأكدت الحقوقية ورئيسة رابطة فيدرالية حقوق الإنسان سميرة موحيا، على تضامنها مع سكان المناطق المتضررة خاصة النساء والفتيات والأطفال، الذين يعدون من أكثر المتضررين سواء في المغرب أو في بلدان أخرى تشهد تغيرات مناخية تنتج عنها حرائق أو فيضانات أو حتى وقوع زلازل، وأن الحرائق التي تشهدها المغرب تسببت في خسائر مادية لدى السكان، ما جعلها تعاني أضراراً كبيرة.

وعن الآثار السلبية للحرائق والكوارث الطبيعية، أوضحت الحقوقية سميرة موحيا "تظهر الآثار السلبية في العديد من مجالات الحياة حيث لا يقتصر الضرر على أنظمة الغذاء والزراعة والموارد المائية، ولكن يمتد ليؤثر على صحة الأفراد بما في ذلك صحتهم الجنسية والإنجابية وكذلك على رفاهيتهم وحمايتهم وحقوقهم".

وأشارت إلى أن النساء والفتيات في القرى هن الأكثر ضعافاً وتأثراً، وذلك لأنهن يتحملن العبء الرئيسي للحصول على الغذاء والماء وغير ذلك من المؤن الضرورية لأسرهن، بالاعتماد على الموارد الطبيعية التي تتعرض للخطر نتيجة تأثيرات تغير المناخ، مبينةً أن نشوب هذه الحرائق في الغابات أفقد عدداً من الأسر المغربية في القرى المجاورة للغابات موارد الرزق سواء الأشجار أو المحاصيل الزراعية أو الماشية.

وأوضحت أنه في أنحاء كثيرة من العالم، لا تزال النساء في الظروف العادية يواجهن عدم المساواة بين الجنسين، مما يجعل حياتهن وحياة أسرهن صعبة، ويزداد الأمر سوءاً في الأوضاع الإنسانية، مثل الكوارث المناخية، وبالتالي فهم أقل قدرة على مواجهة تأثيرات تغير المناخ.

ومن جانبها قالت الباحثة في قضايا التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية إلهام بلفحيلي "رغم من أن المغرب شهد تحقيق تقدم كبير، إلا أن تحسين التأهب لمواجهة الكوارث وتصميم تدابير أفضل للوقاية من الكوارث والتكيف مع تغير المناخ، لا تزال تشكل تحديات كبيرة في طريق التنمية المستدامة".

وأوضحت أن العالم بأكمله يعرف تغيرات مناخية ساهمت في حدوث بعض الكوارث والظواهر الطبيعية من بينها الحرائق والزلازل والفيضانات وغيرها، والمغرب مثله مثل سائر دول العالم شهد حرائق ممتدة في الزمن والمكان وشدتها مرتفعة، وترجع بالأساس إلى موجة الحر التي عرفتها طوال هذه الأسابيع الأخيرة. 

وقالت "يعد تغير المناخ أحد أكبر التحديات العالمية، حيث تتفاوت آثارها بين الأجيال والمناطق والطبقات والفئات المختلفة من الدخل والعمر والنوع الاجتماعي"، مشيرةً إلى أن لها آثار ضارة يمكن الشعور بها على المدى القصير من خلال الكوارث الطبيعية، مثل الحرائق والفيضانات، وعلى المدى البعيد من خلال التدهور التدريجي للنظام البيئي، الذي من المتوقع أن يزداد سوءاً بشكل ملحوظ خلال السنوات المقبلة.

ولفتت إلى أن هذه الحرائق أظهرت الخطر المحدق بالبشرية برمتها، ولعل المغرب يعتبر من أكثر البلدان حسب مجموعة من التقارير الدولية التي سيتضرر من التغيرات المناخية التي تعرفها الكرة الأرضية، والتي من أخطر نتائجها ارتفاع درجة حرارة الأرض، وما ينجم معها من ذوبان الجليد في القطب الشمالي والجنوبي، وندرة المياه، والجفاف ومثل هذه الحرائق التي يشهدها المغرب وعدد من البلدان في أوروبا.

