"غاربالايزر" مشروع نسوي لتحويل النفايات إلى سماد عضوي

في محاولة لإيجاد حلول ناجعة لأزمات عدة يعاني منها لبنان ولتحقيق أهداف التنمية المستدامة، تسعى العديد من النساء في لبنان إلى إطلاق مشاريع منها الابتكار الزراعي.

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ انطلاقاً من الأزمات المتعددة التي يعاني منها لبنان عموماً وبلدتهم بريتال خصوصاً، بدأت شقيقتان بمشروع ريادي، بهدف تحويل النفايات العضوية إلى سماد عضوي وبمقاربة مبتكرة نالتا عليها براءة اختراع.

تمكنت كل من حنان وزينب إسماعيل من إيجاد حل لمشكلة النفايات العضوية والتي تعتبر معضلة في معالجة النفايات في لبنان والعالم، وكذلك تأمين سماد عضوي سائل بكلفة اقتصادية منخفضة تساهم بالأمن الغذائي، وتقلل تكاليف الأسمدة الكيميائية على الاقتصاد والبيئة، وصولاً إلى تأمين عدد لا يستهان به من أهداف التنمية المستدامة وخدمة المجتمع المحلي.

تقول الرئيسة التنفيذية للمشروع زينب إسماعيل لوكالتنا "بالرغم من أن اختصاصي هو في مجال الهندسة الكهربائية، وشقيقتي تختص في مجال الإدارة والتسويق والاقتصاد، وهما مجالان بعيدان كل البعد عن الزراعة، إلا إن تفاعلنا مع الأزمات التي يعاني منها مجتمعنا دفعنا لإطلاق مشروع يخدم بلدتنا باعتبارها مجتمعاً زراعياً، خاصةً وأننا من عائلة كانت ولا تزال تعتمد على الزراعة".

وأوضحت أنه "في الآونة الأخيرة ومع ما شهدناه من أزمات متعددة ولاسيما الاقتصادية منها، وارتفاع أسعار الأسمدة المستوردة بمعظمها في ظل انهيار سعر الليرة مقابل الدولار، ومعاناة المزارعين لتأمين الدخل والقوت خلال العام، بالإضافة إلى أزمة النفايات التي لم يتم وضع أي حلول ناجعة لها، بدأت مع شقيقتي خلال جائحة كورونا وبتشجيع من والدتنا، في تجربة صنع سماد عضوي في المنزل".

وعن أول تجربة لهما تقول "أحضرنا في البداية حاوية صغيرة جمعنا بها بقايا النفايات العضوية من خضار وأغصان أشجار وقشور البيض، وبدأنا بالمحاولات لتسريع عملية التخمير والمعالجة، واستخدمنا بعدها خزاناً عوضاً عن الحاوية، لنتوصل في النهاية إلى معادلة تمكننا من إنتاج سماد عضوي سائل ذو خواص هامة وبكميات أكبر، جربناها بأنفسنا على المزروعات، حتى حصلنا على نتائج مشجعة للغاية من حيث جودة وكمية الإنتاج، وبدأنا بالانتقال إلى دراسة المشروع والإنتاج على مستوى أكبر، وتمكنا من إنشاء معمل يمكن أن ينتج سنوياً بالحد الأقصى حوالي 480 ألف لتر من السماد العضوي السائل الذي أطلقنا عليه اسم "غاربالايزر" Garbaliser وهو اسم مشتق من النفايات Garbage والسماد Fertilizer".

وحول عملية تحويل النفايات لأسمدة عضوية توضح "يتطلب تخمير النفايات العضوية لإنتاج الكومبوست فترة طويلة، كما وأنه يطلق روائح كريهة وغازات سامة، إلا أنه في المعمل يتم التخلص من تلك الروائح فهناك القطاعة التي تقوم بتحويل المواد العضوية إلى قطع صغيرة لتتجه بعدها إلى الخزان الهاضم المعزول وفيه يخلط مع مواد أخرى وبنسب معينة تعالج مسبقاً لحوالي 20 يوماً، لتتوجه المواد بعد معالجتها إلى 3 خزانات أكبر حيث تم عزل الغرفة بكاملها، ليتم معالجتها فترة أطول، وبعد فترة الـ 20 يوماً يمكن استعمال المنتج، أما الغاز السام الناتج أي الميثان، فننوي تطوير استخدامه في المستقبل في مجالات عدة ومنها إنتاج الطاقة".