وعن التدخلات التي قامت بها فرق الإطفاء، قالت "كان هناك تدخلاً سريعاً من قبل السلطات المختصة، نظراً لكون المغرب يتوفر على مجموعة من الوسائل اللوجيستيكية، التي مكنته من التدخل السريع، والحد من هول هذه الحرائق التي كان من الممكن أن تكون أخطر لولا أن المغرب يتوفر على مجموعة من الطائرات المتخصصة، بالإضافة لتدخل مجموعة من الفاعلين، وحتى المواطن لعب دوراً في الحد من هذه الحرائق".

وأشارت إلى أن السلطات المختصة تعاملت بحرفية وسرعة مع الصعوبات التي اعترضتها والمرتبطة بوعورة المنطقة، وتم العمل على تقليص الخسائر البشرية عن طريق إجلاء السكان بعيداً عن أماكن الخطر، "لا يمكن القول إن الحرائق انتهت، لأن التغيرات المناخية لا زالت مستمرة، والخطر لا زال يحدق بنا".

وأكدت إلهام بلفحيلي على ضرورة اعتماد سياسة وقائية، وأنه لابد من توعية أهالي المغرب بخطورة الوضع، مشيرة إلى أن زوار الغابات عليهم المحافظة على البيئة من خلال عدم ترك أي معالم يمكنها أن تكون سبباً في نشوب الحرائق، وبعدم ترك حفر فيها بعض النار أو بعدم رمي أعقاب السجائر، أو حتى الزجاج، لأن درجة الحرارة المرتفعة، من شأنها أن تهدد بالاشتعال في أية لحظة.

وشددت على أنه يجب وضع استراتيجية واضحة للعناية بثروات الغابات ومراقبتها، بواسطة الأقمار الاصطناعية، ووضع ممرات فارغة للحد من انتشار الحرائق لتسهيل الوصول إلى الغابات من أجل تنفيذ عمليات الإطفاء في حال وقوعها، كما على المواطن أن يعي بضرورة الحفاظ على البيئة، فإذا اختفى الغطاء النباتي الذي يمده بالأكسجين، فإن الحياة ستصبح مستحيلة، مشيرةً إلى أنه لابد من سن قوانين حاسمة وزجرية، للحد من الاعتداءات التي تطال الغطاء النباتي.

وواصلت فرق الإنقاذ يوم الثلاثاء 26 تموز/يوليو، مدعومة بطائرات إطفاء، جهودها للسيطرة على حرائق نشبت في عدة غابات في شمال غرب البلاد، بينها حريق أتى على 35 هكتاراً في إقليم "الفحص أنجرة"، فيما فاقت مساحة الغابات المتضررة من الحرائق التي اندلعت بين 13 ـ 18 تموز/يوليو 10500هكتار، وتم إجلاء أكثر من 536 أسرة من قرى مجاورة.

هذا ويعتزم المغرب إطلاق برنامج لإعادة تشجير نحو 9 آلاف هكتار من الغابات التي أتت عليها الحرائق، وفق ما أعلنت الحكومة المغربية عقب الأحداث، في خطة تتضمن أيضاً دعم المزارعين وإعادة بناء بيوت متضررة، في حين رصدت لها ميزانية تناهز 290 مليون درهم، أي ما يناهز 28 مليون دولار أميركي.

ويشار إلى أن المغرب عرف منذ أيام موجة حرارة شديدة تراوحت بين 40 ـ 48 درجة مئوية في بعض المناطق، في وقت تعاني البلاد من جفاف استثنائي ونقص في موارد المياه بسبب التقلبات المناخية، فيما بلغت المساحة الإجمالية المتضررة من حرائق الغابات المتزامنة التي شهدتها عدة مناطق في المغرب، بـ 10 آلاف و300 هكتار.