وعن مصدر المواد تقول "حالياً نجمع النفايات العضوية من بلدتنا بريتال، ونستقبل بالمعدل 200 كيلوغراماً يومياً، وتتابع إحدى العاملات معنا التوعية على مبدأ الفرز من المصدر، فهذه العملية يمكن ألا تساهم بحل أزمة النفايات وحسب، بل قد تشكل مردوداً لا سيما للمواد المعاد تدويرها أي البلاستيك والحديد والكرتون، وكذلك سنعمل على استحداث برنامج جوائز تعويضية ونقاط على شكل هدايا عينية مثل زراعة شجرة وغيرها، لتشجيع النساء على الفرز من المصدر".

وأشارت إلى أن المعمل ينتج "عبوات صغيرة خاصة بربات المنازل معدة للاستعمال المباشر على أوراق النباتات، وعبوات أكبر بسعة ليتر وثلاث ليترات و9 ليترات وغيرها، وهي مركزة للمزارعين، يمكنهم تخفيفها بالمياه ويمكن استعمالها عبر أنابيب التنقيط ليتم امتصاصها عبر التربة أو بالرش على أوراق النباتات".

وفيما يتعلق بفوائد السماد العضوي السائل تقول "بالمقارنة مع المواد الأخرى فإن منتجنا يحتاج وقت أقل ليتم استخدامه وكذلك لامتصاصه من النباتات بالمحصلة فإن التخلص من بقايا النفايات العضوية وإنتاج سماد عضوي سائل يسهل عمل المزارع، ويفيد على المدى المتوسط والبعيد وعلى أصعدة عدة".

وترى زينب إسماعيل أن "مشكلة انقطاع الكهرباء شكلت المعضلة الأكبر، لذا أنشأنا وحدة الطاقة الشمسية التي يمكن أن تولد حوالي 30 أمبير على الأقل، فالقطاعة تحتاج لطاقة كهربائية تصل إلى 3 فاز، وحوالي 30 أمبير، كما وأننا بصدد شراء آلات أخرى إضافية لمراحل متقدمة، ونحن بصدد إعداد خطة تسويقية شاملة، بداية بالمراكز الزراعية المختصة كالمشاتل والصيدليات الزراعية لتسويق المنتج، لذا تم توظيف مديرة تسويق وهي ديانا الموسوي الموجودة معنا اليوم لتقوم بإعداد خطة متكاملة".

وعن المشاريع المستقبلية أوضحت أنهم على تواصل مع جمعيات بيئية في كل من الشوف وعكار والجنوب، لاستحداث منشآت مشابهة مع جهات تقوم بعملية الفرز من المصدر، ولديهم مشكلة بمعالجة النفايات العضوية، على أمل توسيع المشروع وإمكانية التصدير إلى الخارج".

 

 

وقالت مديرة تطوير المشروع زينب المصري "نستقبل الكثير من الملاحظات والشهادات الحية لمستخدمي المنتج من حيث الكمية وجودة الإنتاج العالية، ونعمل خلال الأبحاث التي نجريها على منتجنا، لزيادة مقاومة النباتات لآفة الهالوك، التي تتسبب بأضرار اقتصادية كبيرة وخصوصاً لمحصولي البطاطا والبندورة، إن منتجنا تمكن من الحد من هذه الآفة الزراعية إلى حد كبير، كما ساهم بكبر حجم الثمار وجودتها ونكهتها، ونسعى إلى تطوير المنتج ليساهم في تقليل المواد الكيميائية والمبيدات وغيرها وأن تكون المحاصيل ذات مناعة ومقاومة للأمراض".

 

 

من جهتها قالت المزارعة سكنة طليس "على مدى عامين استخدمت منتج "غاربالايزر" على قطعة أرض أزرعها بأنواع مختلفة من الخضار، خاصة الخضار الورقية كالخس والبقدونس والنعناع والكزبرة والسلق والملفوف، وقد حصلت على نتائج جيدة من حيث حجم ولون الأوراق، كما أن الخضار مثل الكوسا والفليفلة والبندورة والشمام والبطيخ أنتجت ثماراً كبيرة وذات نكهة مميزة، وجربت المنتج على شجرة زيتون صغيرة، وقد أنتجت ثماراً كبيرة للغاية